خاص ـ رانيا محمد/ دمشق
اعتاد السوريون، على القيام بالعديد من الطقوس الرمضانية والتي توصف بأنها تجعل من رمضان شهراً مجدداً للحياة، بما يفرضه من عادات وتقاليد مختلفة. ولكن ماذا بقي من تلك العادات مع الظروف الاقتصادية الضاغطة التي يعيشها السوريون منذ أكثر من عقد انتهت فيه الحرب، بضغط اقتصادي تفوق قسوته قسوة الحرب.
يقول السبعيني عامر الدباغ، لموقع “963+” إن زيارات وجمعات العائلة كانت أهم طقوس رمضان، إضافة إلى السهرات وحضور القصص في مقاهي دمشق الهادئة والدافئة رغم البرد، حيث يزدحم المرتادين.
ويشير الدباغ إلى انتشار ظواهر المبادرات الخيرة مثل “موائد الرحمن” حيث كان يتسابق أصحاب الفعاليات والتجار إلى تأمين الإفطار للصائمين المحتاجين ولا سيما العاملين في القطاعات الخدمية.
ويتأسف الدباغ على أن كل هذه العادات تأثرت كثيراً، نتيجة تداعيات الأزمة والحصار المفروض على سوريا، حسب رأيه.
مخصصات المساكين
أثّر الوضع الاقتصادي المتدهور على تقديم الصدقات من قبل الكثير من الأسر السورية كإطعام المساكين، من خلال توزيع وجبات الإفطار والمياه والملابس على المحتاجين واقتصر الأمر على بعض المقتدرين من صناعيين وتجار، وبكميات وصفها بعض ذوي الحاجة بأن ما يحصلون عليه أصبح يقتصر على أشياء بسيطة بالكاد تسد جزءاً من احتياجاتهم.
وانعكس تدني الوضع المعيشي على طبيعة الأطعمة الشهية، والحلويات والوجبات التراثية والعزائم والولائم التي كانت تقدم في رمضان خاصة في بيوت دمشق.
وأجمعت الكثير من الأسر على غياب شبه تام للحوم وأنواعها عن الموائد السورية، إضافة إلى اختلاف كبير في أنواع الوجبات التي كانت تعد، بعدما أصبح إعداد أبسط الأطعمة يحتاج إلى دخل يوم كامل، وقد لا تكفي حاجة فردٍ واحد من الأسرة، كما أشارت ربة المنزل ساميا علي لـ”963+”.
وأضافت تماضر وهي ربة منزل، أن “الفتات والكبة والفروج والمنسف من أرز وفريكة، وما يتبعها من فاكهة وحلويات ومعجنات كانت من الأصناف اليومية على موائد رمضان، أما اليوم فنكتفي بطبخة خفيفة مثل المجدرة مع قليل من المخلل، وظرف عصير صناعي، ومع ذلك نصبح مرهقون مادياً”.
بلا دراما
دمشق وغيرها من محافظات سورية تمضي معظم ساعات اليوم بلا كهرباء، وهذا يعني عدم تمكن السوريون من متابعة التلفاز، والدراما السورية التي تزدحم مسلسلاتها في كل رمضان.
تقول ولاء حسن، لـ”963+” إنها تخشى متابعة أي من الأعمال الدرامية، لكيلا تتحسر على عدم إمكانية متابعة المسلسل، لأنها حتى لو رغبت في فعل ذلك عن طريق الإنترنت فلن تتمكن “لأن خدمات الإنترنت تشبه الكهرباء، خاصة بعد رفع سعر هذه الخدمات، وغلاء باقات الخليوي المخصصة لفتح المنصات الدرامية وغيرها”.
وكما غابت أدوات التسلية داخل البيت، تحجمت الحركة خارجه مع أزمة المحروقات، يقول لؤي الصافي، الذي يقيم في دمشق، إنه قلص حركاته في سيارته الخاصة على الضرورة القصوى، وهذا يعني أنه خفض كثيراً من زياراته لبيت أهله في الريف سواء في الأيام العادية أو في رمضان.
