خاص ـ بروكسل
أعلنت الأمانة العامة لـ”المسار الديموقراطي السوري” السبت الماضي، عن انتهاء أعمال المؤتمر التأسيسي للمسار الذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل على مدى يومين، وتضمن بيانه الختامي الدعوة إلى حل سياسي على أساس حوار وطني شامل وقرار مجلس الأمن رقم 2254، والتأكيد على الهوية الوطنية السورية وضمان وحدة سوريا، ما طرح تساؤلات عن مدى إمكانية إسهام المسار في العملية السياسية، وما الجديد الذي تضمنه بشأن دفع هذا المسار؟.
ويأتي عقد المؤتمر قبيل جولة جديدة من “مسار أستانا” بشأن سوريا مقررة في العاصمة الكازاخية أستانا قبل نهاية العام الجاري، وفق ما أعلنت الخارجية الروسية قبل أيام، وعلى وقع تطورات متلاحقة تشهدها سوريا، أبرزها التصعيد العسكري التركي في الشمال الشرقي والروسي الحكومي في الشمال الغربي، واستمرار التدخلات الإقليمية في الأزمة السورية.
ويشهد المسار السياسي السوري، تعطلاً وجموداً شبه كامل منذ سنوات، ما عدا اجتماعات “أستانا” و “اللجنة الدستورية السورية” التي تعطلت أيضاً خلال السنوات الأخيرة بسبب خلافات بين الحكومة ورسيا من جهة والأمم المتحدة والأطراف الغربية من جهة أخرى.
وقالت الأمانة العامة للمسار في البيان الختامي، إنه “عقد بمشاركة 128 مندوباً، يمثلون قوى وشخصيات ديموقراطية من سوريا في داخل البلاد وخارجها، اجتمعوا لبحث وضع سوريا من جديد على المسار الديموقراطي”.
ودعا المؤتمر إلى “إقامة نظام لا مركزي تتحدد تفاصيله عبر حوار وطني شامل بين الأطراف كافة لضمان حقوق جميع مكونات الشعب السوري ومنع عودة الاستبداد، وفصل الدين عن الدولة”، مشدداً على أن “بناء الجمهورية السورية وتحصين حقوق الجماعات والأفراد يتطلب مبادئ دستورية محصّنة تعتمد على القوانين والمواثيق والشرعة الدولية لحقوق الإنسان وأن يكون للقانون الدولي والمواثيق الدولية الأولوية على المبادئ الدستورية، بشكل خاص القانون الدولي الإنساني- جنيف “1949.
تحريك العملية السياسية
الكاتب والمعارض السياسي السوري موفق نيربية، قال، إن “مسار ستوكهولم للقوى والشخصيات الديموقراطية الذي أصبح اسمه “المسار الديموقراطي السوري” حاول في مؤتمر تأسيسه أن يتلمّس أسباب فشل واستعصاء المسار السياسي لحل القضية السورية، وقد رآها في موقف النظام الرافض أساساً لتسوية المسألة، ثم أن المعارضة الرسمية ممثلة بالائتلاف فهيئة التفاوض فهي كانت أقرب إلى حالة الرفض خوفاً من تضييع فرصة “الانتصار الناجز””، موضحاً أن “المؤتمر يسهم في تحريك العملية السياسية عن طريق تنظيم القوى الأكثر سلمية وإيماناً بالتغيير والدولة الحديثة”.
وأضاف في تصريحات لموقع “963+”: “نحتاج الآن إلى ما يشبه المعجزة لتحريك العملية السياسية في ظرف تقسّمت فيه سوريا وتعدّدت، وابتدأ الخط الفاصل بين أقسامها بالتعمّق، لذلك نحتاج إلى التفاعل بين المناطق السورية وكسر الجمود على الساحة الدولية والعربية والداخلية”.
وشهد المؤتمر، مشاركة ممثلين عن الحراك الشعبي في السويداء جنوبي البلاد، وقال نشطاء من المدينة، إن “الاستجابة للمشاركة في المؤتمر جاءت بناءً على التوافق على المبادئ التي يدافع عنها الحراك، ولتوفير فرصة للحوار السوري – السوري”.
