تشهد العلاقات الروسية-الإيرانية في سوريا تصاعداً في التوتر، مع تباين واضح في وجهات النظر حول إدارة الصراع في المنطقة، لا سيما في ظل تصعيد إسرائيل ضد المواقع الإيرانية وأذرعها في سوريا. ويعكس هذا الصراع اختلافاً جوهرياً بين استراتيجيات الطرفين: موسكو التي تسعى لضبط النفوذ الإيراني في سوريا بما يضمن مصالحها مع إسرائيل، وطهران التي تواصل تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي كجزء من مشروعها الإقليمي.
وتحاول إيران جرّ سوريا إلى حرب مع إسرائيل عبر تحركات أذرعها في البلاد، بينما تعمل روسيا على تضييق الخناق على الفصائل الإيرانية، لا سيما في جنوبي سوريا وشرقها، حيث تحرك مسلحين محليين لتهديد القواعد الأميركية في شرق الفرات.
روسيا، بحسب المبعوث الروسي ألكسندر لافرنتييف، ترى أن هناك “أطرافاً تسعى لاستغلال الوضع الإقليمي لمصالحها”، في إشارة ضمنية لإيران. لافرنتييف شدد في تصريحاته لوكالة نوفوستي الروسية، على أن مهام الجيش الروسي في سوريا لا تشمل ضبط مرور الأسلحة الإيرانية إلى “حزب الله”، موضحاً أن الوجود الروسي يقتصر على مكافحة الإرهاب، مما يعكس إحجام موسكو عن التورط في الصراع الإسرائيلي-الإيراني.
وتدل تصريحات المسؤول الروسي التي أعقب اجتماع “أستانا 22” على امتعاض موسكو من ممارسات الفصائل الإيرانية في سوريا، وإعطاء ضوء أخضر لإسرائيل لضرب تلك الفصائل في الأراضي السورية. إذ عززت الغارات الإسرائيلية واستهداف قادة “الحرس الثوري” من موقف روسيا التي كانت تجد صعوبة في ضبط تحركاته.
ويرى المحلل السياسي وجدان عبد الرحمن أن “روسيا لديها القدرة على تقييد التحركات الإيرانية”، مشيراً إلى خطوة روسية أبعدت الجماعات المدعومة إيرانياً عن منطقة الجولان بمسافة 40 كيلومتراً.
لكنه أضاف لموقع “963+” أن العلاقات لم تصل إلى مرحلة “القطيعة”، حيث تحتاج روسيا إلى الفصائل الإيرانية للسيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق.
إيران والهيمنة العسكرية
إيران، من جانبها، تواصل تعزيز حضورها العسكري والاقتصادي، ما يمثل عبئاً على الحكومة السورية وحليفها الروسي. يقول عبد الرحمن إن “إيران تحاول فرض سيطرتها الكاملة على الحكومة السورية عبر أذرعها العسكرية ونشر المذهب الشيعي، بينما تسعى روسيا لضبط هذا النفوذ للحفاظ على استقرار حليفها بشار الأسد ومصالحها في البحر المتوسط”.
ويوضح أن الحكومة السورية باتت تدرك خطورة التغلغل الإيراني، مشيراً إلى أن “دمشق وجدت أن إيران تشكل تهديداً كبيراً للأمن القومي السوري، خاصة في ظل المديونية الكبيرة لإيران”. وأضاف: “الأسد يتجه الآن نحو الدول العربية التي يمكنها دفع فاتورة إعادة الإعمار، متخلياً عن إيران التي باتت عبئاً اقتصادياً وسياسياً”.
ولكن في ظل التقييد الروسي، تواجه إيران تحديات متزايدة. وفقاً لما نقله معهد واشنطن للدراسات، أدت الضغوط الروسية إلى انعدام الثقة بين القيادة الإيرانية وحلفائها السوريين، مما دفع طهران إلى حملات دهم واعتقالات داخل صفوفها للاشتباه بتسريب معلومات لإسرائيل. هذا التوتر قد يدفع إيران لإعادة تقييم استراتيجياتها للحفاظ على وجودها في سوريا.
