في خيام مصنوعة من شوادر من مواد النايلون والورق السريعة الاشتعال، يعاني اللاجئون السوريون في لبنان “حريق الصيف وغرق الشتاء”، فهذه العبارة اختصر فيها العضو الناشط في هيئة المتابعة لشؤون اللاجئين السوريين في عكار شمال لبنان، أحمد المحيميد، واقع الحال الذي يعيشونه في مخيمات اللجوء.
ويقول المحيميد في حديث لموقع “963+”: “نبدأ بالغرق مع أول سقوط للمطر نتيجة انعدام الجوانب الواقية للخيم، خصوصاً أن أغلب الخيم موجودة في أراضٍ زراعية لا تتّسم بأدنى مواصفات البناء. ناهيك عن معاناة الأطفال من فرط الحساسية بسبب ارتفاع معدل الرطوبة داخل الخيمة وشبه انعدام للتدفئة المناسبة”.
أما أزمة الحرائق فهي حاضرة على الدوام، “إذ إن أي شرارة نار في المخيمات تتسبّب بحريق هائل تطاول نيرانه المخيم بأسره، وذلك نتيجة قرب الخيام من بعضها البعض، وتنعدم أي وسيلة إطفاء قريبة من المخيمات”، بحسب ما قاله المحيميد.
وتعصف باللاجئين السوريين في لبنان بشكل موسمي وسنوي سلسلة من الفيضانات والحرائق، من دون حلول جذرية تحدّ من تكرارها. وكأنّ المأساة الإنسانية والظروف المعيشية القاهرة لا تكفيهم، حتى تأتي الكوارث الطبيعية، فتطيح بأبسط ما يمتلكونه من مقوّمات الحياة وتعرّض أرواحهم وحياة أطفالهم للخطر، لا سيّما أولئك القاطنين في المرتفعات والمناطق الجبلية أو السهلية. وكان آخرها وليس أخيرها، الفيضانات العارمة التي أطاحت بمخيمات اللاجئين مطلع هذه السنة وأغرقت خيامهم بالكامل، لا سيّما شمال البلاد في منطقة سهل عكار، نتيجة فيضان مجاري الأنهار وقنوات تصريف المياه وعدم قدرتها على استيعاب كمية المتساقطات.
المسارعة لتطبيق حلول جذرية
في إحدى العواصف، لم تكن محاولات إبراهيم، مجدية في فتح الطرقات والمجاري لتصريف السيول والحد قدر الإمكان من الأضرار اللاحقة بالمخيمات، فغزارة الأمطار واشتداد العواصف كانت أكبر من تلك المحاولات خصوصاً أن بلدة عرسال تُعدّ منطقة جبلية تشهد شتاء قارساً وصعباً”.
ويوضح إبراهيم مسلماني، وهو لاجئ سوري وناشط إنساني، أن “خيم اللاجئين في بلدة عرسال الحدودية مع سوريا، تتعرّض للسيول الجارفة المحمّلة بمياه الصرف الصحي، خصوصاً تلك الموجودة في المناطق المنخفضة. الأمر الذي يفاقم معاناتهم، لا سيما في حال وقوع الكارثة ليلاً، حيث يضطرون إلى إخلاء الخيام من النساء والأطفال ونقل ما أمكن من الأثاث والألبسة والأدوية، واللجوء إلى جيرانهم أو إلى بعض المنازل القريبة”.
ويضيف مسلماني لـ”963+”: “بمجرد هدوء العاصفة، يسارع اللاجئون إلى إطلاق المناشدات للجمعيات الخيرية والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية للتدخل وتعويض ما أمكن ممّا خسروه من ممتلكات لم تعد صالحة للاستعمال على الإطلاق”.
ويعدّد اللاجئ السوري “سلسلة حلول لإنهاء هذه المعاناة الإنسانية لحين عودتنا إلى ديارنا، حيث من الضروري أن تتبنّى إحدى الجمعيات أو المنظمات مشروع رفع مستوى المخيمات من خلال ردم أرضها، بحيث تكون أعلى من مستوى الطرقات وإعادة إنشاء المخيمات من جديد، أو المبادرة لإنشاء قنوات بشكل مدروس من قبل مهندسين اختصاصيّين لتحويل السيول عن المناطق المأهولة. ومن المهم كذلك، تدخل إحدى المنظمات لنقل المخيمات إلى مناطق مرتفعة، في سبيل إبعادها عن مخاطر السيول”.
وكان العام الماضي 2023، اختُتم بفاجعة إنسانية، حيث لقي أربعة أطفال من اللاجئين السوريين، حتفهم في مدينة مزيارة (شمالي لبنان)، من جرّاء انجراف التربة وسقوط بعض منها على سطح الغرفة التي يقطنونها، فانهار السقف المصنوع من ألواح صفيح على رؤوسهم. هذا، ناهيك عن حالات الوفيات العديدة جراء السيول والفيضانات من جهة والحرائق من جهة أخرى.
