قالت وكالة رويترز نقلاً عن مصادر ديبلوماسية، أن رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، ناقش مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، عدة ملفات بينها الديون الروسية واستعادة الأموال المودعة في موسكو ومستقبل بشار الأسد. ليبرز التساؤل حالياً: هل ستخضع روسيا لمطالب الشرع مقابل الاحتفاظ بنفوذها وقواعدها العسكرية في سوريا؟
وكشفت مصادر رويترز، الأحد، عن تفاصيل اجتماع الشرع مع بوغدانوف خلال زيارة الأخير للعاصمة دمشق أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي. ووفق المصادر، فإن الشرع طالب بإعادة الأموال السورية التي أودعها الأسد في موسكو، إلا أنّ الوفد الروسي برئاسة بوغدانوف نفى وجود مثل هذه الأموال. كما طالب الشرع موسكو بإلغاء الديون السورية المستحقة لروسيا والتي تناهز23 مليار دولار.
حقيقة الأموال المودعة في روسيا
وفق صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، فإن البنك المركزي لبشار الأسد نقل نحو 250 مليون دولار نقداً إلى موسكو بين عامي 2018- 2019، عندما كان الرئيس السوري المخلوع آنذاك مديناً للكرملين مقابل الدعم العسكري وكان أقاربه يشترون أصولاً في روسيا سراً.
وفي هذا الصدد، أكد مدير مركز ‘‘جي إس إم’’ لللأبحاث والدراسات، الدكتور آصف ملحم، المقيم في موسكو، في تصريحات خاصة لموقع ‘‘+963’’، أنه ‘‘لا توجد معلومات دقيقة حول أموال الأسد المودعة في روسيا’’. مرجحاً أن ‘‘الأموال نُقلت عبر الطائرات وليس عبر تحويلات مصرفية’’.
وأرجع ملحم، سبب الاعتماد على النقل الكاش عبر الطائرات، إلى عدم التسبب في الإحراج لروسيا، كون ‘‘المصارف الروسية التي تتعامل بالدولار واليورو يكون لها حسابات مصرفية في البنوك الأميركية والأوروبية من أجل نقل هذه الأموال’’.
وأشار ملحم إلى أن ‘‘هناك بعض البنوك ربما نقلت كميات قليلة من الأموال، لأن نقل كميات كبيرة دون أن تشعر بذلك الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي هي قضية صعبة للغاية، لذلك من المرجح أن تكون عملية نقل الأموال تمت عبر الطائرات’’.
اقرأ أيضاً: ملف الديون الخارجية لنظام الأسد المخلوع: بين المطالبات القانونية والضغوط السياسية
تباين في الرؤى حول الاستجابة الروسية
ويختلف مراقبون حول مدى استجابة روسيا لإعادة أموال الأسد المودعة لديها وكذلك شطب ديونها، مقابل الاحتفاظ بنفوذها وقواعدها العسكرية في سوريا. رأى ملحم أن “روسيا لن تستجيب لمطالب الشرع، كون الإدارة السورية الجديدة لا تملك الصلاحية والقوى الكافية لفرض معادلات أو شروط جديدة على روسيا”.
بينما أوضح مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، ديمتري بريجه، في تصريحات خاصة لموقع ‘‘+963’’، أن روسيا قد تسلم الإدارة السورية الجديدة أموال الأسد وتغلق ملف ديونها كما فعلت مع دول القارة الإفريقية، “مقابل الاحتفاظ بنفوذها ومكاسبها في سوريا”. مشيراً إلى أن مصير القواعد سيتم تقريره في الأشهر القادمة.
روسيا تعلم أن الاعتماد على نظام الأسد كان خطأً، لذلك ستكون أكثر براغماتية وستحاول بناء العلاقات مع الإدارة السورية الجديدة في مختلف المجالات وستطرح أوراق تجارية واقتصادية معينة، وقد تسهم في إعادة الاعمار وبناء وتدريب الجيش السوري الجديد أيضاً، وفق بريجه.
وأكد بريجه على أن موسكو تنتظر أن تلتمس مؤشرات إيجابية من الإدارة السورية الجديدة وأن تبنى حكومة تمثل طموحات الشعب السوري وعدم تهميش الطوائف، لتخطو خطوتها التالية.
