خاص / إدلب
تنتشر بضائع إيرانية الصنع في أسواق محافظة إدلب الواقعة شمال غرب سوريا، وتتنوع بين مواد التدفئة كقشر الفستق والبندق وبعض المواد الغذائية، مثل التمر والزبيب والتين وحليب الأطفال، والأدوات الكهربائية والزجاج الإيراني، إضافة إلى الحديد والسراميك والزيوت المعدنية والأدوات الصحية. وتعدّ هذه البضائع ذات جودة مقبولة، إلا أن أسعارها غير منافسة في السوق المحلية، وفق ما يؤكد تجار عدة، إذ تصطف بجانبها على الرفوف بضائع تركية وصينية وغيرها.
لا يحمل معظم المنتوجات الإيرانية في أسواق إدلب علامة للمنشأ، بينما يوسم بعضها بأنها تركية الصنع، إلا أن التجار يستطيعون تمييزها بفضل خبرتهم في الأصناف.
أصناف إيرانية
يردّ تجار إدلب توافر هذه البضائع الإيرانية، وترويجهم لها على صفحاتهم في “فيسبوك” وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، إلى واقع تجاري لا يمكن إنكاره: ثمة من يفضل شراء بعض المصنوعات الإيرانية لأنها أجود من المصنوعات الأخرى. يقول فهد الشامي، وهو تاجر بمواد التدفئة في كفر تخاريم، لـ”963+”: “قشور التدفئة المصنوعة في إيران أفضل كثيراً من تلك المصنوعة في تركيا، بينما يتفوق عليها الصنف الأذربيجاني، إلا أن موسمه يأتي مع قرب نهاية الشتاء، لذا لا يُلائمنا”.
ويضيف الشامي: “ما كنت أعرض الصنف الإيراني، لكن الطلب عليه زاد، فاضطررت إلى تلبية الطلب، وبعت 50 طناً من قشور التدفية المصنوعة في إيران في أيلول/سبتمبر الماضي، بينما بعت أطناناً قليلة من الأصناف الأخرى”، علماً أن قشر الفستق الإيراني أفضل أنواع القشور للتدفئة جودةً، “إذ يتميز بأنه لا يحتوي على قشور ناعمة أو غير قابلة للاحتراق، ولا يحتاج إلى الغربلة. يُباع الطن من قشر الفستق الإيراني الأول بنحو 163 دولاراً، بينما يباع الطن من القشر التركي (المغربل) بنحو 158 دولاراً.
لكن، كيف تصل هذه البضائع إلى اسواق إدلب؟ يجيب الشامي: “تأتينا قشور التدفئة الإيرانية من طريق معبر باب الهوى، معبأة في أكياس مختلفة عن باقي المنتجات، لا تحمل اي إشارة إلى بلد المنشأ، وإدارة المعبر تعرف أنها بضائع إيرانية لكنها تغض الطرف، فيما يعمل التجار على إدخاله إلى الأسواق تحت مسمى ’الصنف التركي‘”.
ويعقّب “عماد”، وهو صاحب متجر للأدوات المنزلية في إدلب: “الطلب كبير على آنية الطهو والصحون والكؤوس المصنوعة في إيران، بسبب جودتها العالية، لكن ما يعيبها هو سعرها، مقارنة بمصنوعات أخرى”، مضيفاً لـ”963+”: “يفضل معظم الزبائن المصنوعات الإيرانية، إلا أن أغلبية واسعة بينهم لا يعرفون حقيقة مصدرها الأصلي، بينما نحن التجار نستطيع تمييزها من غيرها، ولو لم تحمل عبارة ’صنع في الجمهورية الإسلامية‘، وبعضها متوفر في الأسواق منذ وقت طويل”.
لكن، عندما يسأل الزبائن “عماد” أين صنعت هذه الآنية، “أضطر حينها إلى الإقرار بأنها إيرانية، فيُحجم بعضهم عن الشراء، بينما لا يبدي آخرون أي ردة فعل”، كما يقول.
آراء مختلفة
يرفض “أحمد”، وهو من سكان مدينة زردنا التابعة لناحية معرة مصرين في محافظة إدلب، شراء أي منتوجات إيرانية، “لأنني أرى في ذلك خيانة لدماء الشهداء، وللقضية التي أناضل من أجلها”، كما يقول لـ”963+” بقليل من العصبية، حتى أنه يجاهد عبر وسائل التواصل الاجتماعي “لأفضح تفشي هذه البضائع، وأدل الناس على أصنافها في منشورات تحذيرية ليمتنعوا عن شرائها”، مندداً بالسلطات المحلية التي لا تمنع انتشارها.
يشكو “أحمد” أنه لم يجد أذاناً مصغية لنداءاته المتكررة، ويشاطره المئات رأيه هذا رافضين شراء البضائع الإيرانية الصنع، ويقاطعونها، فيما لا يأبه مئات آخرون لمسألة “المنشأ” أو مسألة “إيران”، فيشترون هذه المنتوجات متحججين بجودتها.
