بيروت
في الحروب، يُنظَر إلى النازحين بوصفهم ضعفاء لا حول لهم ولا قوّة، وقبل أي نقاشٍ آخر، يُفتَرَض تقديم العون لهم وحمايتهم لحين انتهاء الحرب وعودتهم إلى ديارهم بأمان.
النازحون السوريون تحوَّلوا بعد نحو 13 عاماً من عمر الحرب في البلاد، إلى أرقامٍ يتقاذفها المجتمع الدولي والدول المضيفة، وتحديداً في لبنان الذي يغرق في أزمة اقتصادية لا يُحسَد عليها. لكن وفق طبيعة تعقيدات السياسة اللبنانية الداخلية، يُستَغلُّ ملف النازحين السوريين.
فحين يريد أحد الأطراف اللبنانية الاستفادة من النازحين للضغط على المجتمع الدولي للحصول على تمويل، يصبح النازحون أرقاماً تُثقِلُ الاقتصاد والبنية التحتية والاستهلاك والبيئة… وغير ذلك. وإذا أراد طرفٌ ما تلميع صورته، يتحوَّل النازحون إلى حالات إنسانية يجب حمايتها فوراً، بعيداً من أي اعتبار آخر.
وإذا كانت الأطراف اللبنانية تتعامل مع ملف النازحين بحساباتٍ داخلية، ينظر المجتمع الدولي للنازحين اليوم، بوصفهم “ورقة محروقة”، لم يعد لها أهمية في موازين القوى، سيّما في ظل الحرب في أوكرانيا وفي قطاع غزّة أخيراً.
وعليه، تتّجه أموال المجتمع الدولي نحو أوكرانيا والداخل الأوروبي. ما ينعكس على تمويل تجمّعات النازحين في لبنان، وهو ما التمسَه وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني هيكتور حجّار، بعد “جولة أوروبية بين باريس وبروكسل”، وفق ما أكّده حجّار الذي لفت النظر إلى أن “المجتمع الدولي يبشّرنا بخفض المساعدات، وأن لا حلول سياسية للموضوع”.
وعلى صعيد لبناني داخلي، يضيف حجّار أن المؤسسات المعنية بتنفيذ آلية المساعدات “سيخفضون أعداد المستفيدين، وهم أساساً خفضوا الدعم وأوقفوه عن اللبنانيين، والأمر سار على العائلات السورية”.
وبالتالي، يتعامل المعنيون داخلياً وخارجياً مع النازحين، “بالأرقام”. أي في حال تم تأمين الأموال “نعطي. وبغياب المال لا نعطي. وكأننا لا نتعاطى مع الفقراء ومع أشخاص يعيشون في الخيم ووضعهم الإنساني صعب، إن كانوا لبنانيين أو غير لبنانيين”.
ومع النظرة الإنسانية لوزارة الشؤون، لملف النازحين السوريين، إلاّ ان الأرقام التي تورِدها، تقول بشكل او بآخر، أن النازحين يشكّلون ضغطاً كبيراً على البنى التحتية في كافة القطاعات.
وبحسب أرقام الوزارة، كما يقول حجّار، فإن كلفة وجود نحو 2 مليون و100 ألف نازح سوري على الأراضي اللبنانية، وصلت إلى نحو 50 مليار دولار، بينما مساهمات المجتمع الدوليّ منذ بداية الأزمة لم تتجاوز 12 مليار دولار.
ووفق الوزارة، فإنّ خسائر لبنان في قطاع المياه هو بين 2015 و2022 تتخطّى المليار و633 مليون دولار. في حين أنّ خسائر الكهرباء بين 2014 و2020 قد بلغ 23 مليار دولار.
وعلى مستوى النفايات ينتج النازحون يومياً 1500 طن وتقدّر تكلفتها لـ8 سنوات بـ657 مليون دولار.
وفيما يتعلّق بالقطاع الصحّي، اوضحت الأرقام أنّ التكلفة على البنية التحتية لهذا القطاع تتخطّى الـ611 مليون دولار. أما التكلفة في قطاع التربية فهي مليار و500 مليون دولار.
كذلك ساهم النزوح السوري وفق التقرير بارتفاع نسبة البطالة في لبنان 35%، بينما تراجعت الصادرات بنسبة 30% وارتفعت نسبة الجريمة بنسبة 30%.
الأرقام المعلَنة، وتخفيض التمويل والمساعدات، تعني بأن ملف النازحين السوريين في لبنان لا يتّجه نحو الأفضل، بل إن استمرار الحروب والصراعات في المنطقة والعالم، تنعكس سلباً على النازحين بسبب تقليص التمويل. ولذلك، من غير المستبعد تفاقم أوضاع النازحين في لبنان في المستقبل القريب.