خاص – دمشق
لم يدخل اللحم الأحمر بيت سعود منذ 3 سنوات، إلا في عيد الأضحى عندما يقوم بعض الجيران بتوزيع الأضاحي على الفقراء. كما أن الفروج بات باهض الثمن، لذلك يلجأ الرجل للاحتيال على أولاده بالقليل من رقاب الفروج أو أرجله هذا في حال تسنى له أن يطبخ طعاماً يحتاج إلى نكهة اللحم.
ويعمل سعود الكبد صاحب الـ 45 عاماً، من السويداء، بالمياومة، بأجر يساوي 40 ألف ليرة يومياً، أي أقل من ثمن كيلو فروج بخمسة آلاف، “لا يمكّنني هذا العمل من شراء أوقية (200 غرام) من اللحم الأحمر، وبالكاد تكفي أجرتي اليومية ثمناً للإفطار والغداء، إذا ما اقتصر الغداء على الخضار، حيث أن عدد أفراد أسرتي 7 أشخاص” يقول الرجل لموقع “963+”.
ويستطرد الكبد فيقول: “كثيراً ما نحتال على واقعنا بالبحث عن مصدر غذاء من الطبيعة، خصوصاً في فصل الربيع حيث نلجأ للأعشاب والخضار، للتوفير قدر المستطاع، أما اللحوم فقد باتت في قائمة المنسيات، ويقتصر إدخالها للبيت على تواجد الضيوف فقط”.
ومن الحيل التي تلجأ لها الأسر، “التمريق”، بحسب التسمية الشعبية لها، كما يقول الكبد، ويضيف: “وذلك بأن يعوض اللحم سواءً الأحمر أو الأبيض بالعظام أو أرجل الدجاج أو الرقبة أو الشراء بالقطعة الواحدة، لإضفاء نكهة الدسم على الطبخة”.
دائرة العجز
وأدى ضعف قيمة الليرة السورية مع تدني الرواتب والأجور، إلى إحداث شرخ غير منطقي بين الدخل والمصروف لدى الشريحة الأوسع من السوريين، الأمر الذي انعكس بشكل كبير على سكان سوريا.
وتسبب هذا الواقع بطبيعة الحال باتساع العجز المادي، وعليه فإن معظم السكان حوصِروا في دائرة العجز، ليصبح العمل لدى غالبيتهم من أجل تأمين لقمة العيش وبأدنى الإمكانيات حيث تصنف معظم السلع الغذائية في منزلة “المهاجر” عن موائد عدد كبير من المواطنين في المحافظة، وعلى رأسها اللحوم التي باتت تعتبر من الكماليات لديهم.
يقول علي السمان وهو مالك مسلخ للفروج في مدينة شهبا في حديث لـ”963+”: إن “الإقبال ضعيف منذ 3 سنوات حتى اليوم، حيث كنا نذبح ونبيع في اليوم الواحد من 5 إلى ستة أقفاص (ما يعادل 70 فروجاً)، فيما بتنا لا نبيع أكثر من خمسة فراريج في اليوم الواحد خلال العامين الأخيرين”.
قدرة شرائية ضعيفة
ويُرجع صاحب المسلخ ضعف الإقبال على شراء الفروج إلى ضعف القدرة الشرائية وتدني الدخل وارتفاع أسعار اللحوم، مشيراً إلى أن المواطنين باتوا يلجؤون لشراء أرجل الفروج والرقاب والذي يباع بين الألف والألف و500 ليرة في حال أرادوا شراء اللحم.
كما بين لـ”963+” أن سعر الكيلو غرام الواحد من الفروج الحي 36 ألف ليرة سورية، فيما يبلغ سعره مذبوحاً 45 ألف ليرة، وبالنسبة للقطع فيبلغ سعر الفخذ الواحد 36 ألفاً، والصدر 64 ألف، و65 ألفاً للسودة.
