منذ بزغ النوروز في عمق التاريخ قبل آلاف السنين كعيدٍ لميلاد الحياة الجديدة ورمزاً للتحرّر والحرية، والخلاص من الظلم والاستبداد، وإن كان النوروز يعني رأس السنة بالنسبة للكُرد والفرس وشعوب أخرى، إلا أنّه بالنسبة للكرد على الأقلّ يعدو كونه مجرّد احتفاء برأس سنة جديدة، فهي رمزُ التحرّر منذ فجر التاريخ، وتعبير عن هوية متمايزة للكُرد أينما كانوا.
وفي سياق الحديث عن النوروز في سوريا، لا يمكننا ان نقف على حادثة كان لها التأثير الكبير في تنظيم احتفالات النوروز، في العام 1986 منعت السلطات الأمنية السورية الكُرد من الاحتفال بالعيد في دمشق، حيث يتواجد الآلاف من الكُرد، فخرج العشرات في احتجاج ساروا فيه إلى صوب القصر الجمهوري، فما كان من الحرس الجمهوري إلا وصوّب النيران صوب المحتجّين، ما أدى إلى استشهاد الشاب سليمان آدي ذو الـ 19 ربيعا، ونتيجة للاستياء العام على خلفية عملية قتل آدي ما كان من نظام البعث إلا أنّ أعلن يوم الحادي والعشرين من آذار عطلة رسمية لكن تحت مسمّى عيد الأم، مع العلم أنّ عيد الام السورية وبحسب طوابع تذكارية سابقة هو الـ 14 أيار.
نوروز سوريا
منذ سقوط الأسد الدكتاتوري في دمشق 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 والسوريون يعيشون نوروزهم الخاص، يوم بزوغ شمس الحرية بما يُشبه بداية تقويمٍ دالٍّ على الحرية أقلّه في التاريخ السوري المعاصر الذي عاش فيه السوريون سحابة خمسة عقود من حكم الطغمة الأسدية ونظام البعث، كلّ ذلك والسوريون يستبشرون خيراً بالخطوة اللاحقة، بعد سنيّ التغريبة السورية.
بالنسبة للمناطق الأخرى الخارجة عن سيطرة النظام السابق، فإنّ الخطوة التالية كانت خطوة الاستحقاقات الوطنية، فما الذي انتظرته الفعاليات المختلفة في مناطق شمال وشرق سوريا، أو تلك الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية؟
مضمار لشعب مُتعب
كانت الأحداث مُتسارعة في سوريا لدرجة أنّها كانت أسرع من بناء خيطٍ عاطفيٍّ أو خيطٍ تفاعلي مع مختلف الأحداث، بحيث أضحت مضماراُ على السوريين التسابق فيه مع الزمن لتجاوز الطحن الاقتصادي والموازنة ما بينه وبين الاستحقاقات الأخرى التي خرجوا من أجلها قبل أربعة عشرة عاماً، لكن ثمة نقاط فارقة يُمكن رسمها في هذا التسارع، وهي التي تؤسّس لهذه المرحلة الانتقالية، التي يُحاول الإعلام الرسمي الحكومي (للفترة الانتقالية) القفز فوقها، بحيث لا يذكرون كلمة الفترة الانتقالية في الصفات والقرارات الحكومية، في محاولة لإضفاء نوع من الديمومة على المؤقّت، في عُرفٍ عسكريّ (فوق دستوري) يُسمّى: (من يحرّر يُقرّر).
هذا الخط الزمني يُمكن رسمه في عدة ثلاث:
(مؤتمر إعلان النصر – مؤتمر الحوار الوطني – أحداث الساحل – اتفاق عبدي والشرع – الإعلان الدستوري).
وبين مفاصل هذه النقاط الزمنية دارت وتدور الأحداث الأخرى، بينها الإعلان الدستوري للفترة الانتقالية وتعبيره عن ثيمة التنوّع السورية، بحيث يغدو النوروز عيداً يتم فيه تعطيل الدوائر الرسمية في كافة البلاد، كما ينبغي لعيد قومي لثاني أقلية سورية، وهو ماينطبق على الأعياد الخاصة بالأقليات والإثنيات الدينية والعرقية الأخرى.
إعلان دستوري منقوص
كان لاتفاق مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية وأحمد الشرع الرئيس السوري للفترة الانتقالية دورٌ في الاعتراف لأول مرة في تاريخ سوريا الحديث بالكُرد والتعامل معهم على مستوى سياسي وذكرهم في اتفاقات مُعلنة، بما يضمن لهم جملة من الحقوق.
لكن لم يجفّ حبر الاتفاقية بعد حتى صدر الإعلان الدستوري للفترة الانتقالية المؤقتة التي ستمتدُّ زهاء خمس سنوات، وكان هذا الإعلان مخيّباً لآمال السوريين ممن يُمكن تسميتهم بـ (الفسيفساء) المتنوّعة لسوريا.
فخلت الديباجة من أي ذكر للمكوّنات السورية (العرقية والدينية) والتفاخر بها في إطار التنوّع السوري الذي كان الامتحان الأصعب للأسدين وللبعث ويبدو أنّه تحوّل لامتحان صعب للحكّام الجدد.
إدارة التنوّع
يُمكن بكلّ بساطة أن يتم وصف حقبة البعث خاصة بأنّها كانت حقبة إدارة اللاتنوّع في سوريا، فكلّ الفسيفساء الوطني الذي تغنّى به البعث لم يكن يتجاوز عرض بعض الدبكات الفلكلورية التي لم يكن يُشير إليها صراحة كمعبّر عن التنوّع السوري.
في الإعلان الدستوري للفترة الانتقالية المؤقتة خلت الديباجة من ذكر أي تنوّع سوري، فضلا عن تكريس الواحدية والمركزية العربية الإسلامية، والبند الوحيد الذي أتى على ذكر التنوّع السوري كان البند الثالث من المادة السابعة ومع ذلك يُلزم هذا البند الحكّام الجدد بالالتفات للتنوّع السوري، وكان أقلّه إعلان عيد نوروز عيدا وطنيا سوريا وتعطيل الدوائر الرسمية والمُشاركة مع الكرد السوريين في إشعال نار النوروز ليلة العشرين من آذار.
*نشرت هذه المادة في الصفحة الأخيرة من العدد الثالث من صحيفة 963+ الأسبوعية والصادرة يوم الجمعة في 21 آذار/مارس 2025.
تستطيعون تحميل كامل العدد الثالث من الصحيفة عبر النقر هنا: تحميل العدد بشكل كامل.