في ثالث زيارة خارجية له بعد السعودية وتركيا، يصل اليوم الأربعاء، رئيس الإدارة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، إلى العاصمة الأردنية عمان، حيث يلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. وتأتي هذه الزيارة وسط تساؤلات حول أبرز الملفات المطروحة على طاولة المباحثات، خاصة أنها أول زيارة رسمية للشرع إلى الأردن، وتسبق مشاركته في القمة العربية الطارئة التي تستضيفها القاهرة في الرابع من مارس المقبل.
زيارات تمهيدية ومساعدات إنسانية
تأتي زيارة الشرع بعد لقاءات سابقة مهدت لهذه الخطوة، أبرزها زيارة وزير الخارجية السوري في حكومة تصريف الأعمال، أسعد الشيباني، إلى عمان في كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث التقى نظيره الأردني أيمن الصفدي، واتفق الطرفان على تشكيل لجان مشتركة في مجالات الطاقة، الصحة، التجارة، والمياه.
وكان الصفدي قد زار دمشق في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بعد أسبوعين من سقوط النظام السوري السابق، وأكد حينها استعداد بلاده لدعم سوريا في مرحلة إعادة الإعمار، معرباً عن أمله في تشكيل حكومة تمثل جميع الأطياف السورية. كما شهدت العلاقات الثنائية تطوراً ملحوظاً، حيث عقدت هيئة المنافذ البرية والبحرية في سوريا اجتماعات مع وزارتي النقل والتجارة الأردنيتين لمناقشة حركة الاستيراد والتصدير، مما أسفر عن قرار عمان إعفاء الشاحنات السورية من الضرائب السابقة.
وفي إطار المساعدات الإنسانية، أرسلت الحكومة الأردنية 300 طن من المساعدات إلى سوريا، شملت مواد غذائية ومستلزمات طبية وأغطية ومواد تدفئة، في خطوة تعكس اهتمام عمان بدعم الاستقرار السوري.
اقرأ أيضاً: هجوم إسرائيلي غير مسبوق على دمشق.. ما الذي تريده تل أبيب؟
ملفات سياسية وأمنية على طاولة الحوار
يرى محللون أن زيارة الشرع تحمل في طياتها أبعاداً سياسية وأمنية واقتصادية متعددة. الكاتبة والباحثة السياسية تمارا حداد، أكدت في تصريحات خاصة لموقع “963+” أن الشرع يسعى لتوطيد العلاقات مع الأردن، مشيرةً إلى أن المحادثات ستتناول ملفات حيوية، أبرزها التعاون الاقتصادي، إعادة الإعمار، تسهيل حركة المعابر الحدودية، ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، التي شكلت تهديداً مباشراً لأمن الأردن خلال السنوات الماضية.
أما الملف الأكثر حساسية، وفق حداد، فهو ملف اللاجئين السوريين في الأردن، حيث من المتوقع بحث سبل دعم العودة الطوعية لهم، بما يخفف الأعباء الاقتصادية على المملكة، التي تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ، بينهم نحو 680 ألف لاجئ مسجلون لدى الأمم المتحدة.
من جهة أخرى، يعتقد الباحث الاستراتيجي عامر السبايلة أن القضايا الأمنية والسياسية ستكون الأبرز في أجندة اللقاء، مشيراً إلى أن التعاون الاقتصادي مع سوريا في المرحلة الحالية لا يزال محدوداً في ظل استمرار العقوبات الدولية وعدم توفر مصادر تمويل كافية.
وأضاف السبايلة في تصريحات لـ”963+” أن الوضع في الجنوب السوري، حيث النفوذ الإسرائيلي والتدخلات الإقليمية، سيكون محور نقاش رئيسي، لا سيما في ظل العلاقات الأردنية مع أطراف مؤثرة في الجنوب السوري.
وفي السياق ذاته، قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد، إن زيارة الشرع تأتي في سياق تطورات سياسية هامة، بدءاً من مؤتمر الحوار الوطني، ورفع جزئي للعقوبات عن سوريا، خاصة على البنك المركزي، وصولاً إلى دعوة الشرع للقمة العربية بالقاهرة.
وأوضح أبو زيد في تصريحات لـ”963+” أن الأردن يسعى إلى إعادة رسم علاقته مع سوريا بشكل يضمن مصلحة الطرفين، في ظل تصاعد التهديدات الإسرائيلية في المنطقة.
اقرأ أيضاً: الشرع في السعودية.. زيارة أم رسالة سياسية؟
التقارب السوري الأردني: حسابات إقليمية ودولية
من جانبه، أكد الصحفي والباحث عبد الناصر القادري، أن زيارة الشرع إلى عمان تعكس تحولاً استراتيجياً في علاقات البلدين، مشيراً إلى أن الأردن لطالما واجه تهديدات أمنية بسبب سياسات النظام السوري السابق، بما في ذلك تهريب السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر. وأضاف أن سقوط النظام السابق دفع الأردن إلى التحرك سريعاً لتعزيز العلاقات مع الإدارة الانتقالية السورية.
كما أشار القادري في تصريحات لـ”963+” إلى أن تحركات إسرائيل الأخيرة تجاه الجنوب السوري تشكل مصدر قلق مشترك لكل من عمان ودمشق، مؤكداً أن الأردن يسعى لتعزيز الاستقرار في سوريا كجزء من استراتيجيته لحماية أمنه القومي.
دور الأردن في إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية
تعتبر زيارة الشرع إلى عمان محطة هامة في مساعي سوريا لتعزيز حضورها العربي، حيث أوضحت الباحثة تمارا حداد أن هذه الزيارة، التي تأتي بعد زيارته الأولى إلى السعودية، تعكس توجهاً نحو استعادة علاقات “حسن الجوار” بعيداً عن النفوذ الإيراني.
وأشارت حداد إلى أن دعوة مصر للشرع لحضور القمة العربية الطارئة تعد مؤشراً على التحركات الديبلوماسية المكثفة لتعزيز التعاون العربي مع سوريا. فيما يرى السبايلة أن توقيت زيارة الشرع إلى الأردن قبيل القمة يعكس حاجته إلى دعم عربي قبل التوجه إلى القاهرة، في ظل تراجع الدعم الأميركي للإدارة الانتقالية واحتمالية وجود متغيرات في الموقف الدولي.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي فيصل ملكاوي، أن زيارة الشرع تمثل فرصة كبيرة لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية. وأكد ملكاوي أن الأردن حريص على دعم وحدة واستقرار سوريا، ويسعى إلى تعزيز علاقاته معها بما يضمن مصلحة الشعبين.
كما شدد ملكاوي في تصريحات لـ”963+” على أهمية الاستفادة من الجوار الجغرافي بين البلدين لتعزيز التبادل التجاري والاستثماري، مشيراً إلى أن الأردن يرحب بجميع المبادرات التي تسهم في دفع العلاقات الثنائية نحو مزيد من التعاون.
ويجمع المحللون على أن زيارة الشرع إلى الأردن، تحمل دلالات سياسية وأمنية واقتصادية عميقة، في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة. وبينما تسعى سوريا إلى تعزيز حضورها العربي، يحرص الأردن على حماية مصالحه الاستراتيجية، مما يجعل من هذا اللقاء محطة مفصلية في مسار العلاقات بين البلدين. ومع ترقب نتائج القمة العربية المقبلة، ستبقى الأنظار مسلطة على مدى نجاح دمشق وعمان في بناء شراكة استراتيجية تضمن الاستقرار في المنطقة.