منذ سقوط النظام السوري السابق، تسعى تركيا إلى لعب دور محوري في سوريا الجديدة، حيث تكثف اتصالاتها وزياراتها الإقليمية. وفي هذا السياق، زار رئيس الاستخبارات التركية، إبراهيم كالن، العاصمة السورية دمشق، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، للعاصمة العراقية بغداد، مما أثار تساؤلات حول أبعاد هذه التحركات.
وللمرة الثانية منذ سقوط النظام السوري، زار كالن دمشق والتقى قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، ورئيس الاستخبارات العامة أنس خطاب، في إطار تعزيز العلاقات الثنائية، لا سيما الأمنية والاستخباراتية.
وفي موازاة ذلك، بحث وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، مع نظيره العراقي، فؤاد حسين، تطورات الأوضاع في سوريا، حيث ناقشا التعاون الأمني، وملف “داعش”، وتطبيق مذكرات التفاهم المشتركة. وشدد فيدان على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية لمكافحة التنظيمات الإرهابية، مطالبًا العراق بتصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية.
اقرأ أيضاً: ماذا وراء زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لدمشق؟
رسائل ضغط تركية على دمشق وبغداد
يرى المحلل السياسي عبد الله شلش، في تصريحات لموقع “963+”، أن “الزيارات التركية تهدف إلى الضغط على بغداد ودمشق في ملفات أمنية”، موضحاً أن أنقرة تريد من العراق “عدم التوسط بين قسد والإدارة السورية الجديدة، إضافة إلى تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية. أما في دمشق، فتسعى تركيا إلى دفع الإدارة الجديدة لنزع سلاح قسد، رغم صعوبة ذلك نظراً لاستمرار تهديد داعش”.
وتأتي التحركات التركية وسط استعداد أنقرة لإطلاق عملية سلام جديدة لحل القضية الكردية، حيث أعلن زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، استعداده للمساهمة في هذه الجهود. كما التقى رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، بقائد قوات “قسد”، مظلوم عبدي، لمناقشة توحيد الموقف الكردي وإخراج مقاتلي حزب العمال الكردستاني من مناطق نفوذ “قسد”.
ويشير الباحث في العلاقات الدولية، إيلي حاتم، إلى أن “تركيا تريد إدراج ملف حزب العمال الكردستاني ضمن شروط التسوية التي يتوسط فيها بارزاني”، لكن حاتم يشكك في تصريحات لـ”963+”، “بمصداقية أنقرة التي تطالب العراق بتصنيف الحزب كمنظمة إرهابية، بينما تروج في الوقت نفسه لعملية سلام دون خريطة طريق واضحة”.
اقرأ أيضاً: عملية جديدة للسلام.. هل تنجح تركيا هذه المرة في تسوية القضية الكردية؟
ملفات اقتصادية وأمنية على الطاولة
إلى جانب الملفات الأمنية، يسعى وزير الخارجية التركي إلى تعزيز الاتفاقيات الاقتصادية مع بغداد، خاصة مشروع “طريق التنمية”، إضافة إلى قضايا المياه والحدود المشتركة. أما في سوريا، فتركيا تهدف إلى ضمان نفوذها عبر التنسيق مع الفصائل المحلية لمنع تصاعد التهديدات الأمنية.
ويرى حاتم أن زيارة كالن لدمشق “تأتي في وقت تتنامى فيه العلاقات بين سوريا والسعودية، حيث تلعب الرياض دوراً محورياً في إعادة إعمار سوريا بدعم فرنسي وأميركي، مما قد يدفع تركيا لمحاولة تقويض هذا الدور”.
ويعتقد الباحث في الشؤون التركية، هاني الجمل، في تصريحات لـ”963+” أن الزيارات التركية الأخيرة تأتي رداً على زيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، مؤكداً أن “أنقرة تحاول فرض وصايتها على القرارات السورية الداخلية والخارجية”.
اقرأ أيضاً: هل ستكون تركيا أول وجهة خارجية للشرع؟
وكان وزير الخارجية السعودي قد زار دمشق، حيث التقى قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، في أول زيارة لمسؤول سعودي رفيع منذ سقوط النظام السابق، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء السعودية (واس).
ويشير الجمل إلى أن “تركيا تشعر بالقلق من الدور السعودي في إعادة إعمار سوريا وإدماجها عربياً، نظراً للإمكانات المالية الضخمة للرياض مقابل محدودية الموارد التركية”. ويضيف: “تركيا تدرك أن هناك تفويضاً أميركياً وغربياً للسعودية في الملف السوري، لذا تحاول الإيحاء بأنها لا تزال لاعباً رئيسياً في المعادلة الإقليمية”.