خاص ـ هيفي سليم / حلب
تقف مرام المحمد، طالبة جامعية في الـ24 من عمرها، كل يوم منذ السابعة صباحاً في انتظار السرفيس عند موقف المغسلة في حي الصالحين شرق حلب السورية، على أمل أن تجد وسيلة تقلها إلى جامعتها. “الحياة في حلب أشبه بالعذاب”، تقول مرام، لموقع “963+”، مضيفةً بنبرة مثقلة بالهموم: “لا مواصلات، لا تدفئة، لا وقود، ولا حتى حطب. كيف يمكن أن نعيش في ظل هذه الظروف التي لا ترحم؟”.
وتعبر مرام عن إحباطها الشديد، وتتابع: “يريدون حتى أن يحرمونا من الجامعة، وكأنهم لا يريدون لنا سوى البقاء في المنازل، في مدينة نُفقد فيها كل شيء يومياً”.
حكايات من واقع النقل المرير
مرام، التي تدرس في كلية العلوم بجامعة حلب، تصف رحلتها اليومية إلى الجامعة بأنها أشبه “بالعقاب”، حيث تمر بمراحل متعددة من الانتظار والمعاناة: تبدأ الرحلة في موقف المغسلة في حي الصالحين، ثم تضطر للصعود بصعوبة في “سرفيس” مزدحم، حيث يتكدس الركاب فوق بعضهم، وتجلس مع ثلاثة أشخاص في مقعد مخصص لشخصين، متجهة إلى دوار جسر الحج.
تصل إلى هناك، لكن الرحلة تتوقف فجأة، إذ يخبرهم السائق المعتاد: “ما في مازوت”، لتجد نفسها مضطرةً للانتظار من جديد لركوب سرفيس آخر يتجه إلى منطقة سيف الدولة، ثم انتظار ثالث للوصول أخيراً إلى ساحة الجامعة، حيث كليتها.
تتساءل مرام بمرارة: “هل هذه الرحلة عذاب أم دراسة؟ نشعر وكأن الحكومة لا تريدنا أن ندرس أو نعمل، أو حتى نعيش بكرامة”. بالنسبة لمرام، التي قررت البقاء في بلدها بدل مغادرته بحثاً عن حياة تحترم الإنسان، فإن هذه الحياة باتت تُشعرها بالظلم.
مرام ليست وحدها، فهذه المعاناة اليومية تشمل أكثر من 600 ألف شخص يقطنون على طول خط سير “الدائري الجنوبي”، الذي يمتد من مناطق سيف الدولة والأنصاري وسكري والفردوس وكرم الدعدع وصالحين وصولاً إلى حي الشعار، في حلب، حيث يشمل هذا الخط نصف المدينة الجنوبي تقريباً.
وفي جانب آخر من الأزمة، يتحدث أبو عادل، سائق على خط الدائري الجنوبي، لـ”963+” عن معاناته مع نقص الوقود، مؤكداً أن الحكومة السورية “لا توفر له إلا 6 ليترات من المازوت يومياً، وهي كمية تكفي بالكاد لجولة واحدة ذهاباً وإياباً”.
ويضيف أبو عادل: “خط الدائري الجنوبي هو أطول خط سير في حلب، إذ يبلغ طوله 24 كيلومتراً، ويبدأ من ساحة الجامعة وينتهي في دوار الصاخور، ولا يمكننا تغطية هذه المسافة الطويلة بما نُمنح من الوقود”.
ويشير السائق إلى أن تقسيم الخط إلى ثلاثة أجزاء “يأتي بعلم شرطة المرور، الذين يملك بعضهم سرافيس على هذا الخط أيضاً”، متسائلاً “كيف يمكن أن يستمر هذا الوضع رغم إدراك الجميع أن سبب الأزمة هو نقص المازوت؟
ويضيف: “الـ5000 ليرة تُسكت الجميع”. وذكر أيضاً أن سعر ليتر المازوت في السوق السوداء يصل إلى 17 ألف ليرة سورية (أي ما يعادل 1.2 دولار أميركي)، ما يجبر السائقين على تقصير مسافة الرحلة وتجزئة الخطوط للتعويض عن هذا العجز.
السوق السوداء على مرأى الحكومة
ورغم ما تقوله الحكومة السورية عن أن أزمة الوقود تعود إلى “العقوبات المفروضة على البلاد”، إلا أن السكان يتساءلون بمرارة: “كيف تتوفر المحروقات في السوق السوداء على مرأى من الحكومة، بينما نعجز نحن عن الحصول عليها بشكل رسمي؟”.
من جانبها، قررت محافظة حلب تخصيص 25 باص نقل داخلي لدعم خط الدائري الجنوبي، الأطول في المدينة، على أن يبدأ تنفيذ هذا القرار في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، في محاولة للتخفيف من الأزمة.
لكن أهالي المنطقة يؤكدون أن هذا العدد غير كافٍ على الإطلاق، إذ يحتاج الخط في الواقع إلى أكثر من 100 باص لتقديم خدمة مقبولة.
ويصف أبو عادل قرار الحكومة بنقل السرافيس إلى خطوط أخرى قائلاً: “إنه كفرض الازدحام على سكان حلب، وكأن هذه القوانين مقصلة إضافية على رقاب الشعب الحلبي”.
ارتفاع أجور النقل وتفاقم المعاناة
ومن ضمن التدابير الأخرى، ألزمت الحكومة سائقي السرافيس بتركيب جهاز تتبع إلكتروني GPS للوصول إلى نهاية خطوط السير، حيث ساهمت هذه الخطوة في تحسين الوضع مؤقتاً في بداية العام.
لكن سرعان ما عادت المشكلة من جديد، إذ يؤكد مصدر في محافظة حلب لـ”963+” أن الخلل في نظام التتبع الإلكتروني أدى إلى تفاقم الأزمة، مضيفاً أن المحافظة طلبت من شركة “تكامل” المسؤولة عن النظام معالجة هذا الخلل لضمان وصول وسائل النقل إلى محطاتها النهائية وتوزيع المخصصات بالشكل الصحيح.
أما فيما يتعلق بإجراءات تنظيم النقل، فقد تم تكليف دوريات المرور بمراقبة التزام السرافيس بخطوطها، لكن الأمر لا يزال يشوبه العديد من التجاوزات، حيث يواصل بعض السائقين تقسيم المسارات ورفع كلفة الركوب، خاصة في يومي الجمعة والسبت، بعد قرار تقليص المخصصات بنسبة 50%، حيث تصل كلفة التنقل في تلك الأيام إلى 2000 ليرة سورية، وأحياناً تصل إلى 4000 ليرة.
وتظل هذه المعاناة اليومية خيطاً رفيعاً من تحديات يعيشها سكان حلب في ظل قرارات حكومية تتفاقم مع الأيام. بالنسبة لهم، تحولت الأزمة من مجرد نقص في المازوت إلى قصة متكررة من التضييق والمصاعب اليومية، وكأن هذه السياسات تأتي كحاجز جديد في وجه حياتهم البسيطة.