خاص ـ حلب
تعرفت الشابة سوسن، على خطيبها المقيم في ألمانيا، على وسيلة التواصل الاجتماعي، فيس بوك، ورغم بعد المسافة إلا أن باقات الورد والهدايا كانت تصل إلى منزلها.
وكحال معظم الفتيات في سوريا، ترغب سوسن ذات (26 عاماً)، بالزواج وتكوين أسرة قرب عائلتها، ولكن الحرب المستمرة في سوريا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية جعلت حتى التفكير في هذا الأمر شبه مستحيل، ما يستدعي وجود عريس خارج هذه البلد.
كانت سوسن، من حلب، تتحدث مع الشاب بشكل يومي، حتى تم التعارف بشكل دقيق وعلى أدق التفاصيل، “أصبحنا مقتنعين بالزواج”، تقول الشابة لموقع (963+).
وبعد حوالي عام أرسل الشاب أهله المقيمين في حلب إلى منزل سوسن، وتمت الخطوبة، “لقد جعلني أشعر أن الحياة في سوريا شبيهة جداً بتلك الحياة التي يعيشها العالم خارجها وربما وردية أكثر”.
تخرجت سوسن من كلية العلوم بجامعة حلب، وعملت مدرسة، وبعد خطوبتها تركت وظيفتها التي لا تكفيها ثمن باقة إنترنت واحدة في الشهر، حسب تعبيرها.
وتضيف سوسن، “رغم طول المسافة بيننا، كانت دائماً باقات الورود تصلني، والهدايا بالإضافة إلى موبايل فاخر. لقد نسيت حقاً سنوات الحرب وفقدان الكهرباء والكثير من مقومات الحياة”.
وتصف الشابة حالها وأقرانها من الفتيات، بالقول: “في كل العالم تحزن الفتاة عندما تسافر وتتزوج بعيداً عن أهلها، ولكن هنا في سوريا نفرح كثيراً نحن الفتيات عندما نتزوج من شخص خارج سوريا”.
وتعلل السبب بأن “ريعان شبابنا ذهب في الحرب وبتنا بانتظار فسحة أمل في هذه الحياة، ولذلك شيء جميل جداً أن تجد من يرسل لك رسالة كل صباح يطمئن عليك في كل الأحوال وهدايا أيضاً، وهذا الأمر الأخير ما كان ليحدث لو كان خطيبي متواجداً هنا في سوريا”.
وبلهجة ساخرة تقول: “لو كان خطيبي متواجد هنا لما قبلت بالخطوبة منه، لأنه سيرسل لي كل صباح أنه ينتظر طابور الخبز أمام الفرن أو ربما تكون هديتي رسالة جرة الغاز أو ربما رسالة مازوت التدفئة… هذا الواقع المؤلم”.
وتنتظر سوسن، استكمال إجراءات لم الشمل حتى تصل إلى خطيبها وتبدأ مشوار حياتها الزوجية.
وبسبب الحرب في سوريا، والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها السوريون، بات تأمين تكاليف المعيشة أمراً صعباً للغاية، وحال الشباب من سيء لأسوء، فهم مجبرون على الالتحاق بالخدمة العسكرية أو السفر.
انعكست هذه الظروف سلباً على الفتيات، فبات الزواج والفستان الأبيض حلم لا يمكن تحقيقه بالنسبة للفتاة إلا لدى شاب مغترب، فهو الوحيد القادر على أن يؤمن مستلزمات الحياة التي تم فقدانها في سوريا، بحسب اعتقاد معظمهن، ولكن كما يقول المثل العامي: “مو كل مرة بتسلم الجرة”.
يسرد هذا التحقيق، قصة احتيال حدثت نتيجة البعد الجغرافي بين الخاطب ومخطوبته، وتفاصيل الخطوبة وصولاً للفراق.
زواج الاغتراب سبيل للاحتيال!
الظروف الحالية في سوريا تسببت بدمار مستقبل الشباب، فالهجرة أصبحت شيئاً بديهياً بعد الحصول على الشهادة الثانوي، وحتى الفتيات أصبحن يرغبن بالسفر خارج البلاد ولعل الأمر الأقرب إلى عقل المجتمع الشرقي الذي يمنع سفر الفتاة وحدها؛ هو ذهابها إلى زوجها، ولذلك فإن أغلب الفتيات يسلكن هذا الطريق، فالتواصل الاجتماعي جعل الكون قرية واحدة ومن خلاله تتم عمليات التعارف والخطوبة، أو ربما يكون أهل العريس المغترب في المدينة ويقومون بطلب فتاة لتزويج ابنهم كما حدث مع سوسن والكثير من الفتيات.
