عقدت اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في سوريا، يوم الأحد الماضي، مؤتمراً صحفياً في العاصمة دمشق، أعلنت خلاله أن الإدارة الجديدة ستفتتح أعمال المؤتمر، الذي يهدف إلى بحث مستقبل البلاد، في الخامس والعشرين من شهر شباط/ فبراير الجاري.
وأكد الناطق باسم اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، حسن الدغيم، خلال المؤتمر الصحفي أن الدعوات للمشاركين من داخل سوريا وخارجها سيتم توجيهها يوم الاثنين، الرابع والعشرين من فبراير، على أن يتم لاحقًا تحديد مقر الانعقاد.
وقال الدغيم: “سيتم العمل على توصيات الحوار الوطني لتصبح ركيزة يتم البناء عليها بغية الإعلان الدستوري والهوية الاقتصادية وخطة إصلاح المؤسسات”. وأوضح أن اللجنة عدّلت من برامجها بناءً على النقد، مشيرًا إلى أن الاجتماع سيضم مختلف الشرائح، وخاصة من المناطق الشرقية، وسيشمل تمثيلًا لذوي الضحايا والجرحى والمعتقلين.
وأضاف: “تشكيل الحكومة الانتقالية غير متلازم مع مسار الحوار الوطني، ولكن تشكيلها بعد انعقاد الحوار الوطني سيمكن من الاستفادة من أطروحات المؤتمر”.
اقرأ أيضاً: لجنة الحوار الوطني: المؤتمر سيعقد خلال أيام بمشاركة 400 إلى 800 شخصية – 963+
انتقادات لمؤتمر الحوار الوطني
في هذا السياق، اعتبرت بروين يوسف، الرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديموقراطي، أن عقد مؤتمر وطني سوري يمثل تحولاً كبيراً، خاصة بعد إسقاط النظام الديكتاتوري. وأكدت في تصريح لموقع “963+” أن أنظار السوريين تتجه الآن نحو تغيير النظام وإدارة البلاد بشكل ديموقراطي يعكس إرادة جميع مكونات الشعب السوري.
وأضافت: “أي تحول سياسي أو نقاش حول ملامح الدستور الجديد يجب أن يتم من خلال مؤتمر وطني شامل، يضم جميع المكونات السياسية والمجتمعية والدينية بتمثيلها الحقيقي. لكن، للأسف، ما نراه في تصرفات لجنة الحوار الوطني لا يبشر بأي تقدم نحو الحل، بل يبدو أنه يعيد إنتاج سياسات الإقصاء والتهميش”.
وتابعت يوسف: “إن هذا النهج يعيدنا إلى سياسة النظام البعثي، الذي حكم البلاد بعقلية أحادية. لا يمكن بناء سوريا ديمقراطية تحافظ على قيم العدالة والمساواة بهذا النهج الإقصائي”، مشددة على ضرورة تحقيق مصالحة وطنية شاملة تؤدي إلى كتابة دستور ديمقراطي يضمن المواطنة الحرة والتوزيع العادل للثروات.
من جانبه، أشار السياسي السوري فاتح جاموس إلى أن السلطة الجديدة ستكون قادرة على بناء مؤسسات، بدءاً بمؤتمر الحوار الوطني، رغم التحديات التي ستواجهه بسبب محتواه المختلف عن المنظومة السياسية والأمنية الحالية.
وقال جاموس لـ”963+”: “السؤال المطروح حالياً هو: أي مؤسسات سيتم بناؤها؟”. وأوضح أن العديد من المؤسسات الناشئة تعتمد على وسائل قهر عنيفة، وقد تركز على الانتقام السياسي والاجتماعي، مما قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الانقسامات المجتمعية.
وأضاف: “الصعوبات في المبادئ الدستورية وحتمية ارتباطها بمفاهيم الأصولية الإسلامية والتشريع والأكثرية التمثيلية ستجعل من الصعب التوصل إلى توافق حقيقي”. وأشار إلى أن الانتقال إلى نظام اقتصادي حر قد يؤدي إلى تراجع خدمات الدولة وزيادة الأزمات الاجتماعية، ما لم يتم تطبيق استراتيجيات شاملة للتخفيف من هذه التداعيات.
