خاص
تتوقع نجاة وهي موظفة حكومية، في دمشق، قاربت على التقاعد، أن تقتصر مراسم الاحتفال بعيد الفطر على اجتماع العائلة وتبادل التهاني، دون أي شيء آخر. إذ تستذكر السيدة كيف يختلف الوضع ويتجه للأسوأ من سنة إلى أخرى. فبداية الأزمة السورية، باعت نجاة صيغتها وأنفقتها على أسرتها حتى لا يشعر أبناؤها بالنقص والحرمان في العيد.
وحتى عام 2019، كانت الموظفة تشتري الثياب والأحذية الجديدة لأبنائها، وحلويات العيد الجاهزة، ولكن بعد ذلك العام ومع انخفاض القدرة الشرائية، “أصبح شراء الملابس حلماً لا يراود أي فرد من العائلة، والحلويات أصبحت أصنعها في المنزل. لكن منذ عامين حتى صناعة الحلويات لم تعد متاحة بسبب غلاء المكونات والتقنين الكهربائي”، تقول السيدة لموقع “963+”.
وغيرت ظروف الحياة من عادات السوريين كثيراً. وأصبح عليهم التأقلم مع الظروف، وتقلصت طقوس الاحتفالات بالأعياد يوماً بعد يوم تبعاً لازدياد الضغوط المعيشية واشتداد البؤس مع غلاء الأسعار اليومي وانخفاض الأجور الحقيقة.
ضاعت المدخرات
ويندب ليث العلي، من ريف دمشق، حظه، مبيناً أنه يعمل ١٦ ساعة في اليوم في وظيفتين، وزوجته موظفة أيضاً، ولديه طفلين في المرحلة الابتدائية، وكان يرغب في تنفيذ برنامج ليحتفل مع أطفاله في عيد الفطر، فادخر بعض الأموال من عمله، لكن عطلاً مفاجئاً أصاب غسالته استنفد أغلب مدخراته، لذلك قدم على قرض من إحدى مؤسسات التمويل الصغير بقيمة مليون ليرة يسدده خلال عامين حتى لا يشعر بتقصيره تجاه طفليه “فهما لم يشاهدا شيئاً من هذه الدنيا”، على حد تعبيره.
ويتذمر عبيدة صالح، 31 عاماً وهو موظف حكومي، في حلب، من التضخم وارتفاع الأسعار التي تفاقمت عن العام السابق، “حيث يواجه الشخص صعوبة في توفير المال لشراء الضروريات للعيد”، ويضرب صالح مثالاً في حديثه لـ”963+”: “إذا كان الشخص راتبه الشهري 200 ألف ليرة سورية (ما يعادل 14 دولار أميركي) ويرغب في شراء طقم لابنته بقيمة 200 ألف ليرة، فكيف يمكنه القيام بذلك؟
ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن تكاليف المعيشة للعائلات السورية ضمن مناطق الحكومة السورية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً منذ بداية العام الجاري، حيث تتراوح تكلفة العائلة المكونة من 4 أفراد شهرياً بين 5 إلى 7 ملايين ليرة سورية. وبالمقابل، يبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي نحو 300 ألف ليرة سورية، وهو ما يعادل حوالي 20 دولار أميركي.
أسعار مرتفعة وجيوب “خاوية”
يعمل محمد قرعوش، 43 عاماً، في مقلع للحجر في حلب، وهو أبٌ لخمسة أطفال. يتحدث عن تحدياته المالية في استقبال عيد الفطر، قائلاً لـ”963+”: “إذا استمرت الأسعار بهذا الارتفاع، فلن نتمكن من شراء أي شيء، فدخلي الأسبوعي 200 ألف ليرة سورية وأحياناً نصفها، وهو لا يكفي لشراء أي شيء، لذلك نعيش بالوضع كما هو حتى يرزقنا الله”.
وفي الرقة، يتجول قتيبة (٢٦ عاماً) بين المحال التجارية في شارع تل أبيض و23 شباط وسط مدينة المدينة، باحثاً عن ملابس جديدة يشتريها قبل عيد الفطر، ليتفاجأ بارتفاع الأسعار الكبير، إذ لا يكاد أن يقل سعر القطعة الواحدة عن عشرة دولارات، وفي بعض الأحيان يصل إلى عشرين دولاراً.
