خاص – ربيع دمج / دبي
لأول مرة منذ نحو 75 سنة لم تشهد الإمارات العربية المتحدة فيضانات ضخمة غطت الشوارع والمنازل مثل تلك التي شهدتها منذ أيام، فهذه الكارثة البيئية أتت على عدة مناطق في الدولة أبرزها دبي التي تعتبر ثاني أهم المدن عالمياً من حيث البنى التحتية ولطالما عّرفت بمناخها الصحراوي ودرجات حرارتها المرتفعة.
وبعد يومين من الكارثة بدأت الحكومة تحصي عدد ونسبة الخسائر الكبيرة التي تكبدتها جرّاء عاصفة لم تكن متوقعة إطلاقاً. بيد أنه جرت العادة أن الشرطة ووزارة البيئة وتغيير المناخ كانت تبعث رسائل نصيّة للمواطنين تحذرهم من قدوم العاصفة وضرورة التزامهم المنازل والعمل عن بعد.
وفي غضون ساعات توقفت الحياة ليس في دبي فحسب وإنما في كافة أرجاء الإمارات، حيث شهدت عدد من المناطق انقطاعات في الكهرباء والمياه والمصاعد، خاصة أولئك الذين يسكنون في طوابق عالية ولم يعد بمقدورهم مغادرة منازلهم لفترة 3 أيام، والآلاف تركوا سياراتهم في منتصف الطرقات وهربوا خوفاً من الفيضانات.
وكالعادة وبعد وقوع أي كارثة سواء كانت طبيعية أو غيرها تظهر العديد من التحليلات والنظريات، خاصة في عالمنا العربي الذي يعيش تحت وطاة “نظرية المؤامرة”، فهناك نظريات رجّحت السبب إلى أن العاصفة مفتعلة من قبل تنظيم دولي، ومنهم من قال أن الإمارات هي التي تسببت بتلك الكارثة دون قصد بسبب حقن الغيم، ونظرية علمية وهي الأكثر منطقية، كما حذر منها علماء المناخ مراراً سببها “التغيير المناخي”.
وفي حديث لموقع “+963” قالت مسؤولة الحملات في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كنزي عزمي: “مخيفة ومرعبة هذه العواصف التي نشهدها، وما يخيفنا أكثر هو أننا سنشهد المزيد منها وربما أكثر حدةً وتدميراً في المستقبل إذا لم نتحرّك للعمل سريعاً نحو انتقال عادل للطاقة المتجددة”.
وأضافت: “أصبح من المؤكد علمياً علاقة هذه الحوادث المناخية المتطرفة بأزمة المناخ وعلينا أن نتوقع المزيد منها أو حتى غيرها من الحوادث المناخية المتطرفة التي قد تأتي على شكل حرّ شديد وجفاف”.
واعتبرت في ختام حديثها أن موضوع المؤامرة بافتعال العاصفة كما تروّج وسائل إعلامية غير مسؤولة “أمر تافه” وغير علمي وليس منطقياً، ولا علاقة له بموضوع حقن الغيوم. وقالت “ما يحدث هو إشارة إلى أن منطقتنا غير مجهزة لمواجهة هذه الأزمة، على الرغم من توفّر الظروف المالية في بعض الدول، ولذلك يجب أن نلعب دوراً رائداً في التحرك العالمي لمواجهة هذه الأزمة من خلال تعزيز جهود التكيّف لدينا والتحرّر من الوقود الأحفوري والتحوّل التدريجي إلى الطاقة المتجددة كما تعهدت دول العالم في قمة المناخ التاريخية COP28”.
وفي السياق ذاته يؤكد الصحفي والباحث المتخصص في الشأن البيئي، إبراهيم رئيسي، لموقع “963+”، “أولاً علينا نزع أي فكرة خارج سياق التغيير المناخي. غالبية خبراء البيئة في العالم يأكدون حتى الساعة أن الإمارات معروفة بمناخها الجاف والحار، وبالتالي السبب الرئيسي للعاصفة الأخيرة الانحباس الحراري خاصة أن كمية الأمطار التي هطلت في دبي بشكل خاص خلال 12 ساعة فقط تعادل ما يهطل عادة على مدار عام ونصف، ثم أن هذه العاصفة ضربت السعودية وقطر وسلطنة عُمان، لكن التأثير الأكبر كان على دبي نظراً لجغرافية البلد”.
ويضيف أن “الخبراء الذين يقولون أن هذه الأمطار الغزيرة نتيجة تلقيح السحب هي نظرية غير علمية. بدأت دولتنا منذ عام 2010 بمشروع عمليات الاستمطار عن طريق تلقيح السحب من خلال استخدام الطائرات وكانت كلفة هذا المشروع 11 مليون دولار أمريكي، ومنذ إطلاق تلك التقنية لم تشهد البلد أي كارثة مشابهة وهنا تكمن الفكرة وتتوضح بأن التغيير المناخي هو السبب الوحيد، وأي دولة في العالم معرّضة لمواجهة ما حصل لدينا، مطار برلين أُقفل في 18 شباط / فبراير الماضي بسبب هطول الأمطار الغزيرة وعدم قدرة الطائرات على الإقلاع، الأمر الذي يمكن أن يحدث في كل دولة”.
ما الخسائر؟
يجيب الخبير الإقتصادي حمد الزرعوني، أن حصيلة الخسائر البشرية للفيضانات كانت وفاة واحدة لرجل مسن، “قبل التحدث عن الخسائر المادية يجب التنويه إلى أن حكومتنا طلبت من الشركات والمؤسسات والمدارس وحتى الموظفين عدم الخروج إلى الشارع والتزام المنازل والعمل عن بعد، لكن بعض الشركات الخاصة لم تذعن لهذا النداء وطلبت من موظفيها الوصول إلى العمل، ما تسبب بزيادة المشاكل أبرزها غرق السيارات”.
ويتابع: “هذه الكارثة لم نشهدها منذ العام 1949 وما نشرته وسائل إعلامية عربية وأجنبية كان مبالغ فيه خاصة أنهم ركزوا بشكل محدد على دبي التي تعتبر علامة تجارية اقتصادية فارقة، وانحصر الحديث عن دبي مع العلم أن دول أخرى حصلت فيها الكارثة، وبعد 48 ساعة من الكارثة بدأت الحياة تعود بشكل تدريجي إلى دبي أبرزها المطار الذي بدأ عصر أمس الخميس بتنظيم بعض الرحلات، المترو أيضاً الذي يعتمد عليه نحو 57 بالمئة من المقيمين في دبي هو أيضاً عاد للحياة ولو أنه لا يعمل في بعض المناطق القليلة”.
وعن مجموع الخسائر المادية التي تقدّرها الحكومة الإماراتية يقول لـ “+963”: “لا يمكن معرفة الرقم بشكل رسمي. هذا سيحتاج نحو أسبوع من معاينة كل الأضرار سواء على الطرقات العامة والمباني وكل المرافق الحيوية التي تضررت”.
ويختتم حديثه بالقول: “لا يجوز وضع اللوم على البنى التحتية في الإمارات ووصفها بالهشاشة. هذه البنى صممت لتكون ملائمة لطبيعة دولتنا الصحراوية الجافة في وقت لم تكن هناك عواصف ولا أثر سلبي كبير لتغيير المناخ”.
أبرز الأضرار
تعتبر المولات في دبي من أبرز المعالم السياحية والاقتصادية التي يقصدها ما لا يقل عن 400 ألف زائر يومياً، خاصة دبي مول، ومول الإمارات، وابن بطوطة مول، وتلك المولات تمتد على طول شارع الشيخ زايد الرئيسي، وتضررت بشكل كبير في بنيتها ومحتوياتها.
ويقول مشرف بأحد المولات لموقع “963+”: إن مول دبي يعتبر الأكثر تضرر من بينها، حيث أضرت العاصفة بنحو 120 محلاً فيه، وقدّر المشرف الأضرار بأكثر من 9 ملايين دولار تتضمن توقف حركة البيع والشراء لأربعة أيام.
يشار أن شرطة دبي أصدرت بياناً رسمي تقول فيه إن على كل صاحب سيارة تضررت بفعل العاصفة عليه إصدار شهادة “إلى من يهمه الأمر” من خلال تطبيق شرطة دبي كي تتواصل معه للتعويض عن بعض الأضرار.