خاص- رامي شفيق/القاهرة
تمثّل سوريا بالنسبة لمصر جزءاً من نطاقها الحيوي والإقليمي، فالقاهرة تتعاطى مع الملف السوري منذ عقود بناءً على معطيات الجغرافيا السياسية والروابط التاريخية والثقافية والاجتماعية. ورغم نشوب الأزمة السورية عام 2011 عقب احتجاجاتٍ شعبية اندلعت في منتصف شهر آذار/مارس وتدخّل أطرافٍ إقليمية ودولية فيها، إلا أن القاهرة امتنعت عن دعمٍ أي فصائلٍ مسلّحة. وقد أكّدت مراراً عبر مسؤوليها على ضرورة العثور على “حلولٍ سياسية” عوضاً عن المواجهات المسلّحة.
ورغم أن الرئيس المصري السابق والراحل محمد مرسي الذي كان ينتمي لجماعة “الإخوان المسلمين” كان قد أعلن ما يُسمى بـ “الجهاد” في سوريا، لكن دعوته تلك سبقت خسارته للسلطة بفترةٍ وجيزة، وهو ما منعه من التأثير المباشر على الملف السوري ميدانياً.
وتحدّث ديبلوماسي مصري بارز عن “الثابت والمتغيّر” في الموقف المصري تجاه الأزمة السورية، مؤكداً في مقابلة مع موقع “963+” أن “”ثوابت السياسة المصرية تشكلت منذ بداية الأزمة السورية، ولا تزال سارية إلى اليوم، حتى وإن بدا أن بعضها قد تمّ تخطيها، إلا أن تلك الثوابت أتت نتيجة تاريخ الترابط المشترك بين البلدين والذي تمتد جذوره لما قبل الأزمة بعقود”.
وقال مساعد وزير الخارجية المصري سابقاً وسفير مصر الأسبق في سوريا حازم خيرت في مقابلته إن “الثوابت المصرية تتمثل في وحدة الأراضي السورية وسلامتها الإقليمية، ورفض عسكرة الأزمة/ رفض الحلول العسكرية، إنهاء معاناة السوريين وتقديم يدّ العون لهم لتجاوز محنتهم، الحرص على سلامة وحماية المصريين في سوريا، والسعي الحثيث لطرح الحلول والمبادرات السياسية سواء كانت على المستوى العربي أو الدولي، بالتنسيق مع الأطراف المعنية، التعاون مع الحكومة السورية فيما يتعلق بمختلف جوانب الأزمة السورية، بما في ذلك قضايا عودة اللاجئين ومكافحة الارهاب والمخدرات والتعاون الأمني مع الدول العربية في الجوار السوري ومواضيع أخرى مثل التعافي المبكر وفرض السيادة السورية على كامل أراضيها”.
القاهرة استقبلت وفوداً من مختلف الأطراف
وأضاف السفير المصري الذي عمِل في دمشق لسنواتٍ طويلة أن “السياسة المصرية تجاه سوريا كانت دوماً ديبلوماسية وليست عسكرية (مثلما فعلت بعض الدول) لصالح حلّ سياسي بين النظام والحكومة. كما استضافت وفوداً من معارضة الداخل السوري، وأخرى كردية، إلا أنها لم تدعم أي توجهات عسكرية لحلّ الأزمة من قبل أياً من النظام أو المعارضة، وحتى الأطراف الخارجية. وقد سبق وأن حذّرت مصر مراراً وتكراراً على مدار السنوات الماضية ومنذ بداية الأزمة، من تداعيات الصراع المسلح في سوريا ومحاولة الحسم العسكري، ولكن لم تلقَ هذه التحذيرات آذان صاغية”، على حدّ تعبّيره.
