خاص – دير الزور
منذ تدخل “الحرس الثوري” الإيراني والفصائل الموالية له في سوريا لدعم القوات الحكومية قبل أكثر من عقد، تستمر عمليات تجنيدهم للعناصر المحليين، مستغلين الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعانيها السوريون، وسط تأكيدات عن عمليات تمييز بينهم وبين الأجانب من عراقيين ولبنانيين وأفغان، ما يسلط الضوء على الأهداف المتعلقة بالنفوذ والوجود طويل الأمد بالبلاد من الدول المتدخلة بالأزمة.
وتعتبر الفصائل الموالية واحدة من القوى العسكرية المؤثرة في الصراع السوري، حيث لعبت دورًا كبيرًا في دعم القوات الحكومية، وتتكون هذه الفصائل من مزيج من العناصر الأجانب والمحليين، ولكل منهم دوافعه الخاصة للانتساب، ولكل منهم امتيازات أو فروقات تختلف عن الأخرين.
تمييز ضد العناصر المحليين
حسين الحسين (30 عاماً) عنصر في “الحرس الثوري” الإيراني منذ نحو 3 سنوات، يقول: “كنت مقاتلاً في وحدة المشاة وشاركت في عدة عمليات عسكرية، وكنت إلى جانب عناصر آخرين مسؤولاً عن تأمين المناطق التي يتم السيطرة عليها في ريف دير الزور، لكن الجانب السلبي في هذه التجربة هو وجود تمييز واضح بين السوريين والعناصر الأجنبية وبين السوريين أنفسهم، بناءً على المذهب من حيث كون العنصر شيعياً أو سنياً، وغالباً ما تتولى المناصب القيادية عناصر من جنسيات غير سورية خاصةً العراقيين واللبنانيين”.
ويضيف حسين (اسم مستعار) لموقع “963+”، أنه “انضم للحرس الثوري قبل نحو 3 سنوات من أجل تأمين الحماية لنفسه وعائلته في ظروف صعبة كانت تعانيها محافظة دير الزور، وهجمات يشنها تنظيم داعش، وما يتبع ذلك من حملات تشنها القوات الحكومية في القرى المجاورة واعتقال الشبان بشكل متكرر”.
ويردف: “نحن كعناصر محلية، نتلقى الأوامر ونتبع التعليمات فقط. بالإضافة إلى ذلك، نحن نتقاضى رواتب أقل ولا نتمتع بالامتيازات التي يحصل عليها العناصر من الطائفة الشيعية أو القادمين من خارج سوريا، نشعر أننا أدوات”، مشيراً إلى أن “هناك استياء بين العناصر المحلية من عمليات التمييز الواضحة ضدنا”.
ويعرب عن أمله، في أن “يأتي اليوم الذي يستطيع فيه العودة إلى حياته الطبيعية، بعيدًا عن الصراع والمعاناة”.
أحمد ناصر، اسم مستعار لعنصر في “لواء القدس” الموالي لإيران، ينحدر من ريف دير الزور الشرقي، يروى لـ”963+”، أنه “خلال الفترة التي كانت فيها محافظة دير الزور تحت سيطرة تنظيم “داعش”، اضطر للعمل مع التنظيم كجابي إيصالات للكهرباء، وبعد سيطرة القوات الحكومية والفصائل الموالية لإيران على المنطقة قرر الهروب إلى لبنان لكنه عاد بعد أن وجد نفسه بلا مأوى، وتوسط أحد أقربائه في “لواء القدس” وتعهده بحمايته من الملاحقة الأمنية”.
ظروف اقتصادية صعبة
يقول: “كانت ظروف الحياة صعبة للغاية، خاصة بعد تدمير منزلي وتشريد عائلتي، لذا شعرت بالحاجة إلى الانضمام إلى فصيل مسلح يمكن أن يوفر لي بعض الحماية، وقد وعدوني برواتب جيدة ومساعدات”، ويضيف: “القرارات تتخذ دائماً من قبل القادة الإيرانيين أو العراقيين أو اللبنانيين، نحن وقود للمعارك”، مشيراً إلى أنه “مضطر للاستمرار مع “لواء القدس” لأنه مطلوب للقوات الحكومية.
ولفت إلى أن “الثقة والصلاحيات والنفوذ تعطى في “لواء القدس” للعناصر اللبنانيين والعراقيين أو السوريين من الطائفة الشيعية، حتى وإن كانوا حديثي الانتساب، يتلقون المكافآت والامتيازات، بما في ذلك تأمين مساكن لعائلاتهم وحقهم في حمل الهواتف المحمولة، مما يجعلهم مقربين جدًا من القادة العسكريين ويتنقلون في السيارات العسكرية الحديثة”.
