في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها سوريا، يبرز مؤتمر العلا في السعودية، اقتصادات الأسواق الناشئة الذي انعقد في مدينة العلا السعودية كفرصة مهمة لإعادة رسم خارطة طريق اقتصادية للبلاد. بمشاركة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ناقش المؤتمر سبل دعم الاقتصاد السوري وإزالة العقوبات المفروضة عليه، بالإضافة إلى إعادة دمج سوريا في النظام المالي الدولي. وتحت هذا السقف الواسع، أكدت تصريحات الخبراء والمحللين الاقتصاديين على ضرورة تبني رؤية تنموية شاملة ومتوازنة تنطلق من واقع سوريا الحالي، مع التركيز على تعزيز الاستثمار وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
وشارك أسعد الشيباني، وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية، يوم الأحد الماضي في مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة الذي عُقد في مدينة العلا السعودية. وجاء المؤتمر في وقت حساس بالنسبة لسوريا، حيث تم التباحث حول سبل رفع العقوبات المفروضة على سوريا، بهدف تمكينها من تحقيق الازدهار والتعافي الاقتصادي.
مناقشات هامة حول الدعم الدولي والإعمار
أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” أن المؤتمر ناقش في أحد محاوره أهمية إزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، إذ يُعتبر ذلك خطوة رئيسية نحو تمكين سوريا من النهوض اقتصادياً. كما تم التباحث في خارطة الطريق التي تتضمن رؤية اقتصادية متكاملة لمستقبل سوريا، بما في ذلك آليات إعادة دمج البنك المركزي السوري في النظام المالي الدولي، وتمثيل سوريا في المؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وفي هذا السياق، تطرقت المناقشات إلى إمكانيات التعاون مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتقديم المساعدة الفنية في إعادة بناء الاقتصاد السوري. كما أُشير إلى أنه على هامش المؤتمر، التقى الشيباني مع محمد بن عبد الله الجدعان، وزير المالية السعودي، لبحث سبل التعاون الاقتصادي والمالي بين البلدين.
وفيما يخص تفاعل المجتمع الدولي مع الحرب السورية، أعلنت كريستالينا غورغييفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، أن التواصل مع الحكومة السورية قد انقطع لمدة تزيد عن 16 عاماً، لكن هذا التواصل قد استُؤنف مع وصول الإدارة الانتقالية إلى السلطة في دمشق. وأكدت غورغييفا استعداد صندوق النقد الدولي لمساعدة سوريا في بناء قدرات اقتصادها، موضحةً أن تواصل الصندوق مع المسؤولين السوريين يهدف إلى تقديم الدعم لتحسين كفاءة المؤسسات الاقتصادية السورية بما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني والشعب السوري.
استفادة سوريا من الدعم العربي والدولي
من جانبه، أكد إسلام شاهين، أستاذ الاقتصاد السياسي في مصر، أن سوريا يمكن أن تستفيد بشكل كبير من الدعم العربي والدولي، مشيراً إلى أهمية التعاون مع منظمات إقليمية ودولية مثل جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
وأضاف شاهين في تصريحات لـ”963+” أن إنشاء صندوق خاص تحت رعاية هذه المنظمات يمكن أن يوجه الاستثمارات إلى القطاعات غير الخاضعة للعقوبات، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، مما يساعد في تعزيز الاقتصاد السوري بعيدًا عن التعامل مع كيانات مدرجة على قوائم العقوبات.
وأشار شاهين إلى أهمية دعم عملية إعادة الإعمار، لافتاً إلى أن دولاً مثل السعودية والإمارات يمكن أن تقدم دعماً إقليمياً، في حين يمكن أن تساهم دول مثل روسيا والصين على المستوى الدولي. كما شدد على أهمية التنسيق مع المجتمع الدولي لتخفيف العقوبات الغربية لتمكين سوريا من تحقيق التعافي الاقتصادي.
التحديات الاقتصادية الداخلية
من جهته، أكد عابد فضلية، أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق، على أن سوريا تواجه العديد من التحديات الداخلية التي تعيق عملية تنفيذ الرؤى التنموية، مثل البيروقراطية الإدارية وغياب الرؤية الشاملة على المدى البعيد. وأضاف فضلية لـ”963+” أن “هذه التحديات تضاف إليها آثار الحرب والدمار، بالإضافة إلى نقص الموارد واليد العاملة الماهرة بسبب هجرة الكفاءات”.
وشدد فضلية على ضرورة أن تقوم الإدارة الانتقالية “بوضع استراتيجيات إصلاحية تهدف إلى إصلاح القطاع العام وضمان استدامة التنمية على المدى البعيد”. وأضاف أن الانفتاح المصرفي الداخلي والخارجي يعتبر من الأسس الحيوية لتحسين الاستثمارات وجذب التمويلات.
وأكد أسامة قاضي، الخبير الاقتصادي، أن العوائق الرئيسية التي تواجه الاقتصاد السوري تتمثل في السيطرة على الأراضي السورية من قبل الحكومة، وهو ما سيساهم في استتباب الأمن وإدارة موارد النفط والغاز السورية.
وأشار قاضي في تصريحات لـ”963+” إلى أهمية استثمار هذه الموارد لتحقيق استقرار اقتصادي ومالي، وكذلك تقليص تأثير العقوبات المفروضة على المصرف المركزي السوري. وأضاف أنه “من الضروري أن تسهم الحكومة الجديدة في تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية، الكهرباء والطاقة، مع التركيز على القطاعات التنموية المتوازنة في جميع المحافظات السورية”.
كما أشار قاضي إلى أهمية تحسين العلاقات المصرفية الدولية من خلال التشريعات التي تسمح بفتح بنوك ومؤسسات مالية في سوريا وفقًا للمعايير الدولية، وهو ما يعزز الثقة في القطاع المصرفي السوري ويشجع على تدفق الاستثمارات.
النماذج الاقتصادية المناسبة لسوريا
فيما يتعلق بالنماذج الاقتصادية التي قد تناسب سوريا، اعتبر يوسف لهلالي، الإعلامي والمحلل الاقتصادي المقيم في فرنسا، أن “سوريا يمكن أن تستفيد من التجربة المغربية التي نجحت في تنويع اقتصادها دون الاعتماد الكلي على الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز”.
ولفت لهلالي في تصريحات لـ”963+” إلى أن سوريا تمتلك إمكانيات بشرية كبيرة، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي، مما يجعلها قادرة على بناء اقتصاد مستدام عبر تنويع القطاعات الاقتصادية وتطوير الصناعات التحويلية والتقنية.
واختتم المشاركون في مؤتمر العلا المؤتمر بتأكيدهم على أن سوريا تحتاج إلى خطوات منهجية ومدروسة لتحقيق الإصلاحات اللازمة، حيث أن المدخلات الصحيحة تعد أساسية لتحقيق نتائج إيجابية في المستقبل.