يقول “مهند”، وهو صاحب متجر لبيع المواد الغذائية، إنه باع عشرات الأطنان من التمور الإيرانية “التي ما زالت تشهد طلباً عالياً، بفضل طعمها المميز وحباتها الكبيرة، رغم فقدانها من السوق بنهاية موسمها في رمضان الكريم الفائت”، مضيفاً لـ”963+”: “لقد بعت كيلو التمر الإيراني بدولار واحد تقريباً، بينما بعت التمور الأخرى بأضعاف هذا السعر”.
في المقابل، يقول محمد شهاب، وهو من سكان معرة مصرين بريف إدلب، لـ”963+”: “حتماً، لا يمكن البضائع الإيرانية أن تؤثر في موقف الناس من رؤية إيران كعدو”، لافتا الى أن وجود بعض البضائع الإيرانية لا يزال محدوداً، “ومعظم الناس يجهلون أنها إيرانية”.
يضيف شهاب: “ثمة فارق كبير بين الاستفادة التجارية من منتجات صنعت في إيران، وبين وجود علم إيراني، حتى إن البضائع الإيرانية لا تحمل علامة تجارية واضحة ولا وجود للعلم عليها وهو أمر يدركه التجار بأنه سيؤثر على البيع لذلك يخفونه، العداء مع إيران هو من منطلق ديني ووطني”.
ويقول “مهند”: “يأتني بعضهم مستنكيرين بيعي التمور الإيرانية، بينما يطلبها آخرون، وعليهم أن يعرفوا أن المستوردين يأتون بالبضائع، وإن لم نشترِ منهم، نبقى خارج السوق”.
السلطات: لسنا مسؤولين
يقول مضر العمر، المسؤول بوزارة الاقتصاد والموارد في “حكومة الإنقاذ”، إن تركيا تستورد البضائع الإيرانية وتضخها في الأسواق التركية بموجب اتفاقيات تجارية ثنائية بين البلدين، “فيبادر بعض التجار الأتراك إلى تغيير شهادة المنشأ لتصبح تركية بدلاً من إيرانية، نظراً لأن التكلفة الإيرانية أقل من نظيرتها التركية، وهذا يصعّب التحكّم بهذه العمليات”.
يرسم مركز كاندل للدراسات، وهو مجموعة بحثية مستقلة، خريطة طريق تجارية للاستيراد في شمال غرب سوريا: يشتري التاجر البضاعة التي يريد إدخالها إلى شمال سوريا من الأسواق التركية، أو يستقدمها من خارج تركيا عبر الموانئ التركية، ثم تمر في الأراضي التركية بصفة ترانزيت، وتمنح وثيقة تثبت أن البضاعة للتصدير الخارجي، وبذلك تعفى من الضرائب التركية، فيدخلها التاجر إلى الشمال السوري مستعيناً بشركات شحن تركية.
يضيف مركز كاندال للدراسات: “في المعابر السورية التي تسمح بإدخال البضائع (باب السلامة ومعبر الراعي ومعبر جرابلس)، يُكشف على البضاعة ويُسمح بدخولها إلى الشمال السوري بالتنسيق مع مكتب التخليص الجمركي الذي يحصل على بيان جمركي من مكتب الجمارك، فيقوم بإجراءات عدة، ويحظر دخول أي بضاعة من منشأ إسرائيلي أو روسي أو إيراني، للاستهلاك المحلي أو للترانزيت”.
يضيف العمر لـ”963+”: “تتم عملية استيراد الإسمنت خصوصاً عبر شركات تركية معروفة وموثوقة، أما قشور التدفئة، فتستورد من تركيا”، وهذا ما نفاه نفياً قاطعاً عدد من التجار، أكدوا لـ”963+”وجود إسمنت إيراني في الأسواق، ولهذا الإسمنت زبائنه، رغم أنه يباع بأسعار مرتفعة.
بلى.. تدخل
يغالط الخبير الاقتصادي أحمد كوراني ما أورده مركز كاندال، ويقول إن السوق التركية “مفتوحة أمام البضائع المختلفة المنشأ، وهي المنفذ الوحيد للمنطقة”، موضحاً لـ”963+” أن والبضائع الإيرانية تباع في الأسواق التركية بأسعار منافسة، وأن إيران تستفيد من علاقاتها الاقتصادية مع تركيا، “وتسعى إلى طرح بضائعها بأسعار منافسة، وإلى استقطاب التجار المصدرين لمناطق شمال سوريا التي لا تخضع للرقابة الدولية، وهي سوق مثالية يمكنها تصريف بضاعتها هناك”.
تعليقاً على هذا النقاش، يقول مازن علوش، المسؤول الإعلامي في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، لـ”963+” إن إدارة المعبر “لا تسمح بمرور البضائع ذات المنشأ الإيراني، إلا إن عبور هذه البضائع أمر وارد بسبب التلاعب في شهادات المنشأ، والذي يحصل في تركيا، فتمر إلى الأراضي السورية من خلال شركات تركية على أنها منتوجات تركية”.