وبينما تشهد الساحة السورية تطورات بشأن إضعاف نفوذ إيران في البلاد، زار كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي وعضو “مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران”، علي لاريجاني، دمشق والتقى بمسؤوليها، في رسالة ترغب إيران بتوجيهها بأنها “باقية في سوريا”.
على الجانب الآخر، يبدو أن التحركات الأميركية والإسرائيلية تؤثر في توجهات موسكو ودمشق على حد سواء. وفقاً لتصريحات جيمس جيفري، الديبلوماسي الأميركي، فإن روسيا تلعب دوراً مهماً في تقليص النفوذ الإيراني بسوريا، وتتوافق بشكل غير مباشر مع إسرائيل والولايات المتحدة في هذا الإطار.
جيفري أكد أن “روسيا لا ترغب في توسيع النزاع عبر إيران ووكلائها ضد إسرائيل”، مشيراً إلى دعم موسكو لقوات سوريا الديموقراطية في شمال شرقي البلاد كخطوة تضغط بها على النفوذ الإيراني.
وفي ظل الضغوط الأميركية والإسرائيلية لخفض النفوذ الإيراني في سوريا، يواجه الأسد تحديات في موازنة تحالفاته مع طهران والانفتاح على العالم العربي، خصوصاً دول الخليج وإسرائيل. كما أكد جيفري أن واشنطن وإسرائيل تسعيان لإقناع الأسد بوقف تدفق الأسلحة إلى “حزب الله” وتقليص النفوذ الإيراني في سوريا.
من زاوية أخرى، ترى واشنطن وتل أبيب فرصة في مواقف الرئيس السوري بشار الأسد لتقليص النفوذ الإيراني. بحسب تقارير أميركية، فإن الأسد أبدى انزعاجه من الوجود الإيراني وأبدى استعداداً للتعاون لمنع تدفق الأسلحة إلى “حزب الله”، في مقابل دعم سياسي واقتصادي غربي.
مصالح متباينة
ويقول عبد الرحمن، إن هناك اختلافاً بين مصالح روسيا وإيران في سوريا. إذ تحرص موسكو على حماية مصالحها المحدودة، في حين تحمي إيران مشروعها الإقليمي الذي يمر في العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان.
ويشير إلى أن العلاقات الروسية الإيرانية لم تصل إلى خريفها في الوقت الحالي، في ظل حاجة موسكو لتواجد الفصائل الإيرانية في سوريا، لا سيما أن جزء كبير من الأراضي السورية لا تخضع لسيطرة القوات الحكومية.
إلا أن طبيعة العلاقات ومدى الخلافات بين روسيا وإيران، يتوقف على العلاقة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، واللذان قد تكون وجهات النظر متقاربة بالنسبة لهم، وقد يدفع ذلك روسيا للضغط على إيران، بحسب عبد الرحمن
بينما ترى الباحثة في علم الاجتماع السياسي هدى رزق، في حديث لـ”963+” أن العلاقة بين روسيا وإيران ليست تحالفاً شاملاً، لكنها شراكة تقوم على المصالح المشتركة في ملفات محددة. وتوضح أن “روسيا تحتفظ بعلاقات جيدة مع إسرائيل، بينما تعتبر إيران إسرائيل عدواً وجودياً”، مما يضع الطرفين في مسارات متناقضة داخل سوريا.
وتضيف رزق أن موسكو تتجنب الرد على الضربات الإسرائيلية التي تستهدف المواقع الإيرانية، مما يعكس موقفاً روسياً حريصاً على حماية مصالحها فقط. وأشارت إلى أن موسكو تتبنى موقفاً مركباً في شمال سوريا، حيث تتفق مع إيران في بعض القضايا، لكنها تدير خلافاتها مع تركيا بشكل منفصل.
ومع استمرار الضغوط الدولية والتصعيد الإسرائيلي، يواجه التنسيق الروسي-الإيراني مزيداً من التعقيد. التباينات في الأهداف والمواقف تُنذر بمزيد من الصدامات، خاصة مع محاولات موسكو تحقيق توازن دقيق بين تقليص النفوذ الإيراني وحماية مصالحها الاستراتيجية في سوريا.