يسرد محمد 30 عاماً، المقيم في النمسا، لـ”963+” حالة خاصة من الاحتيال الذي يتعرض لها بعض الشباب السوري المقيمين خارج سوريا.
فالبعد الجغرافي كان عاملاً مهماً في هذه الحالة حيث استغل أهل “الخطيبة” عدم وجود أي أقارب لمحمد الذي أرسل ما مجموعه 30 مليون ليرة سورية (ما يقارب 2000 دولار أمريكي)، ليقع الشاب تحت عملية “نصب واحتيال”، كما أسماها.
وفي عام 2020، سافر محمد إلى النمسا، وبعد أن استقر وضعه بدأ يفكر بالزواج، فتحدث مع والدته المقيمة في تركيا وناقشها بالأمر كثيراً.
وتطبيقاً للمثل السوري، (الي ما بياخد من ملتو…بيموت بعلتو) قرر محمد أن يخطب ويتزوج من داخل سوريا، على الرغم من الصعوبات الكثيرة حتى إتمام الأمر، أولها لم الشمل والسفر “إلا أن الزواج من فتاة سورية أضمن شي”، يقول الشاب.
“اصطياد الزبون”
ولدى محمد صديق يقيم معه في النمسا، وهو دائم التواصل مع والدته المقيمة في حلب، “طلبت منه أن يتكلم معها لإيجاد فتاة حتى أتزوجها، لترسل لي رقم أهل (بنت حلال)”.
تواصل محمد مع ذوي الفتاة، وتم الاتفاق على كل التفاصيل، وهي: “طلبوا مني مقدماً 100 غرام ذهب ومثله مؤخر غير مقبوض و13 غرام ذهب ومحبس هدية الخطبة و50 غرام من الذهب قبل العرس وهاتف نقال وبعض الهدايا”.
وهنا بدأت “قصة الاحتيال”، يتذكر محمد هذه الحادثة التي حصلت منذ عام، ويقول: “في البداية استغربت من هذه الطلبات ولكن كنت أقول (بنت الحلال ما بيضيع معها شي)”.
وكان محمد يتحدث مع خطيبته في بداية الخطوبة، بشكل طبيعي، لكن بعض مضي أسبوع على الخطبة، بدأ الأمر يتغير.
يضيف الشاب: “كنت عندما اتصل بخطيبتي (دانيا) دائماً تجيب والدتها ولا أستطع التحدث معها، استغربت وكنت أقول لوالدتها أين دانيا تقول لي في الجامع، في الصلاة، في المدرسة، كنت أفرح عندما أسمع هذه الكلمات، فهي تدل على التربية الحسنة والأخلاق الحميدة”.
يقول محمد: “هذا الأسلوب بات منتشراً في أغلب المناطق داخل سوريا، لكي يتم اصطياد الزبون الثمين، فالوضع الاقتصادي سيئ للغاية، وبات الشاطر الذي يجد صيداً ثميناً في الغربة”.
ومنذ اليوم الأول للخطوبة، طلب والد دانيا من محمد، إرسال هدية ثمينة بهذه المناسبة، “قمت بإرسال 500 دولار أمريكي، استلمها هو بنفسه عن طريق حوالات غير قانونية، واشترى إسوارة ذهب بوزن يقارب 5 غرامات، وأعطاها لبنته، بحسب ما أخبرني حينها”.
وبعد أربعة أيام اتصل والد الخطيبة بالشاب وأخبره بوجوب شراءه موبايل لدانيا، “قلت نعم وقمت بإرسال 400 دولار أمريكي واستلمها هو واشترى هاتف نوع شاومي نوت 12، ثم قال يجب أن تتم جمركته”.
ولا يعمل الهاتف داخل سوريا إلا بموجب تصريح عمل على الشبكة، هذا الإجراء قامت به الحكومة السورية منذ تصاعد العقوبات الاقتصادية عليها، وتتم جمركة الهاتف بدفع مبلغ لصالح شركة الاتصالات.
ولتفعيل الموبايل، قام محمد بإرسال 200 دولار أمريكي، كل ذلك كان خلال مدة لم تتجاوز عشرة أيام من الخطبة.
