كشف وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية أسعد الشيباني يوم الثلاثاء الماضي، عن زيارة قريبة لرئيس الفترة الانتقالية أحمد الشرع إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، كما بحث الشيباني مع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، العلاقات الثنائية وأهمية المضي قدماً في مسار البناء والتنمية في سوريا، فما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الإمارات في ظل تعدد وتضارب المصالح الدولية والإقليمية على الساحة السورية، وهل يمكن أن تساعد في دعم التعافي الاقتصادي ورفع العقوبات عن البلاد؟
الإمارات تعتبر من الدول المؤثرة على الساحة الخليجية والعربية، وأثبتت تقدماً كبيراً وريادة في المشاريع الاقتصادية والتنموية على مستوى المنطقة والعالم، وأصبحت خلال العقد الأخير أحد أبرز مراكز المال والتجارة في الشرق الأوسط، ووجهة سياحية مفضلة للسياح من جميع أنحاء العالم.
الشيباني، بحث على هامش القمة العالمية