خاص ـ الحسناء عدره/ دمشق
بالرغم من الحضور الخجول لمعارض الفن في سوريا عموماً مقارنة بالدول المجاورة بسبب تداعيات الحرب التي انعكست على المشهد التشكيلي السوري، عملت صالة “عشتار” على استقطاب الفنانين وإقامة المعارض الفردية والجماعية طوال السنوات الست الأخيرة، في محاولة منها ضخ الدماء في شرايين الجسد الفني السوري قبل موته سريرياً.
وانطلاقاً من فرادة اللوحات والمنحوتات صغيرة الحجم أطلقت الصالة معرض “اللوحات الصغيرة” بمشاركة 13 فناناً وفنانة عبر 90 منتجاً برؤى فنية بصرية متنوعة وتجارب مختلفة محتضنة الأعمال لأسبوع كامل من 17 ولغاية 23 نيسان/ أبريل الجاري.
وتكمن خصوصية بناء الأعمال الفنية صغيرة الحجم؛ سواء كانت رسماً أو نحتا أو تصويراً، كونها يطوع فيها تقنيات غير مستخدمة في اللوحات الكبيرة وحضور مكثف للتفاصيل، ما يجعل هذا النوع من العمل تحدياً كبيراً أمام الفنان.
مشاركة جماعية
ويوضح مدير صالة “عشتار” الفنان التشكيلي عصام درويش، والمشارك في المعرض بخمس لوحات، أهمية معرض “اللوحات الصغيرة” التي تتمثل في المشاركة الجماعية من خبرات متباينة، ويقول لـ “963+”: “تنبع أهميتها من الاشتراك الجماعي لفنانين ينتمون لأجيال مختلفة وتجارب فريدة وتذكير بأهمية الأعمال الصغيرة التي غالباً ما تكون متوارية عن الأنظار وغير معروضة للبيع وتكون ضمن المجموعة الخاصة للفنان على خلاف الأعمال الكبيرة”.
وترى الفنانة التشكيلية في فن النحت أمل زيات، أن المنحوتات صغيرة الحجم تتطلب جهداً مضنياً في استدعاء التفاصيل لتخرج المنحوتة بعمل متكامل الأركان على خلاف اللوحات الكبيرة التي تمتاز بهامش أكبر من الحرية في التنقل والتقنيات متكئة على المونولوجات الداخلية والصراعات النفسية داخل العوالم البشرية”.
وتقول زيات لـ”963+”: “خلقت منحوتاتي من العالم الداخلي للإنسان معتمدة على فراستي في قراءة الوجوه ومطالعة خلجات النفس البشرية وتطوراتها النفسية العميقة عبر منحوتات لوجوه مزدوجة على هيئة سمكة في إشارة للغوص في بحار النفس، إلى جانب تصاوير لأدم وحواء في خطيئتهما الأولى”.
وطوعت زيات في منحوتاتها الأحد عشر كتجربة أولى لها في الأعمال صغيرة الحجم، خشب الزيتون ممزوجاً مع معدن البرونز لخلق تجانس لوني مثير بصرياً مع ضرورة ترك هامش للتأويل من جانب المتلقي وإطلاق العنان لخياله بما يتوافق مع نفسيته وثقافته مع ترك فسحة للحوار بينه وبين المنحوتة أو اللوحة.
وتعقب: “شكل هذا المعرض تحدٍ لي في مجال الأعمال الصغيرة التي تتطلب صبراً طويلاً وغرقاً في تفاصيل مكثفة لا تظهر في مثيلتها الكبيرة”.
الحالة النفسية
وبسبع لوحات يشارك الفنان عمار الشوا، تجربته الجديدة في معرض “اللوحات الصغيرة” مستخدماً مقاسات متعددة تتراوح بين 25 لغاية 35 سم لتضفي ألوان الأكرليك عليها سحراً خاصاً مراهناً على العالم الداخلي للإنسان.