هنا بدأ الشاب بالشعور بشيء من الاحتيال، “لكن لم أجعلهم يشعرون بذلك”. وبعد مضي شهر كامل على الخطوبة، “بدأوا يطلبوا مني أن أقوم بشراء ذهب (التمليك) البالغ 50 غرام، بحسب عقد الزواج، أنا لم استجب وبدأت أقول لهم لا أملك ثمنه الآن خصوصاً أن الزواج سيحدث بعد سنة من الآن”.
ولكن هذا التصرف أزعج أهل الفتاة، ليقوموا بأخذ الموبايل منها، ومنعها من التحدث مع خطيبها.
يقول محمد: “بعد يومين قامت الأم بالاتصال بي وأخبرتني أن دانيا مريضة بسبب هذه المشكلة ويجب أن أقوم بمراضاتها، وأشعرتني بالذنب وأن تصرفي كان خاطئاً”.
ولتصليح الموقف، ما كان من الشاب إلا أن أرسل مبلغ 600 دولار أميركي، استلمها والدها وقام بشراء ألبسة وهدايا لكي يرضي ابنته، “وبالفعل بدأت بالحديث معي مجدداً”، يقول محمد.
واستمر مسلسل “الاحتيال”، ففي أحد الأيام، يقول محمد: “أخبرتني دانيا أن صديقتها تلقت هدية من خطيبها في النرويج وهي عبارة عن ساعة يد فاخرة ثمنها 350 دولار أمريكي. وبالفعل قمت بإرسال المبلغ حتى تشتري ساعة”.
وبعد أن استلم والدها المبلغ، كانت المفاجأة التي تنتظر الشاب، يقول: “فجأة قاموا بحظري جميعهم في اليوم ذاته، وحاولت كثيراً الاتصال بهم لم أتلقَّ أي رد، أرسلت أم صديقي إلى منزلهم فلم تجد أي أحد، حينها عرفت أنني تعرضت للاحتيال”.
رأي قانوني وإحصائيات
هذه الحالة هي واحدة مما يتعرض له الشباب السوري المقيم خارج البلد، وهناك الكثير وفق ما أفاد المحامي عواد بوادقجي في حلب لـ”963+”.
ويقول: “حالات الاحتيال باتت كثيرة خصوصاً في مواضيع الزواج، وعادة ما يستغل أحد الأطراف المسافة البعيدة وعدم وجود أقارب، وكل ذلك بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وهذا الأمر ذاته يرفع نسبة الطلاق كل يوم وليس كل عام”.
ويضيف: “أغلب الدعاوى القضائية المنظورة أمام المحكمة سببها عدم القدرة على تحمل مسؤولية الأسرة وتقديم أبسط الحاجيات، الأمر الذي يدفع النساء إلى طلب الطلاق بدون النظر إلى العواقب، وهناك فتيات بعمر الـ20 يطلبن الطلاق بسبب الأمر ذاته، وهنا الكارثة عندما تصبح فتاة في هذا العمر مطلقة، ما يعني أن جيلاً من النساء في أغلبه مطلقات”.
ويرى المحامي، أن الزواج من شاب مغترب هو “حل باعتقاد الفتيات المقدمات على هذا النوع من الزواج، ولكن هناك الكثير من الصعوبات للوصول إلى الزوج ومن أهمها لم الشمل وتثبيت الزواج والسفر”.
وعلى المقلب الآخر، “نجد أن المغترب قادر على تحمل هذه النفقات وإرسال الهدايا والحوالات، وليس صعباً عليه لأن فرق سوق الصرف بين العملة المحلية والدولار أو اليورو يسّهل على الزوج الكثير”، بحسب بوادقجي.
ووفق بيانات المكتب المركزي للإحصاء في سوريا لعام 2022، كانت شهادات الطلاق 46827 شهادة، بمعدل ارتفاع بلغ 11 بالمئة مقارنة بعام 2021 الذي شهد 41957 حالة طلاق، كانت حصة محافظة حلب منها 7876.
وحول هذه النسبة يقول بوادقجي: “إن عدم صبر الزوجة على وضع زوجها المعيشي بات شبه معدوم، خاصةً إذا كان الزوج في الخدمة العسكرية التي أخذت أغلب شباب البلد، وفي هذه الحالة لا تصبر الزوجة ما يؤدي إلى الطلاق”.
ويبين بوادقجي، أن النسبة للعام الماضي “لم تظهر بعد”، ولكن يرجح المختصون أنها “زادت بأكثر من 20 بالمئة مقارنة بعام 2022 لأن الوضع الاقتصادي زاد سوءاً، وقد تصل لأكثر من ذلك في عام 2023 لتضاعف الأسعار في سوريا”.