على النقيض من ذلك، يُحرم العناصر المحليون من جميع هذه الامتيازات، ورغم زجهم في الجبهات والقتال، يشعرون بأنهم تحت المراقبة الدائمة. ومن المستحيل أن يقتنع قادة الفصائل بأن العناصر المحليين موالين لإيران، حيث يعتبرون أن همهم الوحيد هو الراتب الذي يتلقونه”.
يقول علي العباس، وهو أحد عناصر “الحرس الثوري” الإيراني في سوريا من الجنسية العراقية: “أنا من العراق، جئت إلى سوريا للانضمام إلى الحرس الثوري الإيراني بهدف حماية المقدسات الدينية. يعتبر الدفاع عن هذه المقدسات واجبًا دينيًا على كل أبناء الطائفة الشيعية”، ويضيف في حديث لموقع “963+”: “نحن نستحق رواتب أعلى من العناصر المحليين لأننا قادمون من دول أخرى، وهذا يعكس طبيعة المخاطر التي نواجهها، لكن رغم وجودنا هنا لحماية تلك المقدسات، نشعر غالباً بعدم الارتباط بالمكان والمجتمع المحلي”.
يتحدث علي عن “التحديات اليومية التي يواجهها، مثل عدم فهم العادات والتقاليد المحلية، مما يزيد من شعوره بالانفصال عن المجتمع الذي يُفترض أنه يحميه”.
ويسلط حديث العنصر العراقي، الضوء على كيفية استخدام أفراداً عبر استغلال انتمائهم أو شعورهم الديني والطائفي والعراقي، لتحقيق أهداف معينة، ما يتبع ذلك من مواجهة تحديات اجتماعية ونفسية قد تؤثر على قدرتهم على الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها.
استراتيجيات إيرانية للاستقطاب
يعتبر إبراهيم الحسن، الخبير والباحث العسكري في قضايا التجنيد بالفصائل الموالية لإيران، أن “إيران تعتمد على مجموعة من الاستراتيجيات في تجنيد العناصر، حيث تستغل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها الشباب السوري. يتم تقديم وعود برواتب جيدة ومساعدات مالية للعائلات، مما يجعل الانضمام إلى الفصائل خياراً جذاباً للعديد من الشباب”.
ويشير في تصريحات لـ”963+”، إلى أن “إيران تستخدم أيضاً الخطاب الديني والسياسي لتصوير الانضمام إلى الفصائل كواجب ديني أو قومي، ويتم تعزيز ذلك من خلال تنظيم فعاليات ثقافية ودينية. كما تستقطب إيران الشباب المطلوبين من قبل القوات الحكومية، والذين انضموا سابقاً إلى فصائل أخرى كفصائل المعارضة المسلحة أو تنظيم داعش أو جبهة النصرة”.
ويرى الخبير العسكري، أن “مستقبل العناصر المحلية غير واضح مع تراجع النزاع العسكري. فقد يجد الكثير منهم أنفسهم بلا وظائف أو دعم أو أمان. هناك مخاوف من أن يتم التخلي عنهم بعد انتهاء الحاجة إليهم، حيث تسعى إيران دائماً لاستغلال الأزمات العسكرية والسياسية والاقتصادية لاستقطاب الشباب”.
ويؤكد، أن “الأوضاع الاقتصادية الصعبة مثل البطالة وارتفاع الأسعار تجعل الكثير من الشباب يبحثون عن فرص عمل حتى لو كانت في سياقات عسكرية، كما أن الأزمات السياسية وعدم الاستقرار تجعل الشباب يشعرون بأنهم بحاجة إلى الانتماء إلى جهة قوية تدافع عنهم”.
وتسلط عمليات الاستقطاب المستمرة من قبل الأطراف المتصارعة والقوى الإقليمية المتدخلة في الأزمة السورية، الضوء على الحاجة إلى حل سياسي للأزمة السورية يقود إلى إصلاحات اقتصادية وإعادة الإعمار وتحسين مستوى المعيشة، لتجنيب الشباب السوري المزيد من الانخراط في الصراعات العسكرية.
يشار، إلى أن إيران تحتفظ بعشرات الفصائل الموالية لها إلى جانب قوات من “الحرس الثوري” في مناطق متفرقة من سوريا خاصةً محافظة دير الزور في الشرق، حيث تقدّر مراكز إحصائية سورية عدد عناصر تلك الفصائل بالمحافظة بنحو 15 ألف عنصر ينتشرون في المنطقة الممتدة من المدينة شمالاً مروراً بالميادين وصولاً إلى البوكمال على الحدود العراقية.