شهدت العلاقات الإيرانية-الروسية تحولات جوهرية خلال العقد الأخير، حيث عزز الطرفان دعمهما لنظام بشار الأسد عبر تنسيق عسكري واستراتيجي وثيق. إلا أن التطورات الأخيرة، خاصة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، أدت إلى انزياح واضح في أذرع إيران الوظيفية في الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا ولبنان.
وقد أظهرت هذه المتغيرات تباينات بين موسكو وطهران في التعامل مع المستجدات على الساحة السورية، حيث تبنت روسيا نهجاً براغماتياً يتكيف مع الواقع الجديد، فيما باتت إيران تواجه أزمة حقيقية تهدد نفوذها في المنطقة.
اقرأ أيضاً: هل تعود روسيا كلاعب أساسي في سوريا بوساطة تركية؟ – 963+
التنافس الروسي-الإيراني في سوريا
يؤكد الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبدالرحمن، في حديثه لموقع “963+”، أن إيران تتابع بقلق متزايد تطورات الوضع في سوريا، حيث تُعد دمشق محوراً رئيسياً لنفوذها الإقليمي.
ووفقاً لعبدالرحمن، فإن ما يعزز المخاوف الإيرانية هو تنامي النفوذ التركي، خاصة بعد دعوة عبد الله أوجلان لحل حزب العمال الكردستاني (PKK)، وما تبعه من تداعيات إقليمية أثرت على نفوذ طهران.
ويرى عبدالرحمن أن إيران، التي اعتمدت على أدواتها الداخلية لزعزعة الاستقرار في سوريا، تجد نفسها اليوم أمام تحديات جمة نتيجة الضغوط الدولية المتزايدة، فضلاً عن استهداف قواتها وأذرعها العسكرية من قبل إسرائيل والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ويضيف الباحث في الشأن الإيراني، أن هذه المتغيرات دفعت طهران إلى انتهاج “كمون تكتيكي” خشية التصعيد الميداني، لا سيما مع التهديدات المتزايدة تجاه مشروعها النووي.
التوازنات الدولية ومستقبل النفوذ الإيراني
في سياق آخر، يشير عبدالرحمن إلى أن التقارب الروسي-التركي أصبح عاملاً مؤثراً في المشهد السوري، حيث تسعى موسكو إلى تحقيق مصالحها عبر التنسيق مع أنقرة، في وقت يبدو فيه النفوذ الإيراني آخذاً في التراجع.
ويرجّح أن تركيا قد تحصل على الحصة الأكبر من النفوذ في سوريا، بينما تسعى روسيا للحفاظ على مواقعها الاستراتيجية، خاصة في الموانئ السورية التي تشكل أهمية بالغة للقوات البحرية الروسية.
وعلى صعيد العلاقات الإيرانية-الروسية، يتوقع عبدالرحمن حدوث تغيرات كبيرة نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، بالإضافة إلى احتمالات التقارب بين موسكو وواشنطن، وهو ما قد يؤدي إلى تقليص التعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا، ويدفع طهران نحو مزيد من العزلة السياسية والاقتصادية.
اقرأ أيضاً: تركيا ومسار المصالحة مع أوجلان: خطوة نحو الحل أم مناورة سياسية؟ – 963+
المشهد السياسي السوري وتأثيره على النفوذ الإقليمي
من جهته، يشير الباحث السياسي ياسر النجار إلى أن طبيعة العلاقة بين موسكو وأنقرة وإيران في سوريا تحتاج إلى دراسة معمقة، خاصة مع التطورات التي تشهدها الإدارة الانتقالية في سوريا.
ويوضح النجار في حديث لـ”963+” أن روسيا تسعى للحفاظ على علاقاتها مع تركيا عبر قنوات ديبلوماسية رفيعة المستوى، كما تجلّى في لقاء وزير الخارجية الروسي بنظيره التركي، بالتزامن مع محادثات وزير الخارجية السوري مع أنقرة، وهو ما يوحي بتوجه نحو إعادة رسم خريطة النفوذ في سوريا بعيداً عن طهران.
ويضيف النجار أن المحاولات الأوروبية للضغط على سوريا، سواء عبر مسار العقوبات أو تمكين الأقليات، تسعى إلى إضعاف النفوذ الروسي في دمشق.
وفي هذا السياق، تعمل تركيا على استغلال هذه الضغوط لتعزيز موقعها في الملف السوري، وهو ما يفرض تحديات إضافية أمام إيران التي تواجه تراجعاً واضحاً في نفوذها داخل سوريا والمنطقة عموماً.
ويرى النجار أن إيران تمر بمرحلة “هدوء تكتيكي” في سوريا، حيث لم تعد قادرة على فرض أجندتها بنفس القوة السابقة. ومع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية، باتت طهران مضطرة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها، في ظل بيئة متغيرة لم تعد تتيح لها نفس هامش المناورة.
وبهذا، يبدو أن التحالف الإيراني-الروسي، الذي كان حجر الأساس في دعم النظام السوري السابق، يواجه تحديات حقيقية قد تعيد تشكيل ملامح المشهد السياسي في المنطقة بأسرها.