يطلب المهرب أبو عمر، كما صرح عن اسمه لموقع “963+”، بكل ثقة، من الركاب فقط تحديد اليوم الذي يريدون الذهاب فيه من لبنان إلى سوريا، ويبدي استعداده لتلبية رغباتهم حتى دون حيازتهم لأوراق ثبوتية، مكتفياً بالقول: “ما حدا بيسأل مين أنت”.
ويلعب عامل قرب المسافة بين كل من لبنان وسوريا، بالإضافة إلى امتداد الحدود اللبنانية – السورية على 375 كيلومتراً دوراً مهماً في تسهيل تبادل السلع والخدمات، ومرور الأشخاص إلى كلا البلدين.
ويعود ترسيم هذه الحدود إلى العام 1920، تاريخ بداية الانتداب الفرنسي رسمياً على المنطقة، لكن يبدو أن هذا الترسيم لم يكن دقيقاً، إذ تضيع معالم الحدود بين لبنان وسوريا في أكثر من منطقة على طول أطراف السلسلة الشرقية من شرق لبنان وخاصة في مناطق الهرمل، القاع، رأس بعلبك وعرسال المتاخمة كلها للحدود مع سوريا.
أدى هذا الواقع إلى بروز مشكلة في ضبط الحدود التي تفصل بين البلدين، وبالتالي أصبحت هذه الحدود مسرحاً لعمليات الفساد. وقد تفاقم الأمر في السنوات الأخيرة بسبب سوء ضبط الحدود من قبل الدولتين نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، ما أدى لتزايد الجرائم من عمليات خطف بقصد الحصول على فدية مالية، وتهريب مخدرات، وسلاح وأشخاص، وسرقة السيارات وغيرها.
ومؤخراً، أعادت قضية قتل وخطف القيادي في حزب “القوات اللبنانية” باسكال سليمان فتح ملف الحدود اللبنانية – السورية مرة أخرى، حيث قطعت جثته الحدود من دون أن يتم اعتراض حامليها، مما فتح سجالاً حول مدى جدية الإجراءات التي تتخذها الدولة اللبنانية في ضبط الحدود.
ما بعد اغتيال سليمان.. دعوات للتهدئة واعتداءات على سوريين في لبنان
صعوبة ضبط الحدود
بين لبنان وسوريا خمسة معابر شرعية، بالإضافة إلى أكثر من 136 معبراً غير شرعي بحسب تقارير صحفية محلية، وهي معابر يسيطر عليها المهربون، بعضها عبارة عن ممرات جبلية وعرة يصعب ضبطها من قبل الجيش اللبناني، وبالتالي تكون طبيعتها مغرية لكافة أشكال التهريب.
ويذكر الجيش اللبناني في بياناته دوماً أن هناك سلسلة صعوبات تواجه ميدانياً في ضبط الحدود، منها طبيعة الأرض والتضاريس التي تسمح باستحداث ممرات جديدة كل فترة تصعب مراقبتها، تداخل الأراضي والعائلات على جانبي الحدود، بالإضافة إلى إطلاق النار المباشر على العسكريين خلال تنفيذ مهام مكافحة التهريب.
كما أن الجيش الموجود على الحدود اللبنانية – السورية يواجه صعوبات لوجستية، إذ إنه غير قادر في الواقع الراهن على ضبط الحدود دون دعمه لوجستياً وزيادة عدد عناصره. فمثلاً، الحدود الشرقية للبنان مع سوريا يبلغ طولها نحو 110 كيلومتراً يتواجد فيها قرابة 1200 عنصر من الجيش فقط، فيما تحتاج هذه المسافة لعشرة أضعاف هذا العدد بحسب قيادة الجيش اللبناني.
البلدات الحدودية وظاهرة “التهريب”
في معرض حديثها مع موقع “963+”، تشير ابتسام بسام، وهي من سكان منطقة وادي خالد الحدودية شمال لبنان، إلى أن المنطقة تحتوي على العديد من المعابر حيث “تحصل فيها عمليات التهريب بشكل يومي بالرغم من تمركز الجيش اللبناني هناك”.
وتضيف أن منطقتها تشهد عمليات تهريب “لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً، حيث يعمل معظم السكان في هذا المجال، حتى الأطفال والشيوخ”، مؤكدة أن “الكثير من أبناء قريتها باتوا أغنياء جراء عملهم هذا”.
أما عن تكلفة تهريب الشخص الواحد، فتقول بسام إنها “لا تقل عن مائة دولاراً ويمكن أن تزداد في حال قرر الشخص المرور عبر خط ترانزيت”، في إشارة إلى وجود طرقات أكثر أماناً وراحة من غيرها. كما وأشارت أنه في حال تم القبض على المهرِّب و”هو نادراً ما يحصل”، يتم إخلاء سبيله مقابل كفالة مالية، أو يتم حبسه لمدة قصيرة لا تتعدى الستة أشهر.
