في زيارات وُصفت بالخاطفة والمفاجئة، أجرى رئيس الإدارة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، عدة جولات داخلية في عدد من المحافظات السورية، ما أثار تساؤلات في الشارع السوري حول خفايا هذه الزيارات المتتالية التي استمرت لساعات محدودة وخلفياتها، خاصة أنها جاءت بالتزامن مع جولات ولقاءات خارجية يقوم بها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية أسعد الشيباني.
ووصل الشرع، الأحد، إلى مدينتي اللاذقية وطرطوس في الساحل السوري. وقال مصدر محلي لموقع “963+’’، إن الشرع التقى بعدد من وجهاء المدينتين وناشطين حيث دارت النقاشات حول المشاكل التي تواجهها المحافظتين بشكل عام.
وكان الشرع قد استهل أولى جولاته الداخلية، السبت، بزيارة محافظة إدلب شمال غربي البلاد، وتجول في شوارعها وزار مخيمات بريف المحافظة. وبعدها بساعات زار محافظة حلب شمالي البلاد، قبل الانتقال لمدينة عفرين حيث أجرى هناك اجتماعاً مع وجهاء المنطقة وسياسيين وممثلين عن المجلس الوطني الكردي، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
ووفقاً لمصادر محلية لـ“963+’’، فإن الاجتماع استمر لمدة ساعة في مطعم “سن سيتي” تناول عدة قضايا منها تحسين الأوضاع الأمنية والمعيشية والاقتصادية وإعادة بناء البنية التحتية والحد من المظاهر المسلحة وضرورة عودة مهجري عفرين لديارهم، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الأهالي.
دلالات وأبعاد الزيارات
في تصريحات خاصة لـ‘‘963+’’، يؤكد الإعلامي والباحث السياسي السوري خضر دهام، أن الزيارات المكوكية الداخلية التي قام بها الشرع، لها دلالاتها من حيث التوقيت والمضمون.
ويوضح دهام، أن الشرع أراد من هذه الجولات الداخلية ‘‘كسب ود السوريين واحتواء هواجسهم ومخاوفهم، وكسر حاجز الجليد على صعيد الداخل السوري، وإرضاء رفاق دربه في إدلب التي افتتح جولته بزيارتها بوصفها مهد انتصاره ووصوله للسلطة’’.
من جانبه، يقول المحلل السياسي مصطفى رستم، أن الشرع اختار إدلب كأول محطة داخلية له، ‘‘لما تحمله من رمزية له، فهي كانت المعقل الرئيسي لهيئة تحرير الشام التي كان يتزعمها، واختار حلب لثقلها في الواقع السوري وأهميتها الاقتصادية، أما عفرين لرمزية التواجد الكردي فيها، واختيار مدن الساحل لما لها من حساسية كبيرة في ظل الظروف الراهنة، خاصة أن هناك احتجاجات مستمرة”.
ولليوم الثاني على التوالي، تظاهر العشرات من العمال المفصولين من المرفأ والجمارك والنقل البحري في تظاهرات أمام مبنى شركة مرفأ اللاذقية والجمارك بمدينة اللاذقية، كما تظاهر المئات من عمال الشركة السورية لنقل النفط في مدينة بانياس بريف طرطوس، احتجاجاً على قرار فصلهم من قبل الإدارة السورية الانتقالية بشكل تعسفي.
اقرأ أيضاً: الحد من المظاهر المسلحة والحفاظ على الأمن.. مخرجات لقاء الشرع مع وجهاء عفرين
رسائل سياسية خارجية
يوضح رستم، في حديث خاص لـ‘‘963+’’، أن زيارات الشرع تأتي بدافع التأكيد على شعبيته وإيصال رسالة للرأي العام الداخلي والإقليمي والدولي أن له “حظوة مجتمعية”. ويتابع، أن الوضع الداخلي اليوم ‘‘ليس بحاجة فقط لزيارة بعض المحافظات، وإنما يجب زيارة جميع المحافظات والاستماع للأهالي والإيفاء بالوعود’’.
وينوه رستم إلى أن زيارات الشرع الداخلية جاءت بالتزامن مع جولات وزير خارجيته أسعد الشيباني في الخارج، فيقول: “حاول الشيباني إظهار ما أظهره الشرع من خلال لقاءاته، وهي إيصال رسالة للمجتمع الدولي بأنهم يعملون بجد وبدأوا بحل الملفات العالقة ويجب منحهم الوقت، لأن المشهد معقد وشائك’’.
وفي ذات السياق، يقول دهام: ‘‘الشرع يريد إرسال رسائل سياسية للخارج، بأنه بات يتعاطى كرجل دولة ويقف على مسافة واحدة من كل أطياف الشعب السوري وفق المنهجية البراغماتية العالية في التعامل، لتحقيق مواقف إيجابية داخلياً تعزز من المكانة والثقل في الخارج’’.
اقرأ أيضاً: باريس تحتضن مؤتمراً دولياً حول سوريا: إعادة الإعمار والرؤى السياسية في صلب النقاش
مأزقان وتحديات
نجحت الحكومة في دمشق بعد ما يزيد عن شهرين في استقبال الوفود الإقليمية والدولية، كما أجرى الشيباني سلسلة زيارات لعدد من عواصم المنطقة والعالم، ولكن بحسب دهام، ‘‘لم تكن الرياح تجري بحسب ما تشتهي سفن حكام دمشق الجدد’’.
ويزيد دهام، أن أحداث الساحل السوري، تهجير الكرد من مدنهم وقراهم، ملف شمال شرقي سوريا والجنوب السوري، وضرورة حماية حقوق جميع المكونات، هي أبرز التحديات التي عصفت بوجه الإدارة السورية الانتقالية، وكان التأكيد على ضرورة حلها حاضراً في معظم اللقاءات التي كان الشيباني يبحث فيها عن رفع العقوبات الاقتصادية والتعويم السياسي وآخرها اللقاءات التي جرت في مؤتمر باريس بشأن سوريا.
ويرى الإعلامي السوري، أن الشرع يواجه مأزقين، أولهما أن “الفصائل الأكثر تشدداً ترى أن الشرع بات يغرد خارج السرب ويتحدث بديبلوماسية وبراغماتية’’، أما المأزق الآخر هو‘‘احتواء المزاج العام السوري الذي يرى في حكومة اللون الواحد التي شكّلها الشرع لا تلبي تطلعاتهم الداخلية والخارجية’’.
وشكلت هذه الممارسات عامل ضغط على الشرع وحكومته خصوصاً في جولاتهم الخارجية، لذا وفق دهام، ‘‘كان لابد للشرع أن يحقق هدفين من خلال جولاته الداخلية، الأول كسب المشروعية الداخلية وتعويم نفسه، والهدف الثاني الإثبات بأنه يحظى بإجماع شعبي حتى في المناطق الني يعتبرها المجتمع الدولي بأن فيها تجاوزات كبيرة بحق أطياف المجتمع السوري’’.
اقرأ أيضاً: الشيباني في بغداد قريباً: انفتاح ديبلوماسي أم إعادة تموضع سياسي؟
ملفات عالقة ومفاوضات جارية
يشير دهام إلى أن فصائل الحمزات والعمشات وغيرها من الفصائل الموالية لتركيا لا تزال تحتل مدناً سورية وتهجر أهلها، وهذا يعتبر حجر عثرة في طريق الشرع وحكومته لتعويم أنفسهم داخلياً فكانت زيارة عفرين وقطع الوعود بعودة أهلها المهجّرين إليها ورفع المظالم عنهم.
وكان مصدر أمني أكد في وقت سابق لـ“963+” أن هناك مفاوضات جارية لانضمام الشرطة العسكرية والمدنية التابعة للفصائل في عفرين إلى الأمن العام. وكانت أرتال من إدارة الأمن العام قد دخلت إلى المدينة الخميس الفائت في خطوة لتعزيز الأمن المحلي، مما يعكس تحولاً في الإدارة الأمنية في المنطقة بعد سنوات من سيطرة الفصائل المسلحة.
وقال ذات المصدر الأمني بأن هناك خططاً لزيارات مستمرة من قبل إدارة الأمن العام في سوريا إلى مناطق أخرى في ريف حلب الشمالي، مثل الباب وجرابلس، بالإضافة إلى مناطق رأس العين وتل أبيض. تهدف هذه الزيارات إلى توسيع نطاق انتشار الأمن العام وتعزيز السيطرة في تلك المناطق خلال الفترة المقبلة.
ومع كثرة الملفات العالقة والمفاوضات الجارية، يبدو أن الشرع بات يتحرك داخلياً، خشيةً من غضب الشارع السوري، في ظل ضيق الوقت الذي يملكه لحل جميع هذه الملفات التي تعهد بتنفيذها ولم تنفذ حتى الآن، منها ‘‘تسوية الوضع مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بشمال شرقي سوريا، وملف درعا والسويداء في الجنوب’’، وفق رستم.
وتهدف الزيارات الداخلية للشرع، إلى فتح قنوات تواصل مع مختلف الأطياف والمكونات السورية، في محاولة لرأب الصدع وتحقيق التغيير السياسي المنشود، والتأكيد على شعبيته للرأي العام الداخلي والإقليمي والدولي، في وقت يتم فيه التحضير لمؤتمر وطني جامع، يُراهن عليه الكثيرون كفرصة لإعادة بناء سوريا على أسس جديدة وشاملة.