شهدت مناطق الجنوب السوري توتراً متزايداً مع استمرار التحركات العسكرية الإسرائيلية في ريفي درعا والقنيطرة، حيث نفّذت قوات الاحتلال الإسرائيلي، يوم 28 شباط/ فبراير 2025، توغلاً جديداً ترافق مع دوي انفجارات عنيفة في ريف دمشق الغربي. يأتي هذا التصعيد وسط محاولات إسرائيلية لاستمالة السكان المحليين عبر تقديم مساعدات غذائية وعروض عمل مغرية، مستغلةً الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد.
تصعيد ميداني في القنيطرة ودمشق
في تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل، شهدت مناطق في ريف القنيطرة وريف دمشق الغربي تحركات عسكرية إسرائيلية واسعة، حيث توغلت قوات الاحتلال في عدة مواقع، تزامناً مع قصف عنيف في محيط العاصمة دمشق.
وبحسب مصادر ميدانية، سبقت هذه العمليات دخول سيارات محملة بمواد إغاثية إلى قرى في ريف القنيطرة، في خطوة وصفها الأهالي بأنها محاولة لكسب ود السكان قبل تنفيذ العمليات العسكرية. وذكرت المصادر لموقع “963+” أن قوات الاحتلال، مدعومة بالدبابات والآليات الثقيلة، دخلت إلى تل مسحرة العسكري في ريف القنيطرة الشرقي، حيث أقدمت على تجريف مراصد وثكنات عسكرية سابقة وسط إطلاق نار كثيف. كما توغلت في بلدة أم باطنة وسيطرت على سرية رسم الخوالد العسكرية، محذرة الأهالي من مغادرة منازلهم.
اقرأ أيضاً: وسط تحليق للطيران واشتباكات.. الجيش الإسرائيلي يتوغل مجدداً جنوب غربي سوريا – 963+
وخلال انسحابها، قامت القوات الإسرائيلية بتفجير ثلاث دشم عسكرية وتجريف ثكنات أخرى، مع إطلاق نار عشوائي لترويع السكان. كما قطعت الطريق الواصل بين بلدتي مسحرة ونبع الصخر، مما زاد من حدة التوتر في المنطقة.
وفي خطوة تصعيدية أخرى، تمركزت قوة إسرائيلية بين قريتي جملة وصيصون في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي، حيث أقامت حاجزاً عسكرياً على مفرق وادي الرقاد شمالي قرية جملة.
وأكدت مصادر ميدانية لـ”963+” أن القوات دخلت عبر طريق يربط بين هضبة الجولان المحتل وقرية جملة، وسط تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع في أجواء المنطقة. ويرى مراقبون أن إقامة هذا الحاجز تعد خطوة خطيرة قد تمهد لمزيد من التوسع الإسرائيلي في الجنوب السوري.
إغراءات اقتصادية لاستمالة السكان
في إطار مساعيها لتعزيز نفوذها، لجأت إسرائيل إلى تقديم مساعدات غذائية وعروض عمل مغرية للسكان المحليين. وفي حديث خاص لموقع “963+”، قال الدكتور علي زيتون، أحد أعضاء المجلس المحلي في القنيطرة، إن إسرائيل تحاول فرض واقع جديد عبر الجمع بين القوة العسكرية والإغراءات الاقتصادية.
وأضاف زيتون: “تقديم المساعدات الغذائية وعروض العمل ليست بدافع إنساني، بل تهدف إلى استمالة الأهالي وإضعاف موقفهم الوطني”.
وأكد أحمد كيوان، أحد أعيان بلدة خان أرنبة، لـ”963+”، أن إسرائيل تستغل الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا، لكنها لن تستطيع فرض إرادتها على أبناء المنطقة، محذراً من محاولات الاحتلال شراء الولاءات عبر المال والمساعدات.
من جانبه، كشف حمزة الجولاني، وهو اسم مستعار، لأحد أبناء القنيطرة الذين يعملون داخل الأراضي الإسرائيلية، أن إسرائيل تكثف جهودها لاستقطاب الشباب السوريين للعمل داخل أراضيها مستغلة الظروف الاقتصادية الصعبة.
وقال الجولاني لـ”963+”: “إسرائيل تستغل الوضع المعيشي الصعب، وتحاول تجنيد الشباب للعمل في الزراعة والبناء برواتب عالية مقارنة بالداخل. يستخدمون وسطاء محليين لإقناع الشباب، ويعدونهم بتصاريح إقامة في الجولان المحتل، لكن في الحقيقة، هذه ليست مجرد فرص عمل، بل محاولة لربط الأهالي بالاحتلال”.
وأشار الجولاني إلى أن الأجور التي تدفعها إسرائيل مرتفعة جداً مقارنة بالدخل المحلي، حيث تصل بعض الوظائف إلى “100 دولار يومياً”، إلا أنه شدد على أن “لولا الظروف المعيشية القاسية، لما فكر أحد في العمل لدى إسرائيل، حتى لو كانت الرواتب مرتفعة”.
اقرأ أيضاً: تصعيد إسرائيلي في سوريا بعد مؤتمر الحوار الوطني.. تحركات مؤقتة أم خلق واقع جديد؟ – 963+
رفض شعبي ومظاهرات غاضبة
رغم العروض المغرية التي تقدمها إسرائيل، فإن هذه التحركات قوبلت برفض شعبي واسع. ففي بلدة الرفيد وعدة مناطق أخرى في ريف القنيطرة، خرجت مظاهرات احتجاجاً على أي تعاون مع إسرائيل. وأكد المحتجون أن قبول المساعدات الإسرائيلية أو العمل داخل الأراضي المحتلة يعني الاعتراف بشرعية الاحتلال، وهو ما يرفضه أبناء المنطقة بشكل قاطع.
كما شهدت عدة محافظات جنوبية سورية مظاهرات منددة بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تحدث مؤخراً عن ضرورة جعل الجنوب السوري “منطقة منزوعة السلاح”.
ويرى محللون أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة تعكس نية الاحتلال تعزيز نفوذه في الجنوب السوري، سواء عبر التوغل العسكري المباشر أو التأثير الاقتصادي والاجتماعي.
وأكدت مصادر ميدانية أن إسرائيل تسعى إلى تقليل التهديدات الأمنية القادمة من المنطقة الحدودية، وتأمين حدودها الشمالية، دون الدخول في مواجهة عسكرية شاملة.
ومع استمرار التوغل الإسرائيلي، وإقامة نقاط عسكرية جديدة في حوض اليرموك، والانفجارات العنيفة في ريف دمشق، يبقى السؤال المطروح: هل تسعى إسرائيل إلى فرض أمر واقع جديد في الجنوب السوري، أم أن الرفض الشعبي والمقاومة المحلية سيحبطان هذه المخططات؟