خاص ـ بيروت
استنفذ المودعون اللبنانيون وسائل استعادة ودائعهم وسط إصرار السلطة السياسية على عدم إجراء الإصلاحات المطلوبة، منذ بداية تدهور الأحوال الاقتصادية والمالية والنقدية في البلاد، قبل نحو 4 سنوات.
لم يوقِف المودعون تحرّكاتهم على أكثر من صعيد. إذ تنوّعَت محاولاتهم لاستعادة حقوقهم، سلمياً وبالعنف. وشكّلوا تجمّعات وروابط وجمعيات ولجان للعمل بشكل قانوني، حيث أنصَفَ القليل من القضاة بعضهم، من خلال إصدار أحكام قضائية تلزم البنك بدفع الوديعة كاملة، واستجابت بعض البنوك للأحكام، وتجاهلتها أخرى، مستندة إلى الدعم السياسي.
عددٌ آخر من المودعين فضَّلَ أخذ حقّه بيده، فدخل مودعون إلى المصارف حاملين قوارير بنزين أو مسدسات، بعضها حقيقي وبعضها مزيَّف، واحتجزوا الموظفين وطالبوا بتحرير ودائعهم، ونجح البعض وفشل آخرون.
وهذا مسار مستمر منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019. “وكلّ ما فعلته الدولة هو المزيد من الوعود والتسويف بإعادة الودائع لأصحابها. لكن ماذا بقي من الودائع وماذا بقي من أصحابها؟، يقول محمد حسين، وهو أحد المودعين الذين يملكون 12 ألف دولار في أحد المصارف.
ويشير حسين في حديثه لموقع “963+” إلى أن “بعض المودعين فارقوا الحياة بدون الحصول على ودائعهم. البعض الآخر مريض ويحتاج أمواله لتلقّي العلاج. وجزء آخر يحتاج المال لتعليم أولاده في لبنان أو الخارج… والكثير الكثير من أصحاب الحقوق يحتاجون أموالهم لتأمين معيشتهم اليومية وسط الغلاء المتزايد. في حين أن المصارف والسياسيين يطلقون الوعود بدون تنفيذ. وقيمة أموالنا تتناقص يوماً بعد يوم”.
مَن المسؤول عن الأزمة؟
مَن المسؤول عن الأزمة وكيف سيكون شكل الحل المستقبلي؟ هو سؤال واضح وإجابته سهلة بالنسبة إلى حسين. فالمسؤول عن الأزمة “هو تحالف السياسيين والمصرفيين. وهذا التحالف تتداخل خيوطه لتصل في بعض الأحيان إلى حد التطابق والاندماج، لأن بعض السياسيين هم أصحاب مصارف أو مساهمين فيها، وبالتالي هم الخصم والحكم في آن واحد”.
أما الحل، فلا يجد حسين الكثير من الإيجابيات أمام هذا السؤال؟ “فالحقيقة الواضحة تقول بأن فرص استعادة الودائع تتراجع. فجزء كبير من المودعين سحب أمواله وفق أسعار صرف مجحفة وضعها مصرف لبنان بالتواطؤ مع السياسيين والمصرفيين لإذابة أكبر قدر من الودائع وإقفال الحسابات المصرفية”.
وفقدت الليرة بين 80 و90 بالمئة من قيمتها، بحسب تقلّب أسعار الصرف. ووسط ذلك، تراجعت القيمة الفعلية للودائع، حتى أن الودائع الدولارية فقدت قدرتها الشرائية لأن حجم التضخّم المصاحب للأزمة الاقتصادية، جعل منها وعلى مدى 4 سنوات، أقل من قدرته الشرائية قبلها.
ومع ذلك، “لا سبيل أمام المودعين إلا مواصلة الطريق. فعلى الأقل، لا يجب التسليم لهذه الطبقة التي أفقرت الناس والبلاد”. وبنظر حسين “التحركات ستتواصل أمام المصارف كلّما سمحت الفرصة بذلك. كما أن اقتحام المصارف سيستمر، وإحراقها وتكسيرها كذلك. فنحن أصحاب حقوق ولسنا لصوصاً”.
بالتوازي، فإن تحميل المودعين المسؤولية للسياسيين والمصرفيين، يجد ما يدعمه في كلام سياسيين آخرين. وهو ما تؤكّده ماري كلود نجم، وزيرة العدل السابقة في حكومة الرئيس حسّان دياب، والتي تشكّلت في 21 كانون الثاني/يناير 2020 وقدّمت استقالتها في 10 آب/أغسطس 2020 إثر تفجير مرفأ بيروت.
“وعود كاذبة”
وفي تصريح لـ”العربية نت”، تقول نجم إن “الوعود التي تُعطى من قبل بعض السياسيين باسترجاع ودائع اللبنانيين بالكامل كما هي، كذبة، بدليل امتناعهم عن تنفيذ أي خطة تعافي مالي لغاية تاريخه”.
وأكّدت نجم أن “نافذين من الطبقة السياسية ومصرفيين وأمنيين وقضاة استطاعوا تهريب أموالهم أو قسم منها إلى الخارج بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أي بعد انهيار المصارف”.
أما عن تحمّل المسؤولية، فبنظر نجم “كان من المفترض أن من يتحمّل مسؤولية خسارة نحو 76 مليار دولار، هو المستفيد منها، لكن تم توزيعها بشكل أساسي على اللبنانيين، لاسيما أصحاب المداخيل المحدودة والمتوسطة”. واليوم، يحاول السياسيون برأي نجم “تحميل كامل الخسارة للدولة، أي وتحديداً الأجيال القادمة، بشكل يعفي من استفاد على مدى سنوات من سياسيين ومصرفيين، من أي مسؤولية”.
وفي ظل “تعطيل خطة الإصلاحات”، ترى نجم أنه “لا حلّ قريب لاستعادة أي ودائع إذا لم يعِ الشعب اللبناني حقيقة المعركة القائمة”.
وللدلالة على المسؤولية، يمكن الرجوع إلى أحد أبرز الوجوه التي وثَّقَت إخراج الأموال من لبنان، وهو ميشال مكتّف، مدير وأحد مساهمي شركة مكتّف لتحويل الأموال، والذي توفّي في العام 2022 إثر “أزمة قلبية” كما قيل.
مكتَّف، وفي حديث لصحيفة “المدن” الإلكترونية، كان قد أكّد في العام 2020، على تلقّيه طلبات لتحويل أموال سياسيين ومصرفيين وقضاة، منذ بداية العام 2019. ويقول “بدأت المحاولات والاتصالات منذ بداية العام 2019، وعلى مدار أشهر بشكل يومي من الساعة 7:30 صباحاً ولغاية 8.30 مساء. حتى أن البعض عرض التنازل عن نسبة 30 في المئة من قيمة الأموال مقابل تحويلها إلى الخارج.. وهنا، لا بد أن أسأل: كيف يمكن لشخص تعب في جني أمواله وبشكل قانوني أن يلجأ لتحويلها إلى الخارج مع خسارة بنسبة 30 في المئة؟ ذلك يعني أنه من غير الممكن أن تكون تلك الأموال قد جُنيت بالطرق القانونية”.
وبالمحصلة؛ دفعَ اللبنانيون ثمن أزمة لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل. ويحاول مَن تسبَّبَ بالأزمة ومَن استفاد منها، تحميل الخسائر للناس، ومن بينهم المودعين. ولا يبدو أن الحل سيكون في المستقبل القريب، إذ تتّجه الأمور نحو المزيد من الفوضى والتأزّم وسط فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال وتصعيد أمني على الحدود وتراجع للمؤشرات الاقتصادية.