ربى الحايك
تتميز سوريا بعاداتها الاجتماعية الجميلة والإنسانية في مختلف المناسبات، ومن هذه العادات التي مازال السوريون يواظبون عليها “السكبة الرمضانية”. فهذا التقليد الذي اشتهرت به سوريا قديماً ما زال صامداً برغم كل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بسكان سوريا من شمالها إلى جنوبها، ويكاد الكثيرون يحافظون عليه حتى اليوم بظل ضعف مدخراتهم، ومدخولهم المادي البسيط سعيا منهم إلى الشعور بالسعادة، ومباركة خطواتهم بحركة لطيفة تدل على العطاء والمشاركة بين الأسر المتجاورة.
حكاية السكبة
تشتهر ما يتعارف عليها “السكبة” في شهر رمضان الكريم، وتعتبر إحدى صور التكافل الاجتماعي، والتلاحم الإنساني بين الجوار، وهي عادة متوارثة بين الأجيال، ويشارك بها الجميع بغض النظر عن حالتهم المادية.
وعرف السوريون هذا التقليد وتميزوا به قبل عشرات السنين وتوارثوه جيلاً تلو الآخر، وتعني “السكبة الرمضانية” أن يتبادل الجوار والأهل ما يعملون على طهيه لمائدة الإفطار، بحيث يتم تبادل أطباق الطعام المختلفة، فتجد خلال وقت الإفطار الكثيرون يحملون أطباقا ويتجهون إلى منازل الجوار لمشاركتهم طعامهم، متمسكين بقيم الأخلاق والجوار الحسن.
ولاتزال حتى اليوم هذه العادة المتوارثة تحافظ على رونقها الخاص، برغم تبدل حياة المجتمع، وتغير حالته والتغييرات الديموغرافية التي طرأت على السكان بسبب الحروب والمصاعب لتبدو حالة مجتمعية مرغوبة دون النظر إلى نوع وطبيعة الطبق الذي يتم تبادله وتقديمه بين العائلات، فتمتلئ الموائد بمختلف الأصناف.
ولا تقتصر هذه العادة على منطقة بعينها، وإنما تنتشر في كل المحافظات السورية. وخلال الحرب السورية وحركة النزوح التي رافقت السنوات الفائتة دفعت الكثيرين إلى التعرف أكثر لعادات وأصناف الطعام في مناطق أخرى بعدما أصبح الجوار من مختلف المحافظات السورية يشاركون بعضهم البعض أطباقهم المختلفة، ويعيشون هذا الطقس الرمضاني الشهير، والذي يعني لهم الكثير، لما يشكله من تعبير عن المحبة والتآخي بين الجيران.
اتفاق على الأطباق
بعدما باتت “السكبة الرمضانية” تشكل شعوراً بالواجب، وتلقى القبول بين أفراد المجتمع قد تتفق بعض السيدات على نوع الأصناف التي يتم طهيها خاصة في أول أيام شهر رمضان المبارك، والتي تتميز بأن مكونها الأساسي هو “اللبن” بما يتعارف عليه الطبق الأبيض استبشاراً بالخير في أيام شهر رمضان المبارك.
وأبرز هذه الأصناف “الشيشبرك، باشا وعساكره، شاكرية، شيخ المحشي، الكبة اللبنية” وغيرها من الأصناف التقليدية، فتعمل النسوة على الاتفاق بينهن من أجل أن تتنوع الأصناف على المائدة الواحدة.
وتبقى “السكبة” في رمضان عادة تدل على الرقي، والمحبة وأصالة المجتمع، وبرغم انحسارها قليلاً لكنها لم تندثر، وما زال الكثيرون يحافظون عليها باعتبارها أهم تقاليد الشهر الكريم، وواجبات العائلات اتجاه بعضهم البعض، ومساعدتهم بطريقة خلاقة، وتقوية أواصر العلاقات الإنسانية.