يسعى تنظيم “داعش” المصنف على لوائح “الإرهاب” في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والعديد من الدول العربية والآسيوية، إلى إعادة تنظيم صفوفه والانتشار مجدداً في سوريا، مستغلاً حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد. يأتي هذا بالتزامن مع تصاعد نشاطه في مناطق أخرى، خصوصاً في القارة الأفريقية، حيث يشن حرب استنزاف ضد جيوش النيجر ومالي، في حين تستهدف القوات الأميركية قادته وعناصره في بعض الدول كالصومال، وفق ما أعلنه الجيش الأميركي.
وفي الآونة الأخيرة، نفّذ التنظيم عدة عمليات “إرهابية” على الصعيد الدولي، كان أبرزها هجمات في ألمانيا، الولايات المتحدة، روسيا، والنمسا، حيث شهدت الأخيرة حادثة طعن في مدينة فيلاخ، راح ضحيتها شخص وأصيب خمسة آخرون، في هجوم تبناه التنظيم.
اقرأ أيضاً: الحسكة.. نموذج للتعايش السلمي بين الثقافات والأديان
تحذيرات دولية من تصاعد خطر “داعش”
في العراق وسوريا، تتزايد التحذيرات من عودة نشاط “داعش”، إذ يخشى مسؤولون في التحالف الدولي وقوات سوريا الديموقراطية (قسد) من استغلال التنظيم لحالة الفوضى لشن هجمات على مراكز الاحتجاز التي تضم عناصره الخطيرين. وفي هذا السياق، قال قائد “قسد”، مظلوم عبدي، في حديث مع صحيفة “ذا تايمز” البريطانية: “هناك فراغ أمني في البادية السورية، وقد تمكن داعش من تأمين مواقع والحصول على أسلحة هناك”.
كما حذر وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، في العاشر من فبراير الجاري، من قدرة التنظيم على “مواصلة أنشطته وتكييف أسلوب عمله، رغم الجهود الدولية لمكافحته”. وأشار فورونكوف إلى أن “الوضع المتقلب في سوريا يثير قلقاً كبيراً، خاصة في ظل خطر وقوع مخزونات الأسلحة المتقدمة في أيدي الإرهابيين”، لافتاً إلى أن منطقة البادية السورية تُستخدم حالياً كمركز للتخطيط العملياتي الخارجي لـ”داعش”.
وأضاف أن عدم الاستقرار هذا يؤثر بشكل مباشر على المعسكرات ومراكز الاحتجاز في شمال شرقي سوريا، حيث لا يزال 42,500 شخص محتجزين، بعضهم له صلات مزعومة بالتنظيم، بينهم 17,700 عراقي و16,200 سوري، بالإضافة إلى 8,600 من جنسيات أخرى.
فرصة جديدة بفضل انهيار النظام السوري
وفقاً لتقارير أمنية، فإن انهيار نظام الأسد المفاجئ منح “داعش” فرصة جديدة لإعادة التموضع، إذ استولى على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات التي خلفها جيش النظام السوري السابق والفصائل الموالية له. ويقول خبراء عسكريون إن التنظيم يركز حالياً على تجنيد مقاتلين جدد وتعزيز قواته في الصحراء السورية، في محاولة لإحياء مشروعه المتطرف.
وشهد عام 2023 تراجعاً في عدد العمليات التي نفذها التنظيم عالمياً، حيث انخفضت الهجمات من 1,811 هجوماً في 2022 إلى 838 هجوماً فقط. كما تراجعت عملياته في العراق من 401 إلى 141 هجوماً، وفي سوريا من 292 إلى 112 هجوماً، بينما توقفت نشاطاته تماماً في سيناء المصرية بعد تنفيذ 102 هجوم عام 2022.
ورغم هذا التراجع، تمكن التنظيم من تنفيذ عمليات نوعية دامية، أبرزها هجوم موسكو في آذار/ مارس الماضي، الذي أوقع 143 قتيلاً، وهجوم كيرمان في إيران الذي أسفر عن مقتل نحو 100 شخص، إضافة إلى هجومي نيو أورليانز في الولايات المتحدة وفيلاخ في النمسا.
اقرأ أيضاً: أسباب ودوافع.. لماذا قد تسحب واشنطن قواتها من سوريا؟
استراتيجيات التنظيم الجديدة
يقول مصطفى أمين عامر، الباحث المصري المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، لموقع “963+” إن “داعش” يتبع استراتيجيات متعددة لاستعادة نفوذه، مشيراً إلى أن التنظيم يستفيد من حالة عدم الاستقرار في سوريا لإعادة ترتيب انتشاره الجغرافي.
وأضاف عامر أن “التنظيم يتواجد بوضوح في مناطق جبل البشري جنوب الرقة، وبادية دير الزور، وكذلك بالقرب من تدمر وريف حماة الشرقي، مستهدفاً التلال الغنية بحقول النفط”. وحذّر من احتمال أن يسعى التنظيم إلى مهاجمة معسكرات احتجاز عناصره، البالغ عددها 26 سجناً شمال شرقي سوريا، والتي تضم نحو 12 ألف معتقل، إضافة إلى مخيمي الهول وروج بريف الحسكة، اللذين يضمان عوائل عناصر التنظيم.
وأشار الباحث إلى أن “داعش” قد يستهدف مواقع دينية أو قرى تضم أقليات دينية، كما يعتمد على استراتيجيات متعددة في عملياته الخارجية، مثل “استراتيجية الذئاب المنفردة”، التي تقوم على تنفيذ هجمات فردية بعد مبايعة التنظيم، كما حدث في النمسا وألمانيا والولايات المتحدة. كما يستخدم “استراتيجية خلايا التماسيح”، وهي خلايا نائمة يديرها التنظيم، كما حدث في هجوم موسكو العام الماضي.
اقرأ أيضاً: كيف ستتعامل وزارة الدفاع السورية مع فصائل درعا؟
مخاوف من اندماج في فصائل مسلحة جديدة
منتصف الشهر الجاري، أعلنت السلطات السورية القبض على قيادي في “داعش” يدعى “أبو الحارث العراقي”، قالت إنه كان مسؤولاً عن التخطيط لهجوم “إرهابي” استهدف مقام السيدة زينب جنوب دمشق.
وحذّر سرمد البياتي، الخبير الأمني المقيم في بغداد، في تصريحات لـ”963+” من أن عناصر “داعش” قد تحاول الاندماج في فصائل مسلحة جديدة، خصوصاً في ظل العداء القائم بين الفصائل المختلفة، إلا أنه يرى أن السلطات السورية والعراقية قد تتخذ تدابير احترازية لمنع حدوث اختراقات خطيرة.
ورغم نشاط التنظيم المتزايد، تواصل “قسد” والتحالف الدولي تنفيذ عمليات ملاحقة مستمرة لخلايا “داعش”، حيث أعلنت قوات التحالف عن استهداف قيادي مرتبط بتنظيم القاعدة في إدلب، فيما تواصل “قسد” تنفيذ حملات تفكيك خلايا التنظيم في دير الزور والحسكة والرقة.
ويرى مراقبون أن بقاء “داعش” يمثل تحدياً أمنياً خطيراً في سوريا والعالم، خصوصاً في ظل استغلاله للفراغ الأمني في مناطق النزاع، مما يتطلب تعاوناً دولياً مكثفاً للقضاء عليه ومنع عودته إلى الواجهة مجدداً.