في إحدى ضواحي مدينة الرقة، شمالي سوريا، تعيش نسرين فداء، البالغة من العمر عشرة أعوام، مع والدتها بعد انفصال والديها قبل عامين. كانت نسرين فتاة مرحة ومليئة بالحيوية، إلا أن حياتها تغيرت بعد الطلاق. لم تعد تبتسم كما كانت، وأصبح الحزن والقلق يسيطران عليها. تحكي نسرين بصوت خافت لموقع “963+”: “أحياناً أفتقد أبي وأتمنى لو كان هنا ليحتفل معي في أعياد الميلاد”.
والدتها، التي تعمل لساعات طويلة لتوفير احتياجات ابنتها، تعاني من ضغوط كبيرة، وتقول: “أحاول دائماً أن أكون قوية من أجل نسرين، لكنها بحاجة إلى دعم لا أستطيع توفيره بمفردي”. في المدرسة، لاحظت المعلمة تغيرات واضحة في سلوك نسرين، حيث أصبحت منطوية وغير مشاركة في الأنشطة الصفية، وهو ما يثير قلقها، بحسب ما تشير الوالدة لـ”963+”.
وتعتبر ظاهرة الطلاق من التحديات الاجتماعية التي تؤثر بشكل عميق على حياة الأطفال، حيث يجد الكثير منهم أنفسهم في مواجهة مشاعر الفقد والخوف والقلق. إن الأطفال الذين يتعرضون للطلاق غالبًا ما يكونون ضحايا لمآسي لا يد لهم فيها، حيث تتغير حياتهم بشكل جذري دون أن يكون لديهم القدرة على التحكم في الظروف المحيطة بهم.
انعكاسات الطلاق على الأطفال
لا يقتصر تأثير الطلاق على نسرين وحدها، فهناك آلاف الأطفال الذين يعانون من الآثار النفسية والاجتماعية لهذا الانفصال. علي، البالغ من العمر 13 عاماً من مدينة دير الزور، كان من الطلاب المتفوقين، إلا أن مستواه الدراسي تراجع بعد طلاق والديه.
يقول علي لـ”963+”: “أشعر بالوحدة في المدرسة، أصدقائي لديهم عائلات مكتملة، أما أنا فأعيش بين منزلين ولا أشعر بالاستقرار”. وجد علي في الرسم وسيلة للتعبير عن مشاعره، حيث بدأ يرسم بيوتاً منقسمة تعكس إحساسه بالفقد.
أما يوسف، ذو 12 عاماً، فقد واجه صعوبات في تكوين صداقات جديدة بعد طلاق والديه. يروي يوسف أنه أصبح يشعر بالعزلة، حيث لم يعد يجد من يشاركه اهتماماته كما كان الحال سابقاً. “أحاول أن أنشغل بالرياضة، لكنها لا تعوضني عن إحساسي بالفراغ الداخلي”، يقول يوسف لـ”963+”.
الحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي
أحمد الصالح، ناشط اجتماعي من مدينة دير الزور، يرى أن الأطفال الذين يتأثرون بالطلاق غالباً ما يعانون من مشاعر القلق والخوف، مما قد يؤدي إلى مشكلات دراسية وسلوكية.
ويقول الصالح لـ”963+”: “يجب على المدارس توفير بيئة آمنة وداعمة للأطفال من خلال تقديم خدمات استشارية نفسية، إضافة إلى تنظيم ورش عمل لتعزيز الوعي حول تأثير الطلاق”.
ويشير الناشط الاجتماعي إلى أن هناك برامج متخصصة تقدم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتأثرين بالطلاق، بعضها يركز على تحسين التواصل بين الأهل، بينما يركز الآخر على الدعم النفسي المباشر للأطفال. كما يؤكد على أهمية أن يكون الوالدان صادقين مع أطفالهما، وأن يشرحا لهم الوضع بطريقة تتناسب مع أعمارهم، مما يساعدهم على التأقلم مع التغيرات.
وينصح الصالح الأطفال الذين يشعرون بصعوبة بسبب طلاق والديهم بالتحدث مع شخص يثقون به، سواء كان أحد الأصدقاء أو المعلمين أو المستشارين النفسيين. كما يوصي باستخدام أساليب التعبير مثل الكتابة أو الرسم للتخفيف من مشاعر الحزن والقلق.
دعم الأطفال المتأثرين بالطلاق
يمكن أن يترك الطلاق آثاراً نفسية طويلة الأمد على الأطفال، بما في ذلك القلق والاكتئاب. لكن مع الدعم المناسب، يمكنهم تجاوز هذه الآثار والمضي قدماً في حياتهم. في المجتمعات السورية، هناك العديد من القصص التي تثبت قدرة الأطفال على التكيف والنجاح رغم التحديات. العوامل الأساسية التي تساعدهم على ذلك تشمل وجود دعم عائلي قوي، الاستعانة بمعالج نفسي عند الحاجة، والمشاركة في أنشطة اجتماعية تبني ثقتهم بأنفسهم.
وفي النهاية، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية تقليل تأثير الطلاق على الأطفال، وذلك من خلال تعزيز دور الأسرة والمجتمع في تقديم الدعم النفسي والعاطفي لهم، لضمان نشأتهم في بيئة صحية تساعدهم على تحقيق الاستقرار والتوازن النفسي.