أحمد الجابر – دمشق
بعد تصاعد التوترات وارتفاع نسبة الفلتان الأمني، أعلنت فصائل محلية في مدينة نوى بريف محافظة درعا الغربي جنوبي سوريا، عن تشكيل قوة مشتركة “لحفظ الأمن وحماية المنطقة” وفق ما ذكر موقع “احرار حوران”.
واتفقت الفصائل المحلية في مدينة نوى بعد اجتماع، عقدته أمس الاثنين، لمناقشة الوضع الأمني المتدهور في المدينة، على قوة مشتركة مشكلة تضم جميع الفصائل المحلية. وقد أصدر التشكيل مجموعة قرارات تضمنت منع ارتداء اللثام للمدنيين والعسكريين مع تهديد المخالفين باتخاذ إجراءات صارمة. كما منعت إطلاق النار في المناسبات الاجتماعية، “تحت طائلة المسؤولية القانونية”.
وتتصاعد التوترات في محافظتي السويداء ودرعا في جنوبي سوريا. هناك؛ تكثر حالات الخطف والاغتيال وتنتشر المخدرات بالقرب من الحدود السورية الأردنية، حيث الفلتان الأمني في منطقة تتداخل فيها جهات السيطرة، ولم تنجح جماعات محلية في ضبطها.
تداخل جهات السيطرة
تكتسب المحافظتان الواقعتان في جنوب سوريا موقعاً جغرافياً حساساً، بسبب قربها من إسرائيل ومجاورتها للأردن، ما دفع إيران لزج فصائلها في تلك المنطقة والتغلغل فيها، رغم رفض السكان لهذا التواجد.
ويوصف الوضع الأمني في درعا والسويداء بأنه “هش وغير مستقر”، بعدما شهدت المحافظة أخيراً مواجهات بين القوات الحكومية والفصائل المحلية، إلى جانب نشاط الفصائل العسكرية الموالية لإيران.
ورغم التسويات السابقة التي وُقِّعت بوساطة روسية، تبقى التوترات قائمة، خصوصاً في وجود خلايا نائمة منها ما يوالي الحكومة السورية ومنها ما يعارضها. كذلك تشهد السويداء حالة من عدم الاستقرار، إلى جانب استمرار التظاهرات المناهضة للحكومة السورية.
وتحسب دمشق المنطقة الجنوبية، من القنيطرة حتى السويداء مروراً بدرعا، مناطق خارج عن سيطرتها، لذلك تعمل على تجنيد أبناء المنطقة ليعملوا لصالحها ولتنفيذ أجندتها، في تتواجد جماعات محلية لازالت موالية للمعارضة رغم التسويات وأخرى تابعة لروسيا، الأمر الذي عقّد الحالة الأمنية في جنوب البلاد لا سيما درعا.
أما السويداء، فتشهد منذ آب/أغسطس 2023، حراكاً مدنياً احتجاجياً، معارض لسياسات الحكومة السورية، حاولت الأخيرة في مرات عديدة إجهاضه. وكان اللافت خلال شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو الماضيين، حين وصلت تعزيزات عسكرية وأمنية مكثفة إلى أنحاء المحافظة.
وسبّبت هذه التعزيزات العسكرية امتعاض أهالي السويداء وغضبهم، خاصة أنها تتبع لفائل مدعومة من إيران، وبلغ التوتر أشده عند اندلاع اشتباكات في حزيران/يونيو الماضي، بين مجموعات محلية مسلحة وبين عناصر أحد الحواجز الأمنية التابعة للحكومة السورية قرب دوار العنقود، عند المدخل الشمالي لمدينة السويداء.
ودفع سكان الجنوب، ثمن رفضهم للوجود الإيراني، ومحاولاتها لتحويل المنطقة لطريق تهريب للمخدرات، وتهديد إسرائيل والأردن، بتصاعد حالات الاغتيال، وضرب الأمان في المنطقة عبر تنفيذ اغتيالات، بحق سكان ومسلحين في فصائل محلية.
وأواخر أغسطس الماضي، قام مسلحان يستقلان دراجة نارية، بإطلاق الرصاص نحو منزل أحد قادة الفصائل المحلية في حي مساكن القلعة حيث يتم عقد اجتماع “هام” دون وقوع إصابات. حينها؛ قال مصدر محلي، لموقع “963+”، إن شخصين أطلقا النار نحو منزل الشيخ بهاء الجمال، أحد قادة فصيل “القوى المحلية”، ما أدى لأضرار مادية في واجهة المنزل والسيارة أمامه.
