بعد سنوات من التراجع والانكسار، تشير تقارير محلية ودولية إلى أن تنظيم “داعش” بدأ يستعيد قوته في بعض المناطق السورية، مستفيداً من حالة الفوضى الأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد. فبعد أن خسر التنظيم مناطق نفوذه الرئيسية نتيجة عمليات التحالف الدولي والقوات المحلية، لجأ إلى استراتيجيات جديدة للبقاء، مما يشكل تحديات إضافية أمام استقرار سوريا والمنطقة.
العودة بأساليب جديدة
لم يعد “داعش” يعتمد على السيطرة الجغرافية كما في السابق، بل تحول إلى نمط جديد من العمليات عبر فرض الإتاوات وتهديد المدنيين، وخاصة في المناطق الريفية والصحراوية مثل البادية السورية. ووفقاً لمصادر محلية، يقوم التنظيم بابتزاز التجار والمزارعين، حيث يطالبهم بدفع أموال تحت التهديد بالقتل.
يقول أحمد الأحمد، (اسم مستعار) لتاجر من دير الزور شرقي سوريا، لموقع “963+”: “قبل ظهور داعش، كانت الحياة طبيعية نسبياً، لكن بعد سيطرتهم تغير كل شيء. اضطررنا إلى إغلاق المحلات التجارية بسبب الضغوط المفروضة، وأصبحنا مجبرين على دفع مبالغ مالية تحت مسمى الزكاة. حتى اليوم، ورغم خسارتهم لمناطقهم، لا تزال خلاياهم تهددنا من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي، مثل الواتساب، ويفرضون علينا دفع الإتاوات بطرق مختلفة كل شهر. الرفض ليس خياراً، لأنه يعني تعريض حياتنا وحياة عائلاتنا للخطر”.
اقرأ أيضاً: الاستخبارات العامة تلقي القبض على قيادي لـ “داعش” في سوريا – 963+
التأثير على النساء والأطفال
لم تقتصر آثار التنظيم على الجوانب الاقتصادية والأمنية، بل طالت أيضاً الحياة الاجتماعية، وخصوصاً النساء والأطفال. علياء، المعروفة بأم فاطمة، وهي من مدينة السخنة شرقي حمص، تحكي عن التجربة القاسية التي عاشتها خلال فترة سيطرة “داعش”: “فقدنا حقوقنا الأساسية كنساء، لم نكن نستطيع الخروج دون إذن، وكانت هناك قيود صارمة على ملابسنا وسلوكنا. حتى بعد هزيمتهم، لا تزال آثارهم النفسية والاجتماعية قائمة”.
أما عن الأطفال، فتوضح علياء في حديث لـ”963+” أن تأثير التنظيم لا يزال متغلغلاً في نفوسهم: “أطفالي يخافون الذهاب إلى المدرسة لأنهم سمعوا الكثير عن جرائم داعش. نحن نحاول طمأنتهم، لكن الأمر ليس بهذه السهولة. نحتاج إلى دعم نفسي وتربوي كبير لمساعدتهم على تجاوز هذه المخاوف”.
ويرى الناشط الحقوقي سلمان النجرس، وهو من مدينة تدمر، أن آثار “داعش” لا تزال قائمة رغم خسارتهم للأرض: “لقد زرعوا الخوف والتمييز بين الناس، وحتى بعد دحرهم، لا يزال البعض يخشى التحدث عنهم أو الإبلاغ عن أنشطة مشبوهة لهم”.
ويشير في حديث لـ”963+” إلى أن البيئة الاقتصادية والاجتماعية في سوريا تلعب دوراً كبيراً في إعادة إحياء التنظيم: “الفقر والبطالة تجعل السكان عرضة للاستقطاب من قبل الجماعات المتطرفة. نعمل على توعية الشباب بأهمية حقوق الإنسان والمشاركة المدنية، لكن هذه الجهود تصطدم بواقع صعب للغاية. من دون دعم دولي للمشاريع التنموية والتعليمية، سيبقى خطر التطرف قائماً”.
اقرأ أيضاً: قائد “قسد” الانسحاب الأميركي يتيح لـ “داعش” استعادة نشاطه – 963+
التحديات الأمنية والعسكرية
من الجانب الأمني، يوضح عادل اللطيف، القيادي في قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، أن “داعش” لا يزال يشكل تهديداً جدياً، رغم الإنجازات التي تحققت في السنوات الماضية: “الوضع الأمني في المناطق المحررة لا يزال هشًا. لقد قمنا بتفكيك العديد من الخلايا النائمة، لكن هناك دائماً مخاطر من إعادة تشكل التنظيم بطرق جديدة.”
ويؤكد اللطيف في تصريحات لـ”963+” على ضرورة تعزيز التعاون مع المجتمع المحلي لمواجهة هذه التحديات: “نحن نعمل على تحسين قدراتنا العسكرية، لكننا بحاجة إلى دعم دولي سياسي وعسكري واقتصادي لضمان استقرار المنطقة ومنع عودة داعش من جديد”.
أما أبو الشهاب طيانة، القائد الأمني في جيش سوريا الجديد، فيرى في تصريحات لـ”963+” أن الخطر لا يزال قائماً، لكنه يؤمن بإمكانية تحقيق الاستقرار: “داعش لا يزال يشكل تحدياً لنا، ونحن بحاجة إلى دعم لوجستي أكبر وتدريبات متقدمة. الفوضى السياسية وعدم الاستقرار يزيدان من تعقيد المشكلة، لكن إذا توحدت الجهود، يمكننا القضاء على خطر التنظيم بشكل نهائي”.
وتكشف الشهادات المختلفة من المدنيين والناشطين والعسكريين أن عودة “داعش” ليست نتيجة فشل عسكري، بل هي انعكاس للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعقدة في سوريا. الفقر والبطالة وانعدام الاستقرار تخلق بيئة خصبة لظهور التطرف، مما يستدعي استجابة شاملة تشمل حلولاً تنموية وأمنية وسياسية.