خاص ـ الحسناء عدره/دمشق
في يوم المرأة العالمي الذي يصادف في الثامن من آذار/مارس من كل عام تحتشد النساء في العالم احتفالاً بإنجازاتهن بتحصيل حقوقهن الإنسانية والجندرية، غير أن هذا المشهد يغيب في سوريا، ليبقيّ هذا التاريخ مجرد رقم مدرج في روزنامة السنة تخرج فيه النساء في مظاهرات للاحتجاج على واقعهن المؤلم والتعبير عن سخطهن الشديد جراء القوانين التعسفية وهن يطالبن بأبسط حقوقهن المتمثلة في التعليم والعمل والحضانة والإرث ومنح الجنسية لأطفالها.
المرأة السورية في الستينيات
في سوريا، تعتبر فترة الستينيات من القرن الماضي، الحقبة الأخيرة التي تمّ فيها احتضان الجماعات النسائية في شكلها الكلاسيكي مع الإبقاء على دور المرأة ضمن الواجبات المنزلية والتربوية فقط، بعدما ظهرت حركة “القبيسيات”، كواحدة من الحركات التي كانت جزءاً نشطاً من حركة “الصحوة الإسلامية” التي تدعو النساء إلى حفظ القرآن. كما تأسس “الاتحاد العام النسائي“ عام 1967 بموجب المرسوم التشريعي 121.
لكن تمّ حلّ “الاتحاد العام النسائي” لاحقاً في نيسان/ أبريل عام 2017، بعد قرار مجلس الأمن 2254 بشأن سوريا والصادر 18 كانون الأول/ ديسمبر عام 2015 والذي يشجع على مشاركة المرأة على نحو هادف في العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها من أجل إنهاء أزمة السورية. كان هذا القرار الأممي بداية إطلاق المبادرات الفردية والجماعية من المجتمع المدني لتمكين المرأة السورية وضرورة وجودها في عمليات التغيير السياسية وإشراكها في كافة مفاصل الحياة.
وتحمل المجتمع المدني المحلي والدولي منذ اندلاع الحرب السورية، مسؤولية تسليط الضوء على قضايا واتفاقيات إنسانية عالمية كـ”السيداو” التي تهدف إلى القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. ونتيجة ذلك شغلت هذه القوانين، موضع قدمٍ لها في الثقافة السورية بقوة، كحاجة ماسة لوجودها، لاسيما مع استهداف النساء وتعرضهن للقتل والاعتقال والخطف من قبل مختلف أطراف النزاع الذي بدأ قبل نحو 13 عاماً.
تزايد ملحوظ في نشاط المجتمع المدني لتمكين المرأة
ومع حلول عام 2016، تزايد نشاط منظمات المجتمع المدني في سوريا، حيث حصل عددٌ منها على ترخيصٍ قانوني من السلطات، وباتت تولي هذه المنظمات التي ارتفعت فيها أعداد النساء مقارنة بالرجال،أهمية للمرأة ولبرامج “تمكينها” ومناصرة حقوقها، إلى جانب ممارستها العمل الخيري والدفاع عن الفئات المهمشة.
وتقول الناشطة النسوية أنوار العبد الله لـ “+963+”: “بدأ نشاطنا عام 2014 تحت اسم راديو سوريات كمبادرة إعلام تنموي لتكون منبراً للنساء في سوريا وإيصال أصواتهن إلى الخارج، بعدما تمّ ترخيص المؤسسة قانونياً تحت اسم موج عام 2020 على شكل مؤسسة محلية مدنية غير ربحية تحكمها مبادئ النسوية وعدم التمييز”.
ولم تتوقف حركة المجتمع المدني عند المبادرات الفردية بل أخذت بالتطور والعمل على قضايا السلام وإيقاف دائرة قتل النساء وإدانة الجرائم المرتكبة بحقها، فكانت “دارة سلام” واحدة من المبادرات التي بدأت عام 2017.
وتعلّق عبد الله في هذا الصدد بالقول: “وضعنا الرؤى المناسبة من حيث بناء قدرات النساء في بناء السلام ومناهضة العنف بكافة أشكاله ضد المرأة، ودمج التكنولوجيا في بناء السلام، إلى جانب الملازمةالنفسية الاجتماعية للنساء”.
جرائم القتل مستمرة
ورغم إلغاء المادة 548 من قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته والنصوص القانونية التي حلت محلها بمنح العذر المخفف بـ “جرائم الشرف”، لكن هذا الأمر لم يمنع من حدوثها واستمرار وتيرة القتل بحق النساء بداعي الشرف، لاسيما في المناطق التي تخضع لسيطرة فصائل المعارضة المسلّحة المدعّومة من تركيا، ففي أواخر شهر شباط/ فبراير الماضي، تمّ العثور على الناشطة في العمل النسوي هبة حاج عارف مشنوقة في منزلها بريف حلب الشمالي دون معرفة الأسباب.
كما تم توثيق أكثر من 7 جرائم قتل ارتكبت بذريعة “الشرف” في المنطقة ذاتها الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني السوري” المؤيد لأنقرة والمدعّوم منها، وذلك في عام 2020، علاوة على وقوع 5 جرائم قتل بحق نساء بالذريعة ذاتها في محافظة إدلب التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”/جبهة النصرة سابقاً، في العام 2020 أيضاً.