اقرأ أيضاً: العدالة الانتقالية والإصلاحات السياسية.. مطالب السوريين في جلسات الحوار الوطني – 963+
انتقادات حادة لآلية تنظيم المؤتمر
أما نجاح عبد العليم، الباحثة المختصة بالشأن السوري والتنمية في دول ما بعد النزاعات، فقد وصفت ما يجري بأنه “مهزلة حقيقية”، معربة عن استغرابها من إرسال الدعوات قبل يوم واحد من المؤتمر.
وقالت لـ”963+”: “من المعيب جداً أن يتم إرسال الدعوات بهذه الطريقة، خاصة للناشطين والفاعلين المقيمين في الخارج. كيف يمكن لشخص أن يسافر من أوروبا أو كندا إلى سوريا خلال أقل من 24 ساعة؟”.
وأضافت عبد العليم: “برنامج المؤتمر بحد ذاته مثير للسخرية. حتى ورشات العمل العادية تحتاج إلى مدة طويلة للتنسيق والتنفيذ. يبدو أن التسرع في تنظيم المؤتمر مقصود، لضمان حضور من تريدهم الإدارة الحالية فقط”.
ورغم الانتقادات، شددت اللجنة التحضيرية على أن الحوار الوطني “ليس مجرد مؤتمر أو فعالية مرحلية، بل نهج مستدام لحل القضايا الوطنية بشكل تدريجي ومسؤول”.
وأكدت اللجنة أن التنوع المجتمعي يعد مصدر قوة للسوريين، خلافًا لما حاول النظام السابق ترسيخه، مشيرة إلى أن المؤتمر سيتضمن ورشات عمل تخصصية لمعالجة القضايا الأساسية بمشاركة خبراء ومتخصصين.
تجربة جديدة لبناء مستقبل سوريا
بدوره، وصف الصحفي السوري براء عثمان التجربة السورية بأنها فريدة من نوعها، مشيراً إلى أن الشعب السوري تمكن من التخلص من الديكتاتورية رغم الصعوبات.
وقال عثمان لـ”963+”: “منذ أربعة وخمسين عاماً، عمل النظام السابق على إحداث شروخ في نسيج المجتمع السوري، ولكن مع نجاح الثورة، ظهرت تحديات جديدة تتعلق بإعادة بناء مؤسسات الدولة واستعادة الثقة بين أبناء الشعب”.
وأوضح أن القوى الوطنية رأت ضرورة بناء منظومة حكم جديدة عبر حوار وطني يستند إلى تحقيق العدالة الانتقالية، مما سيسهم في نزع فتيل الاحتقان وتعزيز السلم الأهلي.
وأشار عثمان إلى أن تحقيق العدالة الانتقالية سيمكّن اللجان والورش المعتمدة للحوار الوطني من إعداد إعلان دستوري يعكس إرادة الشعب السوري، ويشكل أساساً لبدء عملية بناء الحكومة الجديدة وفق رؤية تركز على الاقتصاد الحر لتحقيق نمو سريع.
وأضاف أن القيادة الحالية ركزت على ضبط الأمن الداخلي وتعزيز العلاقات الخارجية، باعتبارهما عنصرين أساسيين لجذب الاستثمارات ودفع عجلة التنمية.
ومع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، تبقى التساؤلات قائمة حول مدى قدرته على تحقيق توافق وطني حقيقي، في ظل الانتقادات الموجهة إلى آلية تنظيمه وتمثيل المشاركين فيه. وبينما تعول اللجنة التحضيرية على نجاح المؤتمر في التأسيس لمرحلة جديدة، يرى العديد من المراقبين أن المسار لا يزال مليئًا بالتحديات، ما يستدعي حواراً أوسع وأكثر شمولية لضمان مستقبل مستقر وديموقراطي لسوريا.