ويقول عن تجربته الخاصة لـ”963+”: “أخذتني اللوحة الصغيرة إلى مناخ مختلف كلياً عما ألفته في نظيرتها الكبيرة، استنزفت مني جهداً يدوياً وفكرياً ودقة متناهية في بناء التفاصيل وتكثيف للتقنيات، لاسيما أن اللوحات صبغت بأنسنة اللحظة عبر ألوان تخدم الحالة النفسية الراهنة”، متمكناً من التقاط تعبيرات الوجوه التي تتوارى خلف أقنعة في ظل ضبابية للمشهد الاجتماعي الذي نعايشه الآن.
ويؤكد الفنان التشكيلي إسماعيل نصرة المشارك بتسع لوحات، على خصوصية الأعمال الصغيرة بوصفها شحذ للقدرات اليدوية والعقلية للفنان وتحدٍ فني كبير له.
ويقول لـ”963+”: “ركزت في الأعمال الصغيرة على التشكيل البشري لحالات تعبيرية مختلفة مع التركيز في موضوعاته على عنصر العائلة والمرأة الجميلة والوحدة الموحشة”، مستخدماً خليطاً جميلاً من ألوان الزيتي والأكرليك لنفخ الحيوية في روح أعماله.
اقترافات الحرب
واحتضن المعرض لوحات الفنان التشكيلي سامر إسماعيل التي تناولت ذاكرة الأشياء والأماكن وإصابتها بالعطب بسبب اقترافات الحرب السورية وأحالتها إلى أشلاء وشظايا، يقول لـ”963+”: “اشتغلت على مفردة المائدة السورية وتجلياتها ضمن الحرب السورية كواحدة من ذاكرة الأشياء وكيف تشظت المائدة بعد أن هجرها أصحابها وأهلها طوعا أو كراهية ولم يعد يتجمع حولها السوريين”.
وتنقل إسماعيل بين لوحاته الست بين موائد كثيرة كالبؤس والوحدة والفراغ والشحوب في فضاء داخلي للشخوص، معولاً على ما عكسته الحرب والوضع الاقتصادي على فراغ المائدة والحال الذي وصل إليه السوريين.
وتدور أعمال التشكيلية سراب الصفدي، حول المرأة كثيمة حاضرة بقوة في لوحاتها العشر المشاركة في معرض “لوحات صغيرة” مستوحاة من اليوميات السورية لنساء يتناوبن زيارة بعضهن البعض، انطلاقاً من مركزية المرأة وأصل الحياة.
وتقول الصفدي لـ”963+”: “هذه المرة الأولى التي اشتغل لوحات صغيرة بمقاسات لا تتجاوز 25 سم، والتي يبدو أنها ستكون انطلاقة لأعمال جديدة، إذ يمتلك هذا النوع فرادة خاصة وأكثر قدرة على الوصول إلى عشاق الفن التشكيلي”.
وتؤكد الصفدي التي استخدمت الألوان الزيتية على الخشب لإطالة عمر اللوحة قدر المستطاع، على أهمية المعارض الجماعية باعتبارها “قناة تواصل وتفاعل مباشر بين المتلقي وصاحب اللوحة وتبادل لخبرات الفنانيين”.
مفردة الطبيعة
واختار التشكيلي عبد الله أبو عسلي مفردة الطبيعة مبتعداً عن شؤون الحرب ليظهر سحر الطبيعة السورية وأماكنها الخلابة مستعيناً بتركيبة الألوان الزيتية بأبعاد تتراوح بين 15 ـ 18 سم.
ويقول أبو عسلي لـ”963+”: “تختلف تقنيات اللوحة الصغيرة عن الكبيرة، كما أن هذه الأعمال موثقة عن صور واقعية فمقومات العمل الفني تختلف كلياً عن المشهدي الواقعي عبر الحذف والإضافة مع الحفاظ على هوية الزمان والمكان وهوية الفنان في آن معاً”.
ويختم التشكيلي ميسر كامل المعرض بمشاركته في لوحتين ضمن ثنائية المرأة والرجل في حالة توازن عاطفي وتناغم سيكولوجي، يوضح لـ”963+”: “استخدمت ألوان الأكرليك الزاهية كخاصية فريدة تخدم الموضوع والحالة العاطفية التي تتحكم بمشاعر المرأة والرجل وحالة البوح الراهنة”، مؤكداً أن المعرض الجماعي “فرصة لخلق مناخ فني متنوع بتنوع تجارب الفنانين وخبراتهم المتراكمة”.