كذلك دمشق ليست بمنأى عن حوادث القتل التي ترتكب في إطار العنف المستمر ضد النساء. وفي بداية عام 2022 ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمقتل الشابة آية الرفاعي على يد زوجها بتواطؤ مع والديه. وفي نفس العام وقعت جريمة قتل ارتكبها أب مطلقاً النار على طفلتيه في مدينة السويداء.
انحياز القانون السوري للرجل
لا يزال قانون الأحوال الشخصية منحازاً للرجل، وفق القوانين السورية التي ترى ضرورة موافقة الأب لسحب المال من حساب ابنه القاصر، وكذلك الأمر ينطبق على بيع عقار مسجل باسمه، حتى لو كان مصدر هذه الأموال من الأم نفسها وهي من قامت بشراء العقار من حر مالها. وحسب وجهة نظر المشرع السوري، فالأب هو من يعبر عن رغبة ابنه أو ابنته، أما في حال توفي الأب، فيحل محله الجد ثم العم.
وتكمن المفارقة أنه في حالة إيداع أي مبلغ أو اقتناء عقار لصالح الابن أو الابنة القاصر من قبل الأم فهو لا يحتاج لموافقة الولي تحت ما يسمى “تصرفات نافعة للشخص”، لكن عند سحب المال واسترجاع العقار تصبح موافقة الولي ضرورية!
الحرب فاقمت وضع المرأة
في الوقت الذي حررت الحرب الكثير من النساء السوريات من القيود الاجتماعية وتمكنّ من السفر لوحدهن بحثاً عن فرص عمل أفضل، ألقت الحرب بظلالها القاسية على النساء وقلبت الأدوار الجندرية لتمارس المرأة الدور الذكوري وتتولى إعانة أسرتها، خاصة مع غياب الرجل الذي كان المعيل الأساسي لها.
تتحدث الكاتبة السورية المهتمة في قضايا المرأة سلوى زكزك لـ “963+” عن واقع النساء في سوريا وتقول: “تعاني المرأة من صعوبة في إدارة الأزمة، حيث تحولت في ليلة وضحاها إلى المعيل الوحيد لأسرتها، لتقوم بدور الرعاية لأطفالها وزوجها إلى جانب العمل خارج المنزل وتأمين لقمة العيش”.
وتشير زكزك إلى “غياب صيغة قانونية واضحة للزوج الغائب، فهناك الكثير من السيدات لا يعرفن أنفسهن إن كن أرامل أو مطلقات ، ما يجعل وضعهن القانوني غير واضح، إلى جانب الوضع الاقتصادي الصعب الذي دفع بالكثير منهن إلى التسوّل والعمل في مهن غير محمية، كالعمل في المنازل وامتهان أعمال مرهقة جسدية كانت حكراً على الرجال كعاملات التوصيل وسائقات الأجرة ،ما يعرضهن للتحرش والاستغلال الجنسي”.
وتضيف أن “الغلاء الفاحش حرم النساء من توفير احتياجاتهن من الأمن الغذائي، فتقلصت حصص اللحوم والفاكهة، ولم يعد يستطعن تكبد نفقات الأدوية“.
الحضور مناصفة بين المرأة والرجل في مناطق الإدارة الذاتية
من جهتها، تتحدث مزكين حسن الناشطة النسوية المقيمة في مدينة القامشلي الواقعة شمال شرقي سوريا لـ”963+” عن تمثيل المرأة بنسبة 50% في جميع مؤسسات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وفي مختلف القطاعات العسكرية والخدمية كالصحة والتعليم، وذلك بموجب العقد الاجتماعي لدى الإدارة التي فرضت في مناطقها نظام رئاسة مشتركة في مؤسساتها، بحيث تلغى كلمة رئيس وتضم كل مؤسسة رجل وامرأة لقيادة الرئاسة“.
وتشير حسن إلى الحضور الطاغي للمقاتلات الكرديات في “وحدات حماية المرأة” في المعارك ضد تنظيم “داعش” المتطرّف، ما ساهم برفع المساواة مع الرجل.
وعن جرائم الشرف التي ترتكب بحق النساء، تؤكد حسن أنها “ما زالت مستمرة لأسباب اجتماعية تتعلق بالبيئات المحافظة في المنطقة، لكن الإدارة الذاتية أقرّت المادة 17 من قانون المرأة في مناطقها ويتمّ بموجبها تجريم القتل بذريعة الشرف واعتباره جريمة مكتملة الأركان”.
ورغم انحياز “العقد الاجتماعي” لدى “الإدارة الذاتية” التي تشمل مناطقها كامل محافظتي الحسكة والرقة مع أجزاءٍ من محافظتي حلب وديرالزور، للمرأة، لكن العنف ضدها يمارس في مناطقها.
وأواخر شهر فبراير الماضي، عمّت موجة من الغضب بين السوريين على مواقع التواصل، بعد تداول فيديو وصف بالمروع، تمّ التقاطه في ريف محافظة الرقة السورية.
وقد أظهر المقطع المصور الذي انتشر بشكل واسع، تعذيب وضرب فتاةٍ في مطلع العشرينات تدعى لينا، على يد عددٍ من الرجال، فيما ذكرت وسائل إعلامٍ محلّية أن الاعتداء تمّ بدافع “الشرف“.
وبين الفيديو 7 رجال ينهالون بالضرب على الفتاة التي طرحت أرضاً وسحلت في بلدة تل السمن الواقعة بريف محافظة الرقة الشمالي.