تحقيق التوافق الوطني
وقال خيرت أيضاً: “نحن على قناعة تامة بأن السبيل الوحيد للتسوية هو الحلّ السياسي بملكية سورية خالصة دون إملاءات خارجية، واستيفاء الإجراءات المرتبطة بتحقيق التوافق الوطني بين الأشقاء السوريين، وبناء الثقة، ومواصلة اجتماعات اللجنة الدستورية على نحو يتماشى مع المرجعيات الدولية وقرار مجلس الأمن رقم 2254، وبما يلبي تطلعات الشعب السوري ويحقق آماله المشروعة في غدٍ أفضل، ويضمن الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها وسلامتها الإقليمية، وينهي كل مظاهر التدخلات الخارجية في شؤونها بما في ذلك الاعتداءات على أراضيها، ويفضي إلى القضاء على جميع صور الإرهاب وتنظيماته والفكر المتطرف دون استثناء، ويوفر البيئة المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين والنازحين، ويفتح المجال أمام البناء والتنمية مما سيعزز من عناصر الاستقرار في العالم العربي والمنطقة”.
وتابع خيرت حديثه قائلاً: “مصر تحرص على عودة سوريا للحضن العربي، والتخلّي عن النهج المتشدّد، وتدخل الشركاء العرب لحل الأزمة بطرق ودية، كبديل للتدخلات الأجنبية التي سوف تضرّ بسوريا ومستقبلها. كما أن العقوبات التي فرضت على دمشق ساهمت في زيادة معاناة الشعب السوري من الحصار والعزل والتجويع”، مشدداً على أن “القاهرة تهتم بضرورة مواجهة الإرهاب والتطرف بكافة صوره وأشكاله وعدم السماح له بالتمدد أياً كانت مبرراته، أو الأقنعة التي يستخدمها، ونبذ كل صور العنف بما يكفل استقرار المنطقة ويجنبها المزيد من المشاكل. كما يتعين التنسيق مع كافة الأطراف المعنية لضبط الحدود، بهدف الحفاظ على أمن المنطقة. فضلاً عن ضرورة معالجة أزمة اللاجئين، لتنظيم وتسهيل عودتهم الطوعية والآمنة وإنهاء معاناتهم، بالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة”.
القاهرة تحرص على عودة العلاقات التاريخية مع دمشق
وعن عودة دمشق للجامعة العربية، علّق الديبلوماسي المصري بالقول: “تحرص مصر على عودة العلاقات التاريخية مع سوريا، وتواصل دورها الايجابي من خلال التنسيق والتفاهم المشترك على كافة الملفات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والاستثمارية وإعادة الإعمار وغيرها. وكذلك رحبت القاهرة بانضمام سوريا إلى البيان الختامي لاجتماع عمان يوم الأول من مايو 2023، كونه تطوراً إيجابياً وخطوة هامة على صعيد إثبات حسن النوايا وتنفيذ التعهدات وتعزيز التعاون العربي – العربي لحل الأزمة السورية”.
وعن “منصة القاهرة”، أشار خيرت إلى أن “الهدف من إنشائها في الأساس أن تكون من المعارضة “الوسطية” التي تنظر في المقام الأول إلى المصلحة السورية وليس لها أجندة أو ايدلوجية خاصة، والتي من الممكن أن تقبل “الحلول الوسط” في تسوية سياسية ترعاها الأمم المتحدة. وكذلك انضمت المنصة إلى “الهيئة العليا للتفاوض” التابعة للمعارضة عام 2017، بهدف تشكيل وفد تفاوضي واحد يمثل كلّ المنصات السياسية المعارضة للنظام”.
وختم الديبلوماسي المصري كلامه قائلاً: “تحرص مصر دائماً على التنسيق مع كافة الجهات الوطنية والدولية والإقليمية لاحتواء الأزمة السورية، وقد رحبت بقرار مجلس جامعة الدول العربية على استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة، وتحرص أيضاُ على مشاركتها الفعالة في اللجنة الوزارية العربية للدفع نحو حل الأزمة السورية. كما تحرص مصر على دعم الدور الذي تضطلع به الدول العربية حالياً لإنهاء تلك الأزمة الممتدة منذ السنوات، وهو ما يقتضي العمل بشكل وثيق مع الأمم المتحدة ممثلة في المبعوث الخاص إلى سوريا والشركاء الدوليين لتضافر الجهود لرفع المعاناة عن الشعب السوري”.