ربى الحايك
لا يعتبر مقهى النوفرة في العاصمة السورية دمشق مكاناً لتناول المشروبات والاستراحة خلال التجول في المدينة القديمة وحسب، بل هو معلم ثقافي وسياحي وتراثي يقبع بجانب الجامع الأموي، وكانت تجاوره قديماً نافورة تتدفق بقوة حمل بسببها اسمه. وأصبح مزاراً للسياح ومحبي التاريخ، والمتمسكين بتفاصيل الماضي، أو الراغبين بالتعرف إلى ما كانت إليه المدينة في السابق.
فمقهى النوفرة اليوم هو أقدم مقهى في دمشق، والوحيد الذي ما زال يحتفظ بمهنة “الحكواتي” التي اشتهرت بها مقاهي دمشق قديماً، والتي كانت ملاذاً للكثيرين في القديم باحثين عن المتعة والفائدة والتسلية، ضمن حالة اجتماعية إنسانية سبقت وأن شكّلت حالة من التميز والتفرد ليأتي “النوفرة” بعد سنوات طوال يعلن الحفاظ عليها وعلى التراث والتقاليد.

مميزات المقهى
يتميز مقهى النوفرة بعمارته العريقة، وساحته المرصوفة بالأحجار السوداء، وإضافة إلى قربه من الجامع الأموي يقول صاحب المقهى محمد الرباط في حديثه مع موقع “963+”، إن المقهى الذي تم بناؤه قبل أكثر من مئتي عام لما يزل يحافظ على شكله العام، وطبيعة استقباله لزواره، والكراسي المصنوعة من القش والطاولات الخشبية الدائرية الصغيرة.
كما أن زواره لم ينقطعوا عنه على مر السنوات وبرغم كل الظروف التي مرت بدمشق حيث يشعرون بالراحة بين جدرانه وحكاياته.

حكاية النوفرة
وتابع صاحب المقهى الملقب “أبو شادي” في حديثه لـ “963+” أنهم سعوا إلى الحفاظ عليه وعلى بنائه الذي لم يتغير عبر السنين الطويلة. واستطاع أن يجذب أطياف المجتمع على اختلافهم، ليكون معلماً هاماً من دمشق، خاصة مع حرصهم على إبقاء مهنة “الحكواتي” كحالة شعبية تعلّق بها المواطنون، والمواظبون على زيارة المقهى، مستندين في هذا حرفية الحكواتي الذي يدفعهم بأسلوبه إلى التفاعل مع قصصه التي يسردها، ويسعى من خلال مقدماته إلى خلق حالة مشاركة واسعة من قبل المستمعين.
وأشار الرباط إلى أن عائلته تولت المقهى منذ ما يقارب 150عاماً، لكن وجوده يسبق هذه الأعوام بكثير.
وأكد أن المقهى لا يعتبر حالة تجارية بالنسبة لعائلته إنما حالة فكرية متجذرة في تاريخ دمشق، لذلك سعى مع من سبقه في إدارة “النوفرة” على الحفاظ على الشكل العمراني للمقهى، كما لا يفكر أن يواكب العصر من ناحية ما يمكن تقديمه للزوار فعامل الجذب والتميز بالنسبة له هي العراقة والأصالة والجذور.

حكواتي النوفرة
وأضاف أن حكواتي النوفرة حالياً يدعى أحمد اللحام، يمتلك شغفاً كبيراً بهذه المهنة منذ شبابه، وكان من رواد المقهى قبل أن يصبح الحكواتي به، بعدما تعلق بها ويعتبرها هوايته المفضلة، يبدع بمقوماتها كالخطابة والسرد والتشويق، ويقدم سيرتين كل واحدة تستمر لأشهر عديدة هما “عنترة” وسيرة “الملك الظاهر”.
طقوس المقهى في رمضان
وحول طقوس المقهى في شهر رمضان المبارك بين محمد الرباط أن طقوس المقهى لا تتغير، وكذلك زواره الذين يواظبون على زيارته بعد الإفطار، عند الساعة الثامنة والنصف مساء حيث يستمر “الحكواتي” بسرد قصته في جميع أيام الأسبوع عدا يوم الجمعة. وخلال هذا الشهر سيكون رواد المقهى على موعد مع قصة “عنترة” التي تبقى مستمرة من ستة إلى ثمانية أشهر. مضيفاً أن الإقبال متميز ولا تغيير على عادات المقهى وتفاصيله وبرامجه خلال الشهر الفضيل، كما أن رواده يستمتعون بهذا الإرث الدمشقي العريق في جميع أوقات العام.