ويشير المهرب أبو عمر، كما عرف عن نفسه، في حديثه لـ”963+”، إلى أن تكلفة النقل تختلف بين الذهاب والعودة، إذ “تبلغ ذهاباً من لبنان إلى سوريا 50 دولاراً أميركياً. أما في العودة فيختلف الأمر، إذ تتراوح التكلفة بين 80 و100 دولار، وذلك حسب الطريق الذي يختاره من يريد الدخول إلى لبنان؛ هناك طريقان، أحدهما ممر جبلي يستوجب سلوكه سيراً على الأقدام، وآخر هو نقطة عسكرية للجيش اللبناني”.
في هذا السياق، أشار مصدر أمني في حديث خاص لـ”963+” إلى أن هناك رشاوى يتم دفعها من قبل المهربين للجنود تسهيلاً لعمليات المرور، بالتالي فـ”إن سيارات المهربين التي تقطع النقاط العسكرية ولا يتم تفتيشها تكون على علاقة مباشرة بالعسكر الموجودين على الحواجز”.
ويضيف أن الأزمة الاقتصادية وما تبعها من تدني في رواتب الجنود اللبنانيين “ساهمت في تراجع الجهود التي يقومون بها وزيادة إمكانية قبولهم للرشاوى”.
من جهتها، قالت الناشطة الاجتماعية في منطقة عكار أحلام الخالد خلال حديثها لـ”963+” إن هناك نوعين من المهربين: “مهرّب مدعوم يمكنه أن يمر على الحواجز العسكرية دون أن يتم تفتيشه، وآخر غير مدعوم يخاطر بحياة الناس وأرواحهم في الجبال الوعرة”.
انسيابية في تطبيق الإجراءات
يشير المصدر الأمني نفسه إلى أن سيارات مناصري بعض الأحزاب تمر عبر المعابر الحدودية دون أن يتم تفتيشها، بالإضافة إلى أن من يملك بطاقات تسهيل مرور يمر على الحواجز دون تفتيش، وهي بطاقات تُعطى للأشخاص المدعومين من قبل الأحزاب والنواب والوزراء.
ويُضيف أن الكثير من الشاحنات المحمّلة بالبضائع تمر دون تفتيش إما بسبب وصول توصيات فيها، أو لكون تفتيشها يستغرق وقتاً طويلاً “مما يعرقل عملية مرور السيارات الأخرى”، مشيراً إلى أن الجيش “لا يمتلك معدات متقدمة مثل السكانر لكي يقوم بالتفتيش السريع”. بالتالي، فإن ضعف إمكانيات الجيش بالإضافة إلى هشاشة التدابير المتخذة تساهم في تسهيل عمليات التهريب وغيرها من الجرائم.
من جهتها تشير الخالد، إلى أن “الحواجز لا تقوم بتفتيش جميع السيارات التي تمر من أمامها، ونادراً ما يتم توقيف السيارات وتفتيشها وبخاصة الحديثة منها، وفي الأغلب يقتصر التفتيش على سيارات الأجرة فقط”.
وتتابع أن التفتيش يحصل في أغلب الأحيان بسبب “إخبارية ـ وشاية”، أو نتيجة جريمة حصلت مثل جريمة قتل وخطف القيادي في حزب “القوات اللبنانية” باسكال سليمان، والذي مرت جثته عبر الحدود.
حماية الحدود واجب الدولتين
يقول المحامي السوري عبد الناصر حوشان في حديث لـ”963+” إنه من واجب كل دولة حماية حدودها وهذا الأمر “من اختصاص وزارة الدفاع في كل دولة”، مؤكداً أن القانون يسند مهمة حراسة الحدود إلى قوات حرس الحدود ومخابرات الجيش والأمن العسكري.
وأضاف أن هناك اتفاقيات أمنية ثنائية بين لبنان وسوريا حول حماية وحراسة الحدود، واتفاقيات أخرى لقمع التهريب واتفاقيات التعاون القضائي وتسليم المجرمين، إلا أن “أياً منها لا يُطبق”.
أما بالنسبة للواقع الذي تعيشه الحدود اللبنانية – السورية، فأشار حوشان إلى أنه “لا الحكومة السورية ولا السلطات اللبنانية يريدان ضبط الحدود”، بالرغم من أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الصادر عام 2005 “يفرض عليهما ذلك”.
ويؤكد حوشان أن مشكلة التهريب ليست وليدة الحاضر، إنما تعود لعام 1976، وهو تاريخ دخول القوات الحكومية السورية إلى لبنان. كما يرى أن الحدود “لن تضبط أبداً لأن حرس الحدود والمخابرات من الجانبين هم القائمين على كل التجاوزات وعمليات التهريب”.
ويبقى حصر عمليات الفساد والجرائم المنتشرة على الحدود، يتطلب إجراءات جدية من قبل الدولتين اللبنانية والسورية، حيث يقع على عاتقهم مسؤولية ضبط الحدود. وبالتالي، إن ترك الحدود مشرّعة على مصراعيها دون تطبيق تدابير حازمة لناحية العقوبات والتفتيش أقله في النقاط التي يتمركز فيها الجيش، يعني السماح بالمزيد من الجرائم والتفلت والفوضى.