ويضيف الصافي لـ”963+” أن ارتفاع أسعار المواصلات أثر كثيراً على الزيارات الرمضانية، والصلات العائلية، إضافة إلى ضغط العمل ولجوء كل فرد لمزاولة أكثر من عمل، ما أثر أيضاً على عادة الالتزام بالإفطار في المنزل.
“سكبة الجار”
وعن رأيه في واقع العادات الرمضانية قال المرشد الاجتماعي غسان أحمد، إن الكثير من الأسر تعمل جاهدة للالتزام بشيء من العادات الرمضانية ولا يقتصر الأمر على يوم أو يومين في الشهر، لأنهم يتعاملون معها كأنها جزء من التراث الشعبي.
وأشار أحمد، لـ”963+” إلى أن ارتفاع الأسعار ألقى بظلاله الثقيلة على العديد من العادات الاجتماعية الجميلة في رمضان، وكمثال على ذلك ذكر الأحمد (سكبة الجار) وبين أنها من العادات التي تعزز أهمية التعاضد والتكافل الاجتماعي في المجتمع، وتزيد من المحبة والألفة.
وسكبة الجار تعني تبادل الجيران أطباق الطعام الرمضانية التي أعدتها كل أسرة. ورغم استمرار تلك العادة إلا أنها باتت تكتسي نوعاً من الحياء لعدم قدرة الأكثرية على إعداد طبخة تزيد عن حاجة الأسرة.
وألقى أحمد بالمسؤولية الدينية والاجتماعية على عاتق ميسوري الحال، وطالبهم الالتزام بعادات وتقاليد رمضان على الوجه الأمثل، وتقديم المساعدات المالية وولائم الإفطار اليومية وأن يكون العطاء مضاعفاً للإبقاء على أخلاقية التكافل الاجتماعي.
شبه عادية
وبين الخبير الاقتصادي محمد مصطفى، أن أسواق رمضان باتت أسواقاً شبه عادية، ولا تتميز إلا بتضاعف أسعار المواد الأساسية العادية، لأن الطبخ حتى البسيط أصبح وللأسف من النوادر، في وقتٍ أصبح فيه دخل الموظف العام كافٍ لشراء فرختين أو بضعة كيلو غرامات من الأرز.
كما أصبح أي طلب على المواد الأساسية يؤثر على الأسعار، ويزيد ارتفاعها، وهذا الضغط السعري ترك بصماته على شهر وصف بأنه الخير والبركة والكرم.
وبحسب الخبير، فإن الغلاء قلص الكثير من العادات الرمضانية المعتادة منذ عقود، فمثلاً أصبح بائعو المشروبات الرمضانية المشهورة كالتمر الهندي والعرقسوس يُعدون على أصابع اليد الواحدة ضمن الأسواق الكبيرة، وكذلك الأمر بالنسبة لبائعي المعروك والناعم وغيرها من المأكولات الرمضانية الشهيرة.
وبحسبة بسيطة، يشير مصطفى إلى أنه “لو افترضنا أن الأسرة أرادت أن تضع على سفرتها الرمضانية يومياً شراب العرقسوس أو التمر الهندي فإن ذلك يحتاج خلال شهر رمضان لميزانية مالية كبيرة تصل إلى 500 ألف ليرة فقط ثمناً للمشروب”.
وعند التقاء عينات عشوائية من مرتادي الأسواق الدمشقية في السوق العتيق والميدان وباب السريجة، تبين أن أغلبهم عاد أدراجه بعد حذف معظم بنود قائمة الطلبات، رغم أن بعضهم أكدوا على تلقيهم مساعدات مالية من الأقارب أو المعارف في الخارج، لكنها باتت غير كافية لتغطية كم النفقات الهائل كما قالوا.