وكحال الفروج، يشير حسام الخطيب وهو جزار في سوق اللحم، إلى أن الإقبال على شراء اللحم الأحمر ضعيف للغاية ويقتصر على ميسوري الحال القلائل فقط، ويضيف لـ”963+”: “أسعار اللحوم الحمراء مرتفعة حيث يتجاوز الكيلو غرام الواحد من لحم العجل عتبة 150 ألف ليرة، فيما تجاوز لحم الضأن (الخاروف) 200 ألف ليرة (ما يعادل راتب موظف من الدرجة الثالثة، ويتجاوز ثلثا راتب موظف من الدرجة الأولى)”.
لحوم الفقراء!
ومنذ خمسة أشهر، عزف أحمد الموسى 45 عاماً من سكان مدينة دوما في ريف دمشق، عن شراء اللحوم بأنواعها بسبب ارتفاع أسعارها “الذي لا يتناسب مع موظف في مديرية المياه بدمشق، يتقاضى بعد الزيادة الأخيرة 350 ألف ليرة”، يقول الرجل لـ”963+”.
ويضيف الموسى: “ألجأ لشراء العظام التي تباع ضمن سوق اللحوم بسعر 10 آلاف ليرة للكيلو الواحد وتقوم زوجتي بطهي عظمة واحدة في كل طبخة للحصول على بعض الدسم في الطعام”.
وتشتري نهاد شيخ البالغة من العمر 33 عاماً، “بدائل اللحوم التي باتت الحل الوحيد لتعويض عائلتي عن تناول اللحوم كشراء النتر، (عبارة عن عظام ودهن وجلد يتم عجنها مع بعضها البعض وكان اللحامة سابقاً يسمونها “زبالة” اللحم ويبلغ سعر الكيلو)”، بحسب السيدة.
ويبلغ ثمن الكيلو غرام من “النتر” 40 ألف ليرة، تقوم شيخ بشرائه لشهر كامل في حين يبلغ راتب زوجها الذي يعمل موظفاً في بلدية دوما 280 ألف ليرة فقط، حسب تعبيرها.
وأضافت زينة من سكان مدينة دوما لـ”963+” أن “بدائل اللحوم هي لحم الفقراء وهو عبارة عن دهون يتم عجنها مع البطاطا المهروسة ويتم استخدامها في حشو الكبة والسمبوسك”.
سبب الارتفاع
أرجع مصطفى سطله البالغ من العمر 40 عاماً، وهو قصاب في سوق دوما، ارتفاع سعر اللحوم إلى “تهريب المواشي لدول العراق ولبنان مما زاد من أسعارها، إضافة الى ارتفاع النقل نتيجة غلاء المازوت حيث وصل سعر اللتر إلى 15 ألف ليرة”.
وأضاف سطله لـ”963+” أن “الحواجز الأمنية تفرض على وسائل نقل المواشي رشاوي وصلت لنحو 50 ألف ليرة ليسمح لهم بالدخول إلى مدينة دوما”، مشيراً إلى عدم التقيد بالأسعار الرسمية للحكومة لدى غالبية محال اللحوم بسبب غياب الرقابة التموينية.
ووصل سعر كيلو لحم الخروف في مدينة دوما إلى 210 آلاف ليرة سورية، وكيلو اللحم البقري إلى 200 ألف وكيلو الإلية لنحو 100 ألف ليرة أما لحم الجاموس فوصل سعر الكيلو إلى 60 ألف ليرة سورية ولحم الدجاج 45 ألف ليرة.
وكان رئيس جمعية المحامين في دمشق محمد يحيى الخن، قد صرح للصحفيين أنه منذ مطلع شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2023 بدأت حركة البيع بالتراجع بنسبة 25٪، وانخفض عدد الذبائح اليومي إلى 500 رأس غنم.
وبرّر الخن ارتفاع أسعار اللحوم بـ”قلة المادة وارتفاع أسعار الأعلاف، وكذلك امتناع المربين عن البيع”، لافتاً إلى أنه “لا علاقة للمحروقات بتحديد السعر” على حد قوله.