اضطر فايز العبود، وهو أب لثلاثة أطفال ينحدر من ريف درعا، للخضوع لاتفاق التسوية إذ خشي أن تعتقله الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية.يقول العبود (33 عامًا)، لـ”963+” إن التسوية الأخيرة كانت الأصعب، “بسبب الازدحام الكبير على مركز التوقيع في مدينة درعا، واضطرار البعض لدفع مبالغ مالية تراوحت بين 75 ألفًا و100 ألف ليرة سورية لعناصر الجيش ليدخلوا إلى المركز”.
يرى العبود، أن الحكومة “لم تفِ بوعودها، فليست هذه التسويات إلا وسيلة ابتزاز لتحصيل الأموال من التجار والمزارعين”، على حد تعبيره.
من معقل الاحتجاجات إلى التسويات
تعد محافظة درعا في جنوبي سوريا معقل الاحتجاجات التي اندلعت في 18 آذار/مارس 2011، ضد الحكومة السورية، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى مسرح للمعارك بين فصائل المعارضة المسلّحة والقوات الحكومية.
وفي عام 2018، بسطت الحكومة سيطرتها على كامل المحافظة، بدعم بري إيراني وجوي روسي، وخضعت درعا لتسويات عدة كان آخرها مطلع حزيران/ يونيو الفائت.
رعت روسيا أولى تلك التسويات بين الحكومة وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا في تموز/ يوليو 2018، وكان أبرز بنودها تسليم المعارضين أسلحتهم لأجهزة الأمن. أعقبتها تسوية ثانية في أيلول/ سبتمبر 2021، طرح فيها الروس خارطة طريق لتنفيذ التسويات، لكنها لم تحمل اختلافات جوهرية عن بنود الأولى، فيما أتت الثالثة بطلب من الأجهزة الأمنية للحكومة في نيسان/أبريل 2022، والرابعة في أيار /مايو الماضي.
استمرت التسوية الأخيرة، خمسة عشر يومًا، تم خلالها تسوية أوضاع أكثر من سبعة وعشرين ألف شخص، بحسب وكالة “سانا” الحكومية.
ويرى العبود أن هدف التسوية التي فرضتها الحكومة هو “إفراغ المحافظة من سكانها، كي تستطيع الفصائل الشيعية والأخرى المؤيدة لإيرن تنفيذ مخططاتها بيسر وسهولة”.
وتنتشر فصائل محلية موالية لإيران في مناطق متفرقة بالمحافظة، وتتخذ من الملعب البلدي بمدينة درعا مقرًا رئيسيا لها. ويعتبر اللواء 12 التابع للفرقة الخامسة في قوات الحكومة أبرز مقارها في ريف درعا الشرقي، “إضافة إلى حقل التدريب التابع للفرقة التاسعة غرب قرية كريم بريف درعا الشرقي”، كما يقول العبود.
محكومة بالفشل
يقول حسام البرم، وهو صحفي سوري معارض يقيم في فرنسا، لـموقع “963+” إن تسويات درعا “محكومة بالفشل منذ بدايتها، ولا مجال لنجاحها”، معللًا ذلك بأن “ما أرادته روسيا والحكومة من هذه التسويات هو امتصاص غضب المعارضة، وتمييع الحالة الثورية في درعا، وصولًا إلى التماهي مع فكرة وجود دولة أو نظام”.
ويضيف البرم: “من أبرز أهداف تسويات درعا إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2011، وذلك بإبعاد شباب المحافظة عن فكرة الثورة، ودمجهم مجددًا في مؤسسات الدولة، فروسيا قطعت العديد من الوعود لأهالي المحافظة لحثهم على التسوية، وأبرزها تحقيق الاستقرار الأمني وتحسين الوضع المعيشي وعودة الخدمات”.
لكن الوعود الروسية “بقيت حبرًا على ورق التسويات”، يقول الصحفي، ويضيف: “الأوضاع في محافظة درعا من سيء إلى أسوأ. لا يمكن مغادرة سوريا بالطرق الشرعية إلا بعد استصدار إذن سفر، وهذا لم يكن ليحصل عليه أهل درعا لولا خضوعهم للتسوية. والحكومة تعرف هذا الأمر، وهذا ما كانت تسعى إليه في الأصل، أي إفراغ المحافظة من المعارضين من دون استثارة الرأي العام بتدابير قاسية”.
ويجزم البرم بأن التسويات كانت “محاولة روسية لاستعادة الدولة السورية هيبتها، واندماج المعارضة فيها”.
المعارضة الرسمية انتهت
محمد العبد أحد وجهاء محافظة درعا. يقول لـ”963+”: “تأثرت المعارضة بشكل كبير بهذه التسويات، لأن الحكومة استقطبت بعض القادة السابقين في الجيش السوري الحر ومنحتهم امتيازات شخصية وحققت لهم مصالحهم”.
ويضيف: “أغلبية قادة المعارضة الذين خضعوا للتسوية يعملون اليوم لصالح النظام، ويحاربون كل من يعمل ضده، وأهم هؤلاء أعضاء اللجان المركزية”.
واللجان المركزية مجموعة تابعة للمعارضة السورية، تولت المفاوضات مع الحكومة بعد سيطرتها على محافظة درعا، أبرزها اللجنة المركزية في درعا البلد وأبرز أعضائها العقيد محمد مهدي الدهني المنشق عن الحكومة وقائد فرقة “18 آذار” في المعارضة السورية سابقًا؛ واللجنة المركزية في المنطقة الغربية وأبرز أعضائها محمود مرشد البردان أبو مرشد، قائد فرقة “فجر”.
ويشير العبد إلى أن الحكومة ترفض وجود أي تشكيلات للمعارضة أو أي مؤسسات لا تعمل تحت تصرفها، “حتى لو كانت مؤسسات إنسانية، وتعاقب أي شخص يعمل خارج مؤسساته”.
ويختم بالقول إن المعارضة الرسمية في محافظة درعا “انتهت بعد التسويات، وانتقل معظم من التزم مؤسساتها إلى الشمال السوري، أما المعارضة الشعبية للنظام… فمستمرة”.