بلال المسدي
يُعد الكابتن نزار محروس واحدًا من أبرز الأسماء في تاريخ كرة القدم السورية، سواء كلاعب متميز أو كمدرب ناجح ترك بصمة واضحة على كل فريق عمل معه. يتمتع محروس بخبرة واسعة قادته لتحقيق إنجازات كبيرة محلياً وعربياً. في هذا الحوار مع صحيفة “963+”، يتحدث محروس عن رؤيته لتطوير كرة القدم السورية، التحديات التي تواجهها، ومستقبل اللعبة في سوريا.
باعتبارك أحد أبرز المدربين واللاعبين في تاريخ الكرة السورية، كيف ترى سبل تطوير كرة القدم السورية؟
تطوير الكرة السورية يبدأ من تطوير الدوري المحلي، ولكي نصل إلى دوري قوي نحتاج لتأمين مستلزمات النجاح والبنية التحتية الأساسية. يجب أن نمتلك ملاعب جيدة، وليست تلك المهترئة التي نراها حالياً. نحتاج إلى تقنيات حديثة تُستخدم عالمياً مثل تقنية الفار (VAR) لضمان العدالة في المباريات، وبث تلفزيوني عالي الجودة مع إخراج احترافي باستخدام عدة كاميرات داخل الملعب. للأسف، هذه الأمور غير متوفرة في سوريا حتى الآن. الحل الأسرع لتجاوز هذه المشكلات هو خصخصة الأندية السورية ودخول القطاع الخاص بقوة. عندما يصبح للأندية مصادر تمويل مستقلة وقوية، ستتمكن من تحسين بنيتها التحتية وتطوير فرقها. هناك حل آخر يحتاج وقتاً أطول وصبراً أكثر، وهو إيقاف دوري الرجال مؤقتاً، والتركيز على دوري الفئات العمرية ودوري تحت 23 عاماً. يمكننا استثمار الأموال المخصصة لعقود الفريق الأول في إنشاء وتطوير الملاعب وتجهيزها وفقاً للمعايير العالمية. وخلال هذه الفترة، سنتمكن من تأسيس جيل قوي يرفد المنتخب الوطني بلاعبين على مستوى عالٍ. أما الحل الثالث، فهو إلحاق الأندية بالوزارات كما كان الحال سابقاً. في العراق مثلاً، تتبع أغلب الأندية للوزارات، ويُصرف على اللاعبين كموظفين مفرغين مع رواتب مدعومة من الدولة. إلى جانب ذلك، يمكن إشراك الرعاة والداعمين لضمان تمويل إضافي. في النهاية، لن تتطور الكرة السورية إلا إذا امتلكنا دورياً قوياً، وملاعب جيدة، وتقنيات حديثة، ومدربين على مستوى عالٍ يتقاضون رواتب تليق بكفاءتهم. كذلك، لا بد من إنشاء أكاديميات لتعليم كرة القدم تُرفد الأندية بلاعبين موهوبين، لأن بناء قاعدة قوية هو الأساس لأي تطور مستدام.
ما الأساسيات التي تعتمدها في تدريب الفرق المختلفة؟
لكل فريق ظروفه الخاصة وبيئته وعقلية لاعبيه. عند تدريبي نادي أربيل العراقي في 2012-2013، تعاملت مع فريق مليء بالنجوم، يضم أغلب لاعبي المنتخبين الأولمبي والوطني للعراق. كانت المنافسة على الألقاب هي الهدف الأساسي، ونجحنا في الوصول إلى نهائي كأس الاتحاد الآسيوي، كما حققنا الدوري العراقي للمحترفين. مع نادي طرابلس اللبناني، كانت الأهداف مختلفة. تأهل الفريق عبر الملحق، وكان هدفنا الرئيسي هو الدخول إلى دور المجموعات في الاتحاد الآسيوي، وهو ما تحقق بفضل العمل الجماعي والتخطيط الجيد. أما مع شباب الأردن، فقد كان فريقاً غير مرشح على الساحة المحلية، لكنه امتلك عناصر خبرة وروحاً قتالية عالية. استطعنا معاً تحقيق 6 بطولات محلية وخارجية، وهو إنجاز يُحسب لهذا الفريق. لكل نادٍ بيئته وظروفه، ويجب على المدرب فهم عقليات اللاعبين والموارد المتاحة لتحقيق النجاح. لا يمكنك تطبيق نفس الاستراتيجية في كل مكان، بل تحتاج إلى المرونة والتكيف مع كل تجربة.