ووجهت أطراف معارضة ونشطاء انتقادات للمؤتمر، وقالوا إنه “محاولة لشرعنة بعض الأطراف والقوى”، متسائلين عن “الإضافة التي يمكن أن يقدمها فيما يتعلق بالحل السياسي السوري”.
تشكيل “مظلة سياسية”
ويقول الكاتب السوري شورش درويش: “من خلال الأوراق التي قدّمتها اللجنة التحضيرية للمؤتمر برز بوضوح رغبة القائمين عليه في البحث عن توافقات مع بقية أطراف المعارضة، وقد يكون للتطوّرات الإقليمية دور في دفع بعض الأطراف السورية للبحث عن توافق سياسي”، مضيفاً في تصريحات لـ”963+”، أن “أي كلام عن حل الأزمة السورية يبدو مهمة شبه مستحيلة حتى اللحظة، لكن هذا لا يمنع من تشكيل مظلة سياسية جامعة جديدة مع فقدان السوريين أيّ أمل بالعمل السياسي”.
وبحسب نيربية، فإن “المسار الديموقراطي وضع خطة ترتكز على تقوية الجبهة المعارضة وتعزيز دورها، وإقناع أصحاب المصلحة في سوريا بضرورة منع تحولها إلى دولة فاشلة ينتشر فيها الإرهاب والبؤس والجهل، وما يتبع ذلك من مخاطر على المنطقة والعالم”، وأردف: “يجب رفض الحل العسكري والبدء بإجراءات بناء الثقة بشأن كثير من الملفات”.
ولفت إلى أن “أهم نقاط الضعف لدى المعارضة هو إقصائها للأطراف الديموقراطية، الذي يقع في جانب منه أيضاً بسبب سوء تفاعل هذه الأطراف وجدلها البيزنطي، لذلك بحث المؤتمر في أسباب تعطل طريق التنظيم والقوة، ونقاط الاختلاف والافتراق عند وصول النقاش إلى مسائل محددة كالهوية واللامركزية والعلمانية والقضية الكردية، وآليات اختيار الحلول هل هي بالتوافق المسبق أم بالتصويت، وعليه فقد تم التوصل إلى ما نراه حلولاً لتلك العقد”.
وكان المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، قد دعا الأسبوع الماضي، إلى “ضرورة استئناف العملية السياسية السورية بشكل عاجل وشامل”، وقال خلال إحاطة في مجلس الأمن الدولي أمس الأربعاء، إن “الأزمة السورية تتطلب اهتماماً جماعياً من المجتمع الدولي، وسوريا لا تزال تعاني من حالة الصراع العميق”.
واعتبر درويش، أنه “من المبكر الحديث عن انضمامات للمسار، ويمكن أن تحدث توافقات مرتبطة بتطور الأوضاع الإقليمية، وهذا أيضاً مرتبط بطبيعة تحركات وخطاب ممثلي المسار”، مشيراً إلى أن “الخلافات بين أطراف المعارضة ليست قائمة على خلافات في الرؤية السياسية فقط، بل هناك قوى خارجية تفرض شروط محددة على بعض الكيانات السياسية، وبالتالي سيبقى وضع المعارضة في مرحلة المراوحة إذا لم يقرر السوريون ترك الخلافات جانباً، والتفكير بخطاب أكثر واقعية يتناسب مع حجم الكارثة السورية ومخاطر استمرار الحرب وتجددها”.
وكان مجلس الأمن الدولي، قد أصدر بالإجماع في 18 كانون الثاني/ ديسمبر 2015، القرار 2254 بشأن سوريا، المتضمن وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية وتحقيق الانتقال السياسي الديموقراطي، إلا أن القرار لا يزال معطلاً حتى الآن، وسط اتهامات للحكومة السورية وأطراف متدخلة بالأزمة بمحاولة “التملص” من تطبيقه”.
وتعطلت اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية” منذ أكثر من عامين، بعد رفض روسيا عقد جلساتها في مدينة جنيف السويسرية على خلفية خلافات مع سويسرا إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، كما تقول جهات معارضة إن “الحكومة السورية حولتها إلى مسار بديل عن الحل السياسي والتهرب من تطبيق القرارات الأممية بشأن سوريا، في حين وجدت فيها المعارضة مكاناً لإثبات حضورها على الساحة”.