تطورات متسارعة يشهدها الساحل السوري منذ الخميس الفائت، إثر اشتباكات بين قوات الأمن العام في الإدارة السورية الجديدة ومسلحين من النظام المخلوع، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بينهم مدنيون، وسط اتهامات بارتكاب مجازر وإعدامات ميدانية بحقهم، ما يثير مخاوف من الانزلاق لحرب طائفية، وهو انعكاس واضح لحجم التحديات والمخاطر التي تحيط بسوريا واستقرارها، ليبرز تساؤل كبير هنا: من يتحمل مسؤولية تفجر الوضع في الساحل السوري ومَن المستفيد من ذلك؟
اشتباكات وعمليات قتل
تشهد محافظتا اللاذقية وطرطوس في الساحل السوري منذ يوم الخميس الماضي، أعمالاً قتالية واشتباكات عنيفة، بعد هجوم لعناصر من “فلول نظام الأسد” على حواجز ومقار للأمن العام التابع لوزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال السورية، وسيطرتها على عدة مناطق. وأعقب ذلك بدء الأمن العام عمليات عسكرية واسعة في المحافظتين تخللها اشتباكات عنيفة وانتهاكات بحق المدنيين.
وقالت وزارة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال السورية، أمس السبت، إنها ستباشر بإخلاء مدن الساحل من الوحدات العسكرية التي لا صلة لها بالعمليات الدائرة في المنطقة، مطالبةً إياهم بالالتزام الصارم بتعليمات القيادة الصادرة بخصوص منع التجاوزات بحق المدنيين في الساحل، وأشارت إلى أنها ‘‘ستواصل التعامل مع الخارجين عن القانون وتقوم بتسليمهم للجهات المختصة لينالوا جزاءهم’’.
وقال مصدر عسكري لـ‘‘963+’’، أن الاشتباكات في الساحل أسفرت عن مقتل 100 عنصر من إدارة العمليات العسكرية والأمن العام، وأكد أن الحصيلة مرشحة للارتفاع بسبب استمرار الاشتباكات.
من جهتها، قالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، الجمعة، إن 125 مدنياً قُتلوا خلال العمليات العسكرية التي شنها الأمن العام في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة. وذكرت الشبكة أن قوات إدارة العمليات العسكرية تضم عناصر من جنسيات غير سورية تنفذ إعدامات ميدانية طالت مدنيين داخل منازلهم بشكل عشوائي.
اقرأ أيضاً: الدفاع السورية: إخلاء منطقة الساحل ممن ليس لهم صلة بالعمليات في المنطقة
من يقف وراء التصعيد؟
في تصريحات خاصة لـ‘‘963+’’، أكد المحلل السياسي السوري، حسام نجار، المقيم في بولندا، على أن فلول النظام السابق وإيران و‘‘حزب الله’’ اللبناني، وكل من له مصلحة في عدم بناء الدولة الحقيقية وعرقلة أي محاولة لفرض الاستقرار من قبل الإدارة السورية الجديدة، “هم وراء التصعيد في الساحل السوري”.
وقال نجار، إن ‘‘التصريحات الإيرانية الرسمية خيرُ دليل على تورطها في هذه الأحداث، فهي أكثر من مرة حذّرت من أن أفراح السوريين لن تدوم’’، موضحاً أن “فلول النظام لم تكن قادرة على هذه الهجمات دون دعم مالي وتسليح وخطط عسكرية من جهات خارجية”.
وأضاف بأن ‘‘التقارير تتحدث عن تعاون إيراني إسرائيلي، ومحاولة دخول لعناصر من الفصائل العراقية وحزب الله اللبناني لمناطق في حلب وإدلب، وكانت الخطة أن يتم الاستيلاء على الساحل خطوة خطوة من خلال منصات التواصل الاجتماعي وإثارة القلاقل وضرب المدنيين واختطافهم ثم الادعاء أن من يقوم بذلك هم عناصر الأمن العام’’.
وأشار المحلل السوري إلى أن روسيا أيضاً تقف وراء ما حصل لممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على الإدارة السورية الجديدة، قائلاً: ‘‘هناك تسجيلات تم الكشف عنها بوجود دعم روسي لوجستي وهو ما جعل روسيا تصدر بياناً تنفي ذلك’’.
وفي سياق متصل، أوضح المحلل السياسي أحمد المسالمة، أن عودة غياث دلا إلى واجهة الأحداث وهو أحد قادة ‘‘الفرقة الرابعة’’ التي كان يقودها ماهر الأسد، معلناً قبل أيام عن تشكيل ما سماه ‘‘المجلس العسكري لتحرير سوريا’’، دليلٌ على أن ما جرى من أحداث في الساحل “مخطط له”.
وتابع في تصريحات لـ‘‘963+’’، أن ‘‘المعطيات تشير إلى تنسيق مع أطراف خارجية، وتحديداً إيران التي صدرت من مسؤوليها تصريحات عديدة ضد دمشق، منها تصريح مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي، قبل أيام، والذي أشار فيه إلى أن هناك احتمالية لاندلاع حرب أهلية في أي لحظة بسوريا’’.
مسببات أخرى وراء التصعيد
هناك أسباب أخرى أدت لوصول الأوضاع في الساحل السوري إلى نقطة الانفجار، وفق رؤية الباحث والمحلل السياسي عدي رمضان، منها ‘‘الإهانات الطائفية منذ سقوط نظام الأسد الفار، الحالات الانتقامية المتكررة ضد العلويين، عدم استيعاب مخاوف أبناء الطائفة العلوية، إقصائهم من المشاركة السياسية ومؤتمر الحوار الوطني، والفصل التعسفي لآلاف الموظفين من الساحل دون أسباب واضحة’’.
