أثار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مقابلة مع قناة الشرق، قضية توحيد الفصائل المسلحة في سوريا تحت مظلة جيش واحد يتبع الدولة الشرعية، وهو ما أثار نقاشاً واسعاً حول الأهداف المحتملة لهذه الخطوة. السؤال الأبرز الذي يطرحه المراقبون هو: ما الذي قد تحققه تركيا من هذه المبادرة على المدى القريب والبعيد؟
ومن أبرز المكاسب التي تأمل تركيا في تحقيقها من خلال توحيد الفصائل المسلحة هو تعزيز أمن حدودها الممتدة على طول 911 كيلومتراً مع سوريا. كما أشار فيدان في تصريحاته قائلاً: “استقرار سوريا يُعدّ أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لتركيا”، ما يوضح الأهمية الكبرى التي توليها أنقرة للوضع الأمني في المناطق الحدودية.
فبموجب هذه المبادرة، تهدف تركيا إلى تقليص نفوذ الجماعات التي تعتبرها تهديداً، مثل قوات سوريا الديموقراطية (قسد) التي تتمركز في شمال سوريا.
الباحث طه عودة أوغلو أكد هذا الاتجاه بقوله لموقع “963+”: “أولوية أنقرة في هذه المرحلة هي إبعاد قوات سوريا الديموقراطية عن حدودها”.
تعزيز النفوذ التركي داخل سوريا
بالإضافة إلى الأهداف الأمنية، تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها العسكري والسياسي في سوريا. في تصريح له، أكد فيدان أن هناك أكثر من 80 ألف عنصر مسلح في الفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا، مشيراً إلى أن “انضمامهم إلى الجيش السوري الموحد سيمنح تركيا موطئ قدم قوياً داخل المؤسسة العسكرية السورية المستقبلية”.
وتعني هذه الخطوة، بحسب محللين، أن تركيا قد تزداد حضوراً في العمليات العسكرية السورية المستقبلية، مما يعزز من تأثيرها في صياغة مستقبل البلاد. ولكن في المقابل، حذر المحلل السياسي والباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الزين، من أن “تصاعد النفوذ التركي في سوريا قد يواجه رفضاً من بعض الدول العربية”، مشيراً في تصريحات لـ”963+” إلى أن “الدول العربية قد ترفض هذا التوسع التركي في سوريا، مما قد يعقّد العلاقات الإقليمية”.
وتحاول تركيا من خلال هذه المبادرة تعزيز علاقاتها مع الدول العربية لضمان استقرار سوريا وإعادة إعمارها. في هذا السياق، صرح فيدان بأن تركيا تسعى إلى تعزيز التعاون مع دول مثل السعودية والإمارات وقطر ومصر والعراق لضمان استقرار سوريا.
المحلل أحمد الزين، أيد هذا الاتجاه، مؤكداً أن “إعادة إعمار سوريا وعودة الأمان إليها لن تكون ممكنة دون دعم من الدول الخليجية”. ومن هنا، يتضح أن تركيا تدرك ضرورة التعاون مع الدول العربية لضمان نجاح هذه الخطوة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها سوريا.
ومع ذلك، يبقى أن هناك قلقًا من أن التعاون التركي مع هذه الدول قد يكون محفوفًا بالمخاطر نظرًا للتنافسات الإقليمية، مما يجعل تحقيق التوازن الإقليمي مهمة صعبة، بحسب المحلل السياسي.
وكانت قد أعلنت “القيادة العسكرية” في الإدارة السورية الجديدة، عن لقاءها قادة فصائل من المحافظات في عموم البلاد، وأنّها توصلت لاتفاق مع “الجيش الوطني” المدعوم من لتركيا وضمّه إلى الجيش.
اقرأ أيضاً: اتفاق بين الشرع وقادة الفصائل السورية على حلها – 963+
وذكرت وسائل إعلام محلية، حينها، أنّ قائد “القوات الخاصة في الجيش السوري قال إنّ الهدف الأساسي من اللقاءات بناء جيش بشكل سليم وطني خلافاً لنظام الأسد”، مضيفاً: “نستعد لمرحلة بناء الجيش وسنواصل التفاوض مع باقي الفصائل”.
وجاء ذلك بعدما أعلنت إدارة العمليات العسكرية في سوريا، أن قائدها أحمد الشرع، اتفق مع قادة الفصائل المسلحة على حلها ودمجها بالجيش الجديد.
توحيد الفصائل: التحديات والفرص
رغم الطموحات التركية، تظل هناك تحديات كبيرة أمام تنفيذ هذه المبادرة. فالعديد من الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا لها أهداف ورؤى مختلفة، مما قد يعقد عملية توحيدها في جيش واحد.
اقرأ أيضاً: وزارة الدفاع تبحث تشكيل جيش سوريا مع الفصائل – 963+
كما أشار الزين إلى أن “توحيد الفصائل المسلحة تحت راية الجيش السوري سيكون خطوة ضرورية، لكنها قد تشهد مواجهات ومشاحنات في البداية”، ما يعني أن تركيا قد تواجه صعوبات في إدارة عملية الدمج هذه.
وفي نفس السياق، أكد الباحث أوغلو، أن “دمج الفصائل المسلحة القريبة من تركيا لا يعني بالضرورة أنها ستكون قوة مستقلة، بل من المحتمل أن تظل هذه الفصائل تحت السيطرة التركية، وهو ما قد يحد من فعالية توحيد الجيش السوري إذا لم تتم إدارة العملية بشكل دقيق”.
وبينما تسعى تركيا إلى تحقيق أهداف أمنية وسياسية من خلال توحيد الفصائل المسلحة في سوريا، تظل هناك العديد من التحديات، بدءاً من المخاوف العربية من النفوذ التركي، مروراً بالمقاومة الداخلية من بعض الفصائل التي قد ترفض الاندماج في جيش موحد، وصولاً إلى الموقف الرسمي السوري الذي لم يتضح بعد.