وفي حديثه عن الحرائق، يتحدث مسلماني عن “منظمات قدمت أجهزة إطفاء لعدد من المخيمات، وهي عبارة عن مادة بودرة، بمعدل عبوة لكل أربع خيم، لكن هذه المادة لا تتعدى فعاليتها فترة السنة وتتطلب الاستبدال لتكون جاهزة لإطفاء الحريق. لذلك، نقترح أن تكون مواد الإطفاء من نوع ثاني أوكسيد الكربون، لأن هذه المادة تدوم فعاليتها لسنوات ويمكن استعمالها أكثر من مرة. كما نتمنى على المنظمات المعنية التجاوب مع اللاجئين لاستبدال الأجهزة بعد كل حريق أو عند انتهاء صلاحيتها”.
ويأسف لما تسبّبه الحرائق من ضحايا في الأرواح، “ففي شهر شباط/فبراير من العام الماضي، قضت إحدى الأمهات مع طفلها في مخيم “الشفق” في بلدة عرسال، من جراء حريق مفجع اندلع في المخيم. ونشبت حرائق في مخيم “العماني” في البلدة ذاتها، أدّت إلى أضرار جسيمة، حيث احترقت 93 خيمة بشكل كامل ونحو 30 خيمة بشكل جزئي. كما تسبّب حريق كبير اندلع في مخيم الشهداء باحتراق كلّي لنحو 15 خيمة واحتراق 8 خيم بشكل جزئي، إلى جانب العديد من الحرائق التي تتفاوت لناحية شدّتها وحجم أضرارها”.
انعدام سبل الوقاية
يربط الناشط السوري الإنساني فارس علي، بين طرق التدفئة واندلاع الحرائق. ويقول لـ963+”: “أدّت الضائقة الاقتصادية في لبنان إلى انتشار وسائل التدفئة العشوائية في مخيمات اللاجئين هذه السنة، لا سيّما مع انعدام المساعدة الشتوية الرمزية التي اعتادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) تقديمها للعائلات المسجّلة لديها، والتي كانت عبارة عمّا يقارب سعر 100 ليتر من مادة المازوت”.
ومع غياب هذه المساعدة، “أقدم اللاجئون على استخدام أيّ شيء قابل للاشتعال، كالحطب والأحذية والألبسة وغيرها من المواد السريعة الاشتعال والتي تتسبّب بحالات اختناق. وفي حال فقدان السيطرة عليها، تهبّ النيران على الفور في الخيمة. ويندلع، خلال ثوانٍ معدودة، حريق كبير يطاول المخيم بأكمله. وهنا الكارثة الكبرى، لا سيّما في حال وقوع الحريق عند ساعات الصباح الأولى، وانعدام العدد الكافي للمساعدة في عمليات الإغاثة والإطفاء”، بحسب علي.
ويأسف لما تشهده المخيمات من “إهمال المنظمات الدولية والجمعيات المعنية لمدى خطورة الحرائق، حيث تغيب الكميات الكافية من معدّات إطفاء الحرائق والحفاظ على السلامة العامة. وهذا، ما يزيد الأمور سوءًا وتعقيدًا. ففي بلدة عرسال الحدودية مع سوريا، هناك نحو 160 مخيمًا، غير أن معدّات الإطفاء موجودة فقط في 100 مخيم تقريبًا. حتّى أنّ المخيمات المجهّزة بالمعدّات، تفتقر بمعظمها إلى الكوادر المدرّبة والمؤهلة لإدارة الأزمات داخل المخيمات”.
وعن إشكالية الفيضانات، يكشف أبو فارس أنّ “اللجوء السوري إلى لبنان، كان عشوائيّاً منذ بداياته، بحيث تم تشييد مخيمات عديدة من دون دراسة طبيعة المنطقة وجغرافيّتها. فكان أن أُقيمت مخيمات في مناطق لا تصلح للسكن، كونها تقع في منخفضات ومنحدرات، تتحوّل إلى مستنقعات لتجمّع مياه السيول والأنهار والجور الفنية، أو أنّها تقع بجانب المجاري والأنهار. وللأسف، لا حلول عملية لغاية تاريخه، وليس أمام اللاجئين سوى الصمود والغرق والطوفان ومواجهة ألسنة النيران، خصوصًا أنّ الحلول الجذرية تتطلّب موافقات إدارية من البلديات والوزارات المعنية والسلطات الأمنية، وهذا ليس بالأمر السهل”.
ويختم بالقول: “يشكّل اللاجئون الحلقة الأضعف على شتّى المستويات، غير أنّ مأساتهم لا تقتصر على الفيضانات والحرائق، بل تبدأ من الظروف المعيشية القاهرة والضغوط اليومية ومشاكل التعليم والصحة والخلافات المتواصلة مع أصحاب الأراضي ووسط الشارع وفي الدوائر الرسمية وغيرها من الأماكن”.
واندلع خلال شهر آذار/مارس الماضي، حريق كبير في مخيم للاجئين السوريين في بلدة عرسال الحدودية، أدى إلى احتراقه بشكل شبه كامل، وإلى تشرّد نحو 38 عائلة لاجئة وتسجيل أضرار مادية جسيمة دون خسائر في الأرواح.