في ليلة رمضانية هادئة، بينما كانت أنوار المساجد تتلألأ في الأفق، جلس أحمد العلي أمام منزله المتواضع في مدينة الرقة، يراقب أطفاله الثلاثة وهم يلهون رغم جوعهم. لم يكن هذا الشهر الفضيل مختلفاً عن غيره بالنسبة إليه، بل ربما كان أكثر إيلاماً.
يقول العلي، العامل في البناء، بصوت تختلط فيه نبرة الصبر بالحزن لموقع “963+”: “في كل عام، أستعد لشهر رمضان بشغف، لكن الواقع يكون دائماً مؤلماً. أحياناً لا أستطيع توفير ما يكفي من الطعام لعائلتي. نعيش على وجبة واحدة في اليوم، وأحياناً نكتفي بالخبز والماء. أشعر بالحزن عندما أرى الآخرين يتناولون وجبات شهية بينما أطفالي لا يعرفون طعم اللحوم”.
يضيف أحمد: “رغم أن هناك بعض الجمعيات التي تساعد، إلا أن الدعم ليس كافياً. نحن بحاجة إلى مزيد من المساعدة والتوعية حول معاناتنا”.
تحديات يومية تواجهها العائلات
على بعد مئات الكيلومترات، في مدينة الحسكة، تحاول فاطمة، وهي أم لطفلين تعمل في مجال التنظيف، أن تضفي بعض الدفء على مائدتها الرمضانية، لكنها تجد نفسها في صراع دائم مع الظروف. تقول فاطمة لـ”963+”: “رمضان بالنسبة لي هو شهر العبادة والروحانية، لكن للأسف، لا أستطيع التركيز على ذلك بسبب القلق المستمر حول كيفية توفير الطعام لأطفالي. أحاول أن أعد لهم بعض الأطباق التقليدية، لكن غالباً ما يكون ذلك مستحيلاً”.
تتابع فاطمة حديثها بحزن: “أحاول الحصول على المساعدة من الجيران والجمعيات الخيرية، لكن في بعض الأحيان أشعر بالخجل من طلب المساعدة. أتمنى أن يتمكن الناس من فهم معاناتنا وأن يقدموا الدعم بشكل أكبر”.
من دير الزور، يشارك يوسف العجبان، عامل المياومة، مخاوفه بشأن الوضع الاقتصادي المتدهور وتأثيره على العائلات الفقيرة خلال شهر رمضان. يقول يوسف لـ”963+”: “لقد شهدت الكثير من التغيرات في المجتمع خلال السنوات الماضية. هناك عائلات تعاني من الفقر المدقع، ورمضان يزيد من معاناتهم. يجب أن نتكاتف جميعاً كأفراد ومجتمع لدعم هؤلاء الناس”.
ويؤكد يوسف أن “الجمعيات الخيرية تبذل جهوداً كبيرة، لكن يجب أن تكون هناك خطة شاملة لتلبية احتياجات الأسر المحتاجة بشكل أفضل”.
جهود الجمعيات الخيرية
في المقابل، يعمل خليل النمر، مدير جمعية “زاد الخير”، مع فريقه من المتطوعين لمحاولة سد الفجوة بين الحاجة والإمكانيات. يقول خليل لـ”963+”: “نقوم بتوزيع السلال الغذائية على الأسر المحتاجة في منطقتنا. لدينا فريق عمل متطوعين يعملون بجد لتلبية احتياجات هذه العائلات”.
لكن التحديات لا تزال قائمة، كما يوضح خليل: “التمويل محدود، وعدد الأسر المحتاجة يتزايد كل عام. نحن بحاجة إلى دعم أكبر من المجتمع المحلي والجهات المانحة لضمان وصول المساعدات إلى أكبر عدد ممكن من العائلات”.
أما محمد العواد، المسؤول المحلي في إحدى المنظمات غير الحكومية التي تعمل في شمال شرقي سوريا، فيؤكد على أهمية التعاون بين المؤسسات المختلفة لمواجهة مشكلة الفقر في رمضان. يقول لـ”963+”: “يجب أن نتعاون جميعاً كمنظمات ومؤسسات حكومية لتقديم الدعم اللازم للعائلات المحتاجة. الفقر ليس مجرد مشكلة فردية بل هو تحدٍ جماعي يتطلب جهوداً مشتركة”.
ويضيف محمد: “نحن نعمل على تنظيم حملات توعية لجمع التبرعات ورفع مستوى الوعي حول معاناة الأسر الفقيرة. نحتاج إلى دعم المجتمع بأسره لتحقيق أهدافنا”.
دعوة للتكاتف والعطاء
يبقى شهر رمضان فرصة لتعزيز قيم الكرم والعطاء، ولكنه أيضاً يسلط الضوء على معاناة الكثيرين ممن يعيشون في فقر مدقع. إن التكافل الاجتماعي والتعاون بين الجمعيات الخيرية والأفراد هو السبيل لتحقيق تغيير حقيقي وتحسين حياة أولئك الذين يكافحون بصمت. في هذا الشهر المبارك، تظل دعوات الفقراء وأحلامهم بأن ينالوا نصيباً من الخير قائمة، منتظرين يد العطاء التي ترفع عنهم عبء الحاجة.