لا يمر يوم على سوريا دون تعرضها للقصف، سواء في شمال البلاد أو جنوبها، وسط استمرار دوامة العنف التي يدفع السوريون ثمنها، في ظل غياب ردود فعل حاسمة من المجتمع الدولي، وتجاوزات تمس سيادة البلاد وأرواح المدنيين.
وعند منتصف ليلة الأحد – الاثنين، استهدفت غارة تركية منزلاً في ريف كوباني شمالي سوريا، ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص من عائلة واحدة، بينهم أطفال، وإصابة فتاتين أخريين. ولم تمضِ ساعات حتى فارقت إحداهما الحياة متأثرة بجراحها البليغة، لتنضم إلى أفراد عائلتها الذين فقدوا حياتهم في الهجوم.
وفي السياق ذاته، شنت إسرائيل غارة على موقع في محيط درعا جنوبي البلاد، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 19 آخرين، نُقلوا إلى المستشفيات لتلقي العلاج.
اقرأ أيضاً: وقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية – السورية.. هل ينجح في احتواء التصعيد؟
غياب ردود الفعل الرسمية السورية
في ظل هذا التصعيد، لم تصدر الإدارة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، أي تعليق رسمي على الحادثين، مما أثار تساؤلات حول موقفها من تلك الاعتداءات. إلا أن وزارة الخارجية والمغتربين السورية أدانت القصف الإسرائيلي بعد يوم من وقوعه، واعتبرته “انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية وتهديداً للأمن الإقليمي والدولي”، داعية الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وفق اتفاق عام 1974.
في المقابل، لم يأتِ البيان الرسمي السوري على ذكر القصف التركي الذي استهدف المدنيين في ريف كوباني، مما أثار انتقادات واسعة حول صمت الإدارة الانتقالية تجاه الاعتداءات المتكررة، ومناشدات بوضع حد للتعديات، وطالب القائد العام لقوات سوريا الديموقراطية (قسد) الجنرال مظلوم عبدي الحكومة المؤقتة بتحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها.
يرى الكاتب السوري حسن النيفي، المقيم في فرنسا، أن “القصف الإسرائيلي المستمر على سوريا يهدف إلى جعلها دولة منزوعة السلاح”. ويؤكد أن “دمشق لا تمتلك القدرة على الرد على تلك الاعتداءات، خاصة في ظل تدمير البنية العسكرية خلال الأعوام الماضية”.
وأضاف النيفي في تصريحات لـ”963+” أن “الرد على إسرائيل في الوقت الحالي قد يمنحها مبرراً لشن هجمات أوسع”، مشيراً إلى أن السبيل الوحيد لمواجهة هذه الاعتداءات هو التحرك الديبلوماسي، عبر الضغط الدولي والعربي لوقف الهجمات الإسرائيلية.
أما فيما يتعلق بالمواجهة بين تركيا وقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، أوضح النيفي أن الإدارة السورية الجديدة تسعى إلى التصالح مع “قسد”، إلا أن النزاع مع أنقرة متجذر منذ عقود. وتعتبر تركيا أن “قسد” امتداد لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة كمنظمة “إرهابية”، ما يجعل المواجهة بين الطرفين مستمرة، في ظل غموض الموقف الأميركي حيال الأزمة.
اقرأ أيضاً: النظرية الأمنية الإسرائيلية الجديدة في سوريا بعد الأسد
التمادي الإسرائيلي وانعكاساته
من جهته، يرى الصحفي المتخصص في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، أن استمرار القصف الإسرائيلي على سوريا يستهدف إضعاف دمشق، وضمان عدم قدرتها على استعادة قوتها العسكرية مستقبلاً.
وأشار منصور في حديث لـ”963+” إلى أن الإدارة السورية الجديدة يمكنها استغلال انفتاحها الديبلوماسي لطرح هذا الملف على الساحة الدولية، وتحذير الدول الفاعلة من تداعيات التصعيد الإسرائيلي. لكنه لفت إلى أن “الشرع يبدو غير معنيٍّ في الوقت الحالي بمواجهة إسرائيل، ربما بسبب الأولويات السياسية الداخلية، أو لتجنب تغيير الموقف الأميركي والأوروبي تجاه إدارته”.
ويرى منصور أن استمرار الصمت السوري سيشجع إسرائيل على مزيد من الاعتداءات، داعياً إلى تغيير النهج الرسمي ليشمل خطاباً أكثر حدة تجاه تل أبيب، مع اتخاذ خطوات دبلوماسية فاعلة للحد من تجاوزاتها.
وفي ظل استمرار هذه التطورات، تبقى سوريا ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية، فيما يترقب السوريون مواقف أكثر وضوحاً من قيادتهم الجديدة حيال الانتهاكات المتكررة التي تطال أراضيهم ومواطنيهم.