وكان “الجمال” كان يستضيف الشيخ ليث وحيد البلعوس، قائد فصيل “رجال الكرامة”، وشقيقه فهد البلعوس، حين أطلق المسلحان النار تجاه المنزل ولاذا بالفرار. وفهد البلعوس هو الابن الأكبر لمؤسس حركة رجال الكرامة، وهو من ضمن المكلفين من جانب الشيخ حكمت الهجري بتشكيل الهيئة العامة للحراك السلمي في المحافظة التي تسكنها غالبية درزية.
وتعرض البلعوس لمحاولات اغتيال، خلال السنوات السابقة، من بينها إصابته بطلقات نارية في أيار/ مايو من العام الماضي 2023. حيث تشهد المحافظة حوادث أمنية تصل حد الاغتيال لشخصيات معارضة للأفرع الأمنية الحكومية أو متعاونين معها.
فلتان “مقلق”
وثّق مكتب توثيق الانتهاكات في تجمع “أحرار حوران”، المهتم بشؤون درعا والمنطقة الجنوبية، تزايداً مقلقاً في عدد حالات الخطف منذ سيطرة القوات الحكومية السورية عليها منتصف عام 2018. وبحسب الإحصائية بلغ إجمالي حالات الاختطاف في المحافظة 456 حالة حتى نهاية أيلول/ سبتمبر 2024، مما يعكس تصاعداً حاداً في الفوضى الأمنية التي تهدد الاستقرار في المنطقة الجنوبية.
ووفقاً للمكتب، غالباً ما يطالب الخاطفون بفدية مالية مقابل الإفراج عن المخطوفين، وفي إحدى الحالات أُفرج عن شاب بعد شهر من اختطافه إثر دفع ذويه مبلغاً مالياً. تعمل عدة مجموعات مسلحة محلية كأدوات رئيسية لتنفيذ عمليات الخطف والاغتيال والنهب تحت حماية القوات الحكومية، والتي تتعاون مع بعض عشائر البدو في درعا والسويداء.
وتتراوح مدة الاحتجاز بين أيام وأشهر، ويتعرض المخطوفون خلالها لشتى أنواع التعذيب الجسدي والضغط النفسي، مما يؤدي إلى تزايد حدة التوترات العشائرية التي كثيراً ما تندلع كرد فعل انتقامي، وهو ما يزيد من تفاقم الأوضاع الأمنية الهشة. ويهدد تكرار حوادث الخطف واستمرار الصراعات العشائرية والاقتصادية، والسلم الأهلي.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في البِلاد عام 2011، تشهد مناطق الجنوب السوري، عمليات اغتيال متكررة تستهدف ضباط وعناصر بالقوات الحكومية وقياديين بفصائل المعارضة ومدنيين، إلا أن هذه العمليات تزايدت بشكل ملحوظ بعد استعادة القوات الحكومية السيطرة هناك بموجب “تسويات” برعاية روسية في تموز/ يوليو 2018.
وكان العميد منير الحريري، المنشق عن القوات الحكومية السورية قد قال في تصريحات لموقع “963+” في 20 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، إنه “لا احتواء كامل للفصائل المحلية في درعا حتى المحسوبة على الأمن العسكري والمخابرات الجوية، والتي كانت تنفذ الاغتيالات والمهام لصالح الأفرع الأمنية”.
من جهة أخرى، ترتفع أعداد الجرائم المرتبطة بالمخدرات في جنوب سوريا منذ عام 2018، مع زيادة تواجد الفصائل الموالية لإيران مثل حزب الله اللبناني. وتسبب انتشار المخدرات في سوريا وتهريبها إلى دول الخليج، بمشاكل عدة مع دول الجوار وخاصة الأردن، حيث تم ضبط كميات كبيرة إضافة إلى اشتباكات بين حرس الحدود والمهربين في الأشهر القليلة الماضية.
ونتيجة تصاعد عمليات تهريب المخدرات، توترت العلاقات الديبلوماسية بين الحكومة السورية والأردن، التي تطالب بإبعاد فصائل إيرانية تتهمها بتهريب المخدرات عن الحدود الجنوبية لسوريا. ونفذت الطائرات الحربية الأردنية غارات جوية على أهداف يشتبه باستخدامها لتخزين وتهريب المخدرات إلى أراضيها، وتسببت الغارات بمقتل مدنيين بينهم نساء وأطفال.
وبينما يستمر الفلتان الأمني في الجنوب، يُراد له إشغال الشارع في المحافظتين اللتان تعتبرهما الحكومة خارج سيطرتها، بينما تنظر إليه إيران فرصة لتعزيز تواجدها، من أجل تهريب المخدرات والأسلحة وتهديد إسرائيل.