ونوه رمضان في تصريحات خاصة لـ‘‘963+’’، إلى أنه “كان بإمكان الإدارة السورية الجديدة تفادي ما يجري اليوم في الساحل، عبر الانتقال إلى مرحلة العدالة الانتقالية ومحاسبة من شارك بقتل السوريين أو سجنهم أو اعتقالهم أو إهانتهم”.
ولتجنب المزيد من الفوضى والدماء يجب وضع جملة حلول، أبرزها “التسريع في تحسين الوضع الاقتصادي ومراجعة سياسة فصل العاملين في الدولة وإشراك العلويين وباقي المكونات السورية في صنع القرار ضمن الحكومة الجديدة”، وفق رمضان.
اقرأ أيضاً: الصليب الأحمر الدولي يدعو لحماية المدنيين في الساحل السوري
تجاوزات وانتهاج أسلوب النظام السابق
تتزايد المخاوف من استمرار أسلوب ونهج النظام السوري السابق في ارتكاب الانتهاكات بحق طائفة بعينها. في هذا الصدد عقّب المسالمة، أنه ‘‘يجب على الإدارة السورية الجديدة أن تقوم بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات بحق العلويين في الساحل لتبديد المخاوف من انتهاج فكر وأسلوب نظام الأسد’’.
فيما أوضح نجار أن ‘‘هناك تجاوزات وهذا أمر طبيعي، ولكن أن تصل لحد المجازر فهذا غير صحيح، وما يروّج عن ذلك هو جزء من حرب إعلامية للمتاجرة بالدم السوري لمصالح خاصة’’.
وكان مدير أمن محافظة اللاذقية، مصطفى كنيفاتي، قال إن الإدارة السورية الجديدة ستحاسب أي عنصر منتسب في صفوف وحداتها العسكرية، يثبت تورطه بالاعتداءات على المواطنين، ولن تسمح بإثارة الفتنة أو استهداف أي مكون من مكونات الشعب السوري، داعياً المواطنين إلى عدم الانجرار وراء أي دعوات تحريضية.
ومن جانبه، أفاد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في تصريحات خاصة لـ‘‘+963’’، أن حصيلة القتلى على يد فلول النظام السابق ارتفعت إلى 121 شخصاً من عناصر الأمن العام، و26 من المدنيين.
وتابع، أنه خلال العمليات العسكرية تم ارتكاب انتهاكات متعددة منها القتل ونهب الممتلكات من قبل بعض الفصائل غير السورية المنضوية تحت إدارة العمليات العسكرية، منوهاً إلى أن حصيلة الضحايا المدنيين في جبلة وبانياس واللاذقية وصلت إلى 164مدنياً بينهم 7 أطفال و13 امرأة.
وأشار عبد الغني إلى أن ‘‘الحصيلة مرشحة للارتفاع في الأيام القادمة، كون هناك ضحايا آخرين لم تشملهم الحصيلة بعد، لحين التدقيق في صحة المقاطع التي وثقت الانتهاكات بحقهم، ناهيك أن هناك حوادث وانتهاكات لم يتم تصويرها’’.
وأعرب عبد الغني عن اعتقاده بأنه ‘‘لن يكون هناك استمرار في نهج النظام السابق، لأن الانتهاكات فردية وليست منظمة’’. ورغم ذلك فإن الإدارة السورية الجديدة هي من تتحمل مسؤولية هذه الانتهاكات وواجب عليها حماية كل أبناء الشعب السوري، بحسب مدير الشبكة السورية.
تداعيات استمرار المشهد في الساحل
التداعيات ستكون كارثية إذا استمر المشهد على هذا النحو، ومفاتيح التهدئة تملكها الإدارة السورية الجديدة، “بالاعتذار للضحايا وفتح التحقيق لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وأن تكون هناك مشاركة سياسية من كافة الطوائف وحوار مجتمعي حقيقي، وإلا سنكون أمام تحشيد وحرب أهلية”، وفق عبد الغني.
بينما أوضح نجار، أنه ‘‘لن تنجح محاولات الانجرار للحرب الطائفية، وستتمكن إدارة العمليات وقوات الأمن العام من السيطرة على الأوضاع وضبط النفس ومنع الانجرار لاقتتال بين الشعب السوري، مشدداً على ضرورة تعزيز السلم الأهلي والبدأ بمحاسبة المجرمين من ‘‘فلول النظام الأسد’’ وتقديمهم للعدالة وحصر السلاح تماماً بيد الدولة”. كما دعا نجار عقلاء وشيوخ الطائفة العلوية عدم الانجرار وراء الفتنة التي تحاك لخدمة مصالح خارجية’’.
ويجمع مراقبون، أن ما يحصل في الساحل السوري ليس مجرد اضطرابات أمنية عابرة، بل هو جزء من فوضى خطيرة يتم توجيهها بدقة وبأدوات داخلية وخارجية عبر دعم ‘‘فلول نظام الأسد’’. وبين ملاحقة تلك الفلول ومحاولة ضبط الأوضاع من قبل الإدارة السورية الجديدة، يتعقد الوضع الإنساني أكثر لتصبح حياة المدنيين عرضة للخطر، ولحقن الدماء وتجنب الانجرار وراء الفوضى، يجب وضع حلول سريعة على رأسها محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ومشاركة جميع المكونات السورية في الحكومة الجديدة.