كيف تصف تجربتك في تحليل المباريات؟
التحليل التلفزيوني تجربة غنية ومختلفة تماماً عن التدريب. بدأت رحلتي مع قناة أوربت في إيطاليا لتحليل دوري أبطال أوروبا، ثم انتقلت للجزيرة الرياضية، حيث حللت العديد من المباريات الهامة، أبرزها نهائي كأس آسيا 2007 الذي فاز به منتخب العراق على السعودية. عملت أيضاً مع قنوات الكأس وأبوظبي الرياضية وقنوات سعودية بشكل متقطع. التحليل يتطلب جهداً كبيراً وتحضيراً مكثفاً. قبل كل مباراة، تقضي ساعات طويلة في دراسة الفرق المشاركة، ومشاهدة مبارياتهم السابقة، وتحليل نقاط القوة والضعف، والتعرف على فلسفة كل مدرب. على الرغم من اختلاف طبيعة التحليل عن التدريب، فإن كليهما يحتاج إلى دقة ومتابعة مستمرة. التدريب أصبح مهنة معقدة تتطلب العمل مع فريق كامل من المحللين والمعدين البدنيين والمتخصصين في الإحصاءات.
ما رأيك بمستقبل الكرة السورية؟
مستقبل الكرة السورية مرتبط بتطوير الدوري المحلي. حالياً، نعتمد بشكل كبير على محترفين من الخارج لمنتخب الرجال، لكن يجب أن يكون الخزان البشري مستقبلاً من الدوري المحلي. هذا لن يتحقق إلا من خلال تحسين البنية التحتية وتطوير الأكاديميات. للأسف، في ظل غياب خطة عمل واضحة، ستظل النتائج الفردية هي السائدة. نحتاج إلى رؤية استراتيجية لبناء أجيال جديدة من اللاعبين، والتركيز على تطوير الفئات العمرية لضمان استدامة النجاح.
كيف تعاملت مع مشكلات الملاعب في سوريا؟
عانينا كثيراً من سوء أرضيات الملاعب خلال تدريبي لنادي الوحدة. التدريبات كانت تُقام على ملاعب صناعية صلبة أو ملاعب عشبية مليئة بالحفر، مما يؤثر سلباً على أداء اللاعبين ويزيد من احتمالية الإصابات. رغم هذه التحديات، تمكنا من تحقيق بطولة الدرع مع نادي الوحدة. لكن تطوير الملاعب يظل ضرورة ملحة لرفع مستوى الكرة السورية، لأن جودة الملعب تعكس مستوى أداء اللاعبين.
هل ستستمر مع نادي الوحدة؟
نعم، مستمر حتى الآن. لكن مع توقف النشاط الرياضي، ننتظر قرار عودة الدوري. أحب هذا النادي وأرغب في خدمته بكل ما أستطيع. بعد سنوات طويلة من التدريب خارج سوريا، حان الوقت لرد الجميل للرياضة السورية.
كيف ترى فرص المنتخب السوري الأولمبي؟
المنتخب الأولمبي بقيادة الكابتن عماد خانكان يمتلك كادراً فنياً مميزاً. رغم التحديات التي تواجهنا جميعاً في الكرة السورية، هناك دعم كبير للكادر الفني، وأتوقع أن يحقق المنتخب نتائج إيجابية، خاصة في بطولة غرب آسيا والتصفيات الآسيوية المقبلة. مهمٌ التركيز على الاستفادة من لاعبي منتخب الشباب الذين أثبتوا كفاءتهم في البطولات الأخيرة، ودمجهم في صفوف المنتخب الأولمبي لضمان استمرار التطور. نتمنى التوفيق للمنتخب وأن يحقق نتائج جيدة في بطولة غرب آسيا بعمان، والأهم من ذلك هو التركيز على تصفيات كأس آسيا التي ستجري في أيلول/ سبتمبر القادم.