في خضم تصاعد التوترات الإقليمية والدولية حول سوريا، برزت مدينة جرمانا القريبة من دمشق كمسرح جديد لتشابك المصالح والنفوذ. التهديد الإسرائيلي المباشر للنظام السوري، بحجة حماية الطائفة الدرزية، فتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول الأهداف الحقيقية لهذا التصعيد، ومدى ارتباطه بالوضع الداخلي المعقد في سوريا.
وفي تحذير غير مسبوق، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، مساء أمس السبت، تهديداً مباشراً للإدارة السورية الجديدة، متوعدين بالرد في حال المساس بالطائفة الدرزية في مدينة جرمانا القريبة من دمشق.
وقال المسؤولان الإسرائيليان في بيان مشترك: “لن نسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإلحاق الأذى بالدروز. إذا أقدم النظام على إيذاء الدروز فسوف نؤذيه”. وأكدا أنهما قد أصدرا تعليمات للجيش الإسرائيلي “للاستعداد واتخاذ خطوات فورية لحماية الدروز في سوريا”.
أهمية جرمانا
جرمانا، التي تبعد نحو سبعة كيلومترات عن دمشق، تعد منطقة ذات أهمية استراتيجية وحساسية بالغة، حيث يعيش فيها مزيج من الطوائف الدينية، وأبرزها الطائفة الدرزية. وبينما يتمتع دروز السويداء بقدرة أكبر على تسليح أنفسهم والدفاع عن مناطقهم، فإن جرمانا تفتقر إلى نفس الإمكانيات العسكرية، مما يجعلها محوراً محتملاً للتدخل الإقليمي، بحسب ما ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية.
وصرّح خالد حمادة، مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات، بأن “جرمانا تُعد من الضواحي المهمة في محيط دمشق، ولعبت دوراً بارزاً في معارضة النظام السوري السابق ومرحلة إسقاطه، حيث كان أهالي جرمانا، وغالبيتهم من الطائفة الدرزية، أول من دخل دمشق قبل وصول الفصائل السورية للإطاحة بالأسد”.
وأضاف حمادة في تصريحات لموقع “963+” أن “الموقف السياسي لأهالي جرمانا ظل دائماً متسقاً مع الدولة السورية من حيث التمسك بوحدة البلاد ورفض أي مشاريع تقسيم”.
وأشار حمادة إلى أن “الاشتباكات التي وقعت أمس في جرمانا قد تكون مدبّرة من جهات مجهولة”، مؤكداً أن “الفصائل القادمة من السويداء لم تكن بعيدة التوجه عن أهالي جرمانا، وساهمت في تهدئة الأوضاع، مع التأكيد على محاسبة المتورطين وتسليمهم للإدارة الجديدة”.
اقرأ أيضاً: نتنياهو يأمر الجيش الإسرائيلي بمراقبة الوضع في جرمانا – 963+
الاشتباكات الأخيرة
وتأتي التصريحات الإسرائيلية على خلفية اشتباكات عنيفة اندلعت في المدينة بين قوات الأمن السورية وبعض المجموعات المسلحة. ووفق تقارير إعلامية عربية، شنت قوات الأمن السورية حملة أمنية في محيط جرمانا بعد مقتل أحد عناصرها برصاص مسلحين. وتزامنت هذه الاشتباكات مع إطلاق نار من قبل مجهولين على سيارة تقل مواطنين دروز، مما أسفر عن وقوع إصابات، الأمر الذي زاد من تعقيد الوضع.
ونفت مصادر محلية لموقع “963+” ما تداولته بعض الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن خروج أرتال عسكرية من السويداء للمشاركة في الاشتباكات في جرمانا، مؤكدة أن تحركات السويداء اقتصرت على جهود الوساطة والتهدئة.
وأكد مراسل الموقع في دمشق وصول ليث البلعوس، قائد فصيل “قوات شيخ الكرامة”، إلى جرمانا للمساهمة في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار. وفي غضون ذلك، أعلنت الهيئة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز في جرمانا رفع الغطاء عن جميع المسيئين والخارجين عن القانون، مشددة على ضرورة تسليم المتورطين للجهات المختصة لنيل جزائهم العادل.
وفي سياق متصل، أفادت تقارير بأن إسرائيل أرسلت مساعدات إنسانية إلى القرى الدرزية في منطقة القنيطرة، بما في ذلك قرية حضر القريبة من الجولان المحتل. وتم إرسال هذه المساعدات عبر المجلس الديني الدرزي في إسرائيل، مستهدفة القرى المحاذية للسياج الحدودي، وهو ما أثار جدلاً واسعاً واعتُبر محاولة إسرائيلية للتأثير على دروز سوريا.
اقرأ أيضاً: قتيلان من إدارة العمليات العسكرية باشتباكات مسلحة في جرمانا – 963+
ضغط إسرائيلي
تزامناً مع التصعيد، تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة وروسيا للتأثير على الوضع في سوريا. ووفق تقارير وكالة رويترز، تسعى إسرائيل لضمان بقاء النظام السوري ضعيفاً ومنع تركيا من تعزيز وجودها في البلاد، معتبرة أن الوجود الروسي يحد من النفوذ التركي الذي قد يشكل تهديداً لأمن إسرائيل.
من جانبه، صرّح الصحفي والسياسي السوري عقيل حسين بأن “إسرائيل ترفض أي علاقة مع النظام السوري الجديد، معتبرة أن السلطة الجديدة في دمشق متشددة”. وأشار حسين إلى أن هذا الموقف الإسرائيلي قد يتغير في حال تدخلت قوى دولية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
وأضاف في تصريحات لـ”963+” أن “إسرائيل تسعى لخلق أذرع لها داخل سوريا بهدف إضعاف البلاد ومنعها من استعادة قدراتها العسكرية”.
وأشار حسين إلى أن “عملية طوفان الأقصى وضعت إسرائيل في حالة من القلق العميق، حيث باتت تشعر بعدم الأمان في محيطها، خصوصاً بعد عملياتها العسكرية في غزة وجنوب لبنان”. ولفت إلى أن “إسرائيل تهدف إلى إبقاء سوريا في حالة ضعف دائم”.