تعويضات الحرب ومصير القواعد الروسية
وبحسب رويترز، تباحث الشرع وبوغدانوف حول مصير قاعدتي طرطوس وحميميم، حيث ‘‘يريد الشرع إعادة التفاوض على تأجير قاعدة طرطوس لمدة 49 عاماً الذي تم في عهد الأسد، وعقد إيجار غير محدد المدة لقاعدة حميميم، من أجل التوصل لاتفاق أفضل، دون إقصاء موسكو كلياً فيما يبدو’’. كما طالب الشرع روسيا بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بالبلاد جرّاء الحرب.
وفي تصريحات خاصة لموقع ‘‘+963’’، رجّح المحلل السياسي، غسان ياسين، بقاء القاعدتين الروسيتين في الساحل السوري، مقابل ‘‘دعم ديبلوماسي وتعويض مالي من روسيا’’. أما فيما يتعلق بتعويضات عن الدمار الذي خلفته الحرب، يقول ياسين: ‘‘موسكو قد تقدم مساعدات إنسانية للشعب السوري، ولكنها لن تقبل بتحمل المسؤولية عن الدمار لأن إيران أيضاً كانت حليفة للأسد وساهمت في تدمير البنية التحتية لسوريا وتجويع شعبها’’.
اقرأ أيضاً: زيارة بوغدانوف وإلغاء اتفاقية مرفأ طرطوس.. ماهي صفحة موسكو الجديدة بسوريا؟
مصير الأسد ومستقبل النفوذ الروسي في سوريا
وبحسب رويترز، فإن المحادثات بين الجانبين تناولت إمكانية تسليم الأسد إلى دمشق، ولكن مصدراً روسياً أكد أن موسكو لن توافق على تسليمه. وفي هذا الصدد اعتقد ملحم، أن ‘‘روسيا لن تصل لمرحلة تسليم الأسد حتى تحتفظ بنفوذها، لأن لها أوراق أخرى كثيرة تستطيع أن تلعب بها’’ منوهاً إلى أن ‘‘تسليمه سيكون ضربة ديبلوماسية في منتهى الخطورة بسمعة روسيا’’.
وبالتعريف القانوني للجوء الإنساني، يتحدث حقوقيون عن عدم إمكانية تسليم الأسد للبلد الذي طلب اللجوء منه، وفقاً للقرار رقم 1631الصادر عن الأمم المتحدة، والذي يمنع إعادة طالب “لجوء إنساني” إلى بلاده.
وتابع مدير مركز ‘‘جي إس إم’’، أن ‘‘إسرائيل تخشى السلطات الجديدة في دمشق لأنها جماعات إسلامية، وتخشى أيضاً من تنامي النفوذ التركي في سوريا، لذلك ستدعم في اتجاه بقاء القواعد العسكرية الروسية، فذلك يشكل نوعاً من توازن القوى في المنطقة ويمنح إسرائيل حرية الحركة، كون العلاقات بين موسكو وتل أبيب علاقات تاريخية وبراغماتية’’.
وختم ملحم حديثه، بأن التواجد الروسي في سوريا هو مصلحة إسرائيلية وأميركية وعربية، ومن الصعب للحكومة السورية الجديدة ومن خلفها تركيا دفع روسيا خارج المعادلة السورية.
ويتفق بريجه مع ملحم في مسألة الاحتفاظ بالدور والقواعد الروسية في سوريا، ومسألة عدم تسليم الأسد لأنها وفق بريجه ‘‘ستكون ضربة ضد المصالح الروسية، والتسليم سيُعتبر خيانة من قبل بلاروسيا وكوريا الشمالية وإيران، لذلك بوتين الذي يريد دوماً أن يظهر بمنطق القوة لا يريد أن يظهر بمظهر الخائن’’.
فيما توقع ياسين، بأن السلطات الروسية “ستقوم بتسليم الأسد إن تم الاتفاق والتعاون بين البلدين، كبادرة حسن نية وفتح صفحة جديدة في مستقبل العلاقات الثنائية، وضماناً لاستمرار تواجد قواعدها على الساحل السوري ونفوذها في المنطقة”.
وفي ظل التغيرات الجيوسياسية وبين رغبة روسيا في استمرارية وجودها العسكري في سوريا ومطالبة الإدارة السورية الجديدة لها بشطب الديون وتعويضات الحرب واستعادة أموال الأسد المودعة في موسكو وتسليمه، يجمع مراقبون على أن موسكو ستعتمد على تحالفاتها الاستراتيجية لتحقيق توازن بين دعم سوريا والحفاظ على نفوذها في المنطقة.