كثف مسؤولون إيرانيون من زياراتهم إلى العاصمة السورية دمشق، للقاء مسؤولين سوريين وعلى رأسهم بشار الأسد. وتأتي هذه الزيارات بينما تواجه فصائل إيرانية تهديدات إسرائيلية، خاصة أن تل أبيب اغتالت قياديين بارزين في “الحرس الثوري” على الأراضي السورية.
وتتزامن الزيارات مع توترات روسية إيرانية على الأراضي السورية، ويبدو أن موسكو أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لضرب أهداف تابعة لطهران. فيما أنعشت الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل لقادة في “الحرس الثوري” من موقف روسيا، لإبعاد إيران عن مناطق واسعة في سوريا كما في محافظة القنيطرة جنوبي البلاد.
وخلال أشهر قليلة، اغتالت إسرائيل عدد كبير من القادة الإيرانيين في سوريا، وطالتهم تل أبيب بأماكن سكنهم في دمشق، كما اختطفت وقتلت مطورو أسلحة بإنزال جوي في ريف مصياف في محافظة حماة.
وتسببت الضربات الإسرائيلية بحالة استياء من المحسوبين على إيران من الموقف الذي اتخذته روسيا حيال استهداف عناصر وقادة بفصائل إيرانية وأخرين مدعومين من طهران. ويشكك البعض في دور روسيا ويتهمونها بتسريب معلومات وإحداثيات للجيش الإسرائيلي، بشأن انتشار الفصائل وأماكن تواجد المستشارين.
ازدحام مطار دمشق
حطت طائرة وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده، أمس السبت في دمشق على رأس وفد أمني، قيل إنه جاء للقاء كبار المسؤولين في الحكومة السورية. وبحث مع الرئيس السوري بشار الأسد، قضايا أمنية في المنطقة وتعزيز التعاون بين دمشق وطهران، حسبما أفادت رئاسة الجمهورية السورية.
وذكرت عبر حسابها الرسمي على “فيسبوك”، أن الأسد استقبل زاده والوفد الأمني المرافق له في العاصمة دمشق. وبحث الطرفان “قضايا تتعلق بالدفاع والأمن في المنطقة، وتعزيز التعاون بين البلدين لمواجهة الإرهاب وتفكيك بنيته بما يخدم استقرار المنطقة وأمنها”. وأضافت أن الرئيس الأسد أكد على أن “القضاء على الإرهاب مسؤولية إقليمية ودولية لأن أخطاره تهدد شعوب العالم كلها”.
وسبق أن وصل، الخميس الماضي، كبير مستشاري المرشد الإيراني علي لاريجاني، إلى دمشق، للقاء بشار الأسد وعدد من كبار المسؤولين في الحكومة السورية. وتزامنت زيارة لاريجاني، مع قصف إسرائيلي استهدف عدة مواقع في سوريا.
وطالت آخر الاستهدافات في دمشق، منطقتا المزة وقدسيا، حيث تعرضتا لغارات إسرائيلية متزامنة، ونشرت وكالة “سانا” تسجيلا مصوراً يظهر دماراً نجم عن غارة إسرائيلية استهدفت حي المزة بدمشق، على بعد كيلومترات قليلة من مكان إقامة لاريجاني.
ولم تهدأ العاصمة السورية طيلة أشهر من استقبال المسؤولين الإيرانيين، والذين تأتي زياراتهم بينما تكتفي الحكومة بالصمت عما يجري في غزة ولبنان. اللتان تشهدان حرب اتُهمت إيران بإطلاق شرارتها عبر وكلائها.
ومنذ الأيام الأولى للحرب في غزة بين حركة “حماس” وإسرائيل، التزمت الحكومة السورية الصمت واكتفت بدور المتفرج، رغم وعود دمشق بالوقوف مع الشعبين الفلسطيني واللبناني (الشقيقين). وكانت قد ذكرت تقارير إسرائيلية أن الإمارات أرسلت رسائل إلى الأسد تحذره فيها من أي تدخل لسوريا في الحرب الدائرة في غزة أو هجمات ضد تل أبيب من الأراضي السورية.
ومطلع الشهر الجاري، تحدثت صحيفة لبنانية مقرب من “حزب الله” عن “إغراءات” قدمتها الإمارات لإقناع الأسد بالتخلي عن إيران و”حزب الله”. وأضافت أن “نتنياهو يراهن على تحقيق تغيير ليس في لبنان فقط، بل في سوريا أيضاً. وتحدثت تقارير ديبلوماسية عن أن إسرائيل تتابع باهتمام ما يجري في دمشق، وما الذي يمكن أن تحققه جهود تقودها الإمارات بالتعاون مع الأردن، لإقناع الأسد.
وأضافت: أن “تل أبيب لا تراهن على تغيير كبير في الموقف السوري، لكن حلفاءها في أبو ظبي وعمّان يطلبون مهلة لمحاولة إقناع الأسد بالطلب من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله بمغادرة الأراضي السورية، مقابل تقديم إغراءات مالية كبيرة للأسد، مع إبداء الاستعداد لإطلاق ورشة إعادة إعمار في كل سوريا.
وفشلت إيران في جرّ الحكومة السورية إلى مواجهة مع إسرائيل، في ظل سعي روسي متواصل لمنع ذلك، وذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركي في تقرير لها، الأسبوع الماضي، أن “غياب سوريا عن الصراع الحالي هو دليل واضح على فشل استراتيجية إيران الرامية إلى وحدة الساحات، والتي تفترض استجابة منسقة من جانب جميع شركائها في محور المقاومة. ويكشف هذا عن أن البقاء السياسي للأسد يتقدّم على الموقف الإيديولوجي، وأن سوريا في وضعها الحالي لن تشكّل مشكلة بالنسبة لإسرائيل”.
وطغى خلال الفترة الماضية حديث عن توجّه دمشق للتضييق على الوجود الإيراني و”حزب الله” في سوريا، بينما تحاول طهران التمسك بدمشق وتثبيت حضورها سياسياً واقتصادياً وعقد المزيد من الاتفاقيات مع الحكومة السورية.
زيارات المسؤولين الإيرانيين، جاءت عقب تصريحات أطلقها المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، إذ هاجم فيها إيران. وأشار في حديث لوكالة “نوفوستي” الروسية إلى أن هناك أطرافاً تحاول استغلال الوضع في المنطقة من أجل مصالحها، مؤكداً على ضرورة عدم الانجرار إلى النزاع في سوريا.
قال إن مطالب “إسرائيل” بضبط مرور الأسلحة الإيرانية عبر الحدود السورية إلى “حزب الله” في لبنان “ليست من مهام الجيش الروسي”، مشيراً أن القوات الروسية في سوريا “توجد حصراً لمكافحة الإرهاب”.
من جهته، قال كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر حاجي، في مقابلة مع وكالة أنباء “ريانافوستي”، إن “إيران لم تتخذ أي قرار بشأن تغيير عدد قواتها الاستشارية في سوريا”، مشيراً إلى أن “طهران ستستخدم حقها القانوني في الدفاع عن نفسها ضد إسرائيل بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب”.
خريف روسي إيراني في سوريا
تتصاعد توترات العلاقات الروسية-الإيرانية في سوريا، مع تباين واضح في وجهات النظر حول إدارة الصراع في المنطقة، لا سيما في ظل تصعيد إسرائيل ضد المواقع الإيرانية وأذرعها في سوريا. ويعكس هذا الصراع اختلافاً جوهرياً بين استراتيجيات الطرفين: فموسكو تسعى لضبط النفوذ الإيراني في سوريا بما يضمن مصالحها مع إسرائيل، وطهران التي تواصل تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي كجزء من مشروعها الإقليمي.
وفي حديث سابق لموقع “963+”، قال المحلل السياسي وجدان عبد الرحمن إن “روسيا لديها القدرة على تقييد التحركات الإيرانية”، مشيراً إلى خطوة روسية أبعدت الجماعات المدعومة إيرانياً عن منطقة الجولان بمسافة 40 كيلومتراً. ويضيف أن العلاقات لم تصل إلى مرحلة “القطيعة”، حيث تحتاج روسيا إلى الفصائل الإيرانية للسيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق.
ويوضح أن الحكومة السورية باتت تدرك خطورة التغلغل الإيراني، مشيراً إلى أن “دمشق وجدت أن إيران تشكل تهديداً كبيراً للأمن القومي السوري، خاصة في ظل المديونية الكبيرة لإيران”. وأضاف: “الأسد يتجه الآن نحو الدول العربية التي يمكنها دفع فاتورة إعادة الإعمار، متخلياً عن إيران التي باتت عبئاً اقتصادياً وسياسياً”.
ولكن في ظل التقييد الروسي، تواجه إيران تحديات متزايدة. وفقاً لما نقله معهد واشنطن للدراسات، أدت الضغوط الروسية إلى انعدام الثقة بين القيادة الإيرانية وحلفائها السوريين، مما دفع طهران إلى حملات دهم واعتقالات داخل صفوفها للاشتباه بتسريب معلومات لإسرائيل. هذا التوتر قد يدفع إيران لإعادة تقييم استراتيجياتها للحفاظ على وجودها في سوريا.
وفي ظل الضغوط الأميركية والإسرائيلية لخفض النفوذ الإيراني في سوريا، يواجه الأسد تحديات في موازنة تحالفاته مع طهران والانفتاح على العالم العربي، خصوصاً دول الخليج وإسرائيل. كما أكد جيفري أن واشنطن وإسرائيل تسعيان لإقناع الأسد بوقف تدفق الأسلحة إلى “حزب الله” وتقليص النفوذ الإيراني في سوريا.
ورأت الباحثة في علم الاجتماع السياسي هدى رزق، في تصريح سابق، أن موسكو تتجنب الرد على الضربات الإسرائيلية التي تستهدف المواقع الإيرانية، يعكس موقفاً روسياً حريصاً على حماية مصالحها فقط. وأشارت إلى أن موسكو تتبنى موقفاً مركباً في شمال سوريا، حيث تتفق مع إيران في بعض القضايا، لكنها تدير خلافاتها مع تركيا بشكل منفصل.