ويبدو أن ارتفاع الأسعار سيحرم “العلي” وسكان في الرقة من شراء حاجياتهم تحضيراً لاستقبال عيد الفطر، يقول الشاب لـ”963+”: “كل شي بالنار” في تعبيره عن ارتفاع الأسعار، الأمر الذي قد يجبر “العلي” للجوء إلى محلات البالة لشراء ثياب بنصف عمرها، وإن لم تكن بذات بهجة الجديدة، لكنها إحدى حيل السوريين للتغلب على واقعهم المعيشي والاقتصادي “المأساوي”.
ومع ارتفاع تكاليف الإفطار خلال شهر رمضان، يصل الأهالي في الرقة مرهقين إلى تحضيرات العيد، يقول إبراهيم الأحمد (28 عاماً)، إن حركة البيع في السوق “قليلة” وتكاد أن تكون “معدومة”.
ويضيف الشاب الذي يملك بسطة لبيع السكاكر والمعمول، لـ”963+” إن الأهالي يمرون ببسطته للسؤال دون أن يشتروا “يسومون ويروحون وما يشترون”، ويعزو ذلك إلى تدهور قيمة العملة المحلية، وتدني القدرة الشرائية للسوريين.
وتدهورت العملة السورية بمقدار الضعف عما كانت عليه في رمضان الماضي، وكانت تتراوح حينها بحدود 7 آلاف ليرة للدولار الواحد، بينما هذا العام يبلغ سعر صرف الدولار حوالي 14200 ليرة.
مكانة وميزة
ولعيد الفطر مكانة وميزة، عند أهالي محافظة إدلب، فمهما كان الوضع الاقتصادي يأبى السوريون أن يعتبروه “ضيفاً ثقيلاً” لما تربطهم به من قصص وحكايا وتراث محمل بأجمل العادات والتقاليد.
ويتفق كلٌّ من محمد مصطفى وناصر عبدو وهما بائعي حلويات في مدينة الدانا بإدلب، على أن الإقبال على شراء حلويات العيد “جيد”، بالرغم من كل الظروف الصعبة التي تواجه الأهالي.
وقدم عبدالقادر رزوق من ألمانيا لقضاء إجازة العيد بين أهله في إدلب، ويعبر الشاب عن دهشته من الأجواء والتحضيرات للعيد في شمال غربي سوريا، “فهذا الشيء لا يمكن أن نعيشه في بلاد الاغتراب”، يقول لـ”963”.
ظروف راهنة
أثرت الظروف السياسية والأمنية الراهنة بشكل كبير على أهالي محافظة درعا جنوبي سوريا، وغيرت الكثير من العادات والتقاليد المرتبطة بفترة العيد، بحسب ما قالت فاطمة الجباوي، لـ”963+”.
وتضيف الجباوي، الموظفة والأم لثلاثة أطفال: “استقبال عيد الفطر اختلف خلال السنوات الحرب بشكل كبير جداً، وغابت لذة العيد عن الناس بشكل عام، ففي كل سنة نفقد شيئاً من حولنا؛ أشخاص، أشياء أو عادات، فلم يعد أي شيء كما كان، حيث تيتم أطفال كثر وغابت عنهم فرحة العيد والأمهات الثكلى ونساء أرامل”.
وتحول العيد في درعا، بحسب كلام الجباوي، من مناسبة للفرح إلى وقت لزيارة المقابر لمعاينة من رحلوا. في ظل الأوضاع الراهنة يفتقد الأهالي للكثير من الأشياء حتى يجهزوا للعيد، فحتى الفرح باتوا يتصنعونه أمام أطفالهم”.
وتخشى السيدة كما أهالي المحافظة، من “اعتداء من قبل قوات الحكومة على المنطقة. اعتدنا على قصف الجوامع في صلاة العيد، إذ تكررت هذه الحادثة في السنوات السابقة”.
حوالات الخارج
وتفاوتت آراء الأهالي في مدينة القامشلي بخصوص الأسعار مع بدء العد التنازلي لاستقبالهم عيد الفطر، ولكن إجمالاً كان الأقبال في أسواق المدينة جيداً مقارنة بالأسعار المرتفعة بشكلٍ عام.
ويشير عصام أصلان وهو من أهالي القامشلي، إلى أن السكان يعتمدون على أبنائهم وأقاربهم في الدول الأوروبية، “فمن تصله حوالة مادية من أقاربه في الخارج يستطيع تدبير أموره قليلاً، لكن من لا يمتلك المال فيقصد السوق ليتفرج فقط ثم يعود خاوياً”.
ولم يشترِ فارس حمو بكاري وهو نازح من مدينة رأس العين إلى القامشلي، ويعمل في المياومة، أي شيء لعائلته بخصوص العيد “بسبب الارتفاع الكبير للأسعار”.
حال الألبسة
ارتفعت أسعار الألبسة الجديدة هذا العام بأكثر من ١٠٠% في الأسواق الشعبية، وهذا أيضاً حال أسواق الألبسة المستعملة التي لجأ إليها السوريون خلال السنوات الماضية، ويعود ذلك إلى قرار رفع أسعار الكهرباء الصناعية الأخير، واضطرار الصناعيين والتجار إلى تعويض قلة الطلب على الألبسة برفع أسعارها، إذ يقدر أصحاب الكار انخفاض الطلب على الألبسة والأحذية بنسبة ٥٠%.
وهذا ما جعل سعر البنطال يتراوح ما بين ١٥٠ ألف ليرة في الأسواق الشعبية وحتى ٦٠٠ ألف ليرة في المحلات الراقية، وسعر الحذاء يبدأ من ٢٠٠ ألف ليرة وينتهي إلى حدود المليون ليرة بحسب جودته وماركته، ويصل سعر الجاكيت في الأسواق الراقية إلى أكثر من مليون ليرة، مقابل ٤٠٠ إلى ٦٠٠ ألفاً في الأسواق الشعبية.
لا بل حتى عمليات تدوير الألبسة وإصلاحها باتت عصية على الكثير من الأسر السورية، إذ تصل تكلفة تقصير الثياب إلى ٢٥ ألف ليرة للبنطال، وتضييق الملابس قد يكلف ١٠٠ ألف ليرة.
ولأن بهجة العيد ترتبط لدى السوريين عموما ببهجة أطفالهم، شهدت محال بيع مستلزمات العيد الخاصة بالأطفال نوعا ما حركة اعتبرها تجار الملابس بأنها “مقبولة” في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، ويكلف إكساء الطفل بكسوة العيد كاملة من سوق شعبي بما لا يقل عن ٥٠٠ ألف ليرة سورية، في حين يتضاعف هذا الرقم أضعافاً مضاعفة إذ كانت الملابس من الماركات الشهيرة.
الحلويات
لا يقل سعر كيلو أرخص نوع حلويات في الأسواق السورية عن ٤٠ ألف ليرة، وهنالك أنواع فاخرة مصنوعة بالسمن العربي والفستق الحلبي تصل إلى أكثر من ٥٠٠ ألف ليرة. وهذه الأسعار هي ضعف ما كانت عليه خلال عيد الفطر الماضي، وذلك لأن تكاليف صناعتها ارتفعت كثيراً، بدءاً من أسعار الدقيق وانتهاء بالسمنة والزبدة والزيت النباتي والسكر والشوكولا، عدا عدم توفر مادة الغاز بالسعر النظامي.
ويتراوح سعر الحلويات المصنعة بالسمن الحيواني بالنسبة للبرازق والغريبة والعجوة بين 100 ألف ليرة و150 ألفاً، والأصناف مثل المعمول والبقلاوة وغيرها فيتراوح سعرها بين 300 و325 ألف ليرة مصنوعة بالسمن الحيواني.
تضخم جامح
الخبير الاقتصادي أمجد الونوس، رأى بأن الوضع الاقتصادي الحالي في سوريا سيحرم أغلب الأسر من الاحتفال بأي شيء “فالتضخم الجامح التهم القدرة الشرائية للأسرة السورية، والركود التضخمي قضى على أي أمل بتحريك العجلة الاقتصادية”.
وأضاف الونوس لـ”963+”: “ربما تقتصر الاحتفالات وشراء الجديد والحلويات على المغتربين الذين يفضلون قضاء عطلة العيد في بلدهم، أو بعض الأسر التي يعمل أبناؤها خارج سوريا، وقلة قليلة من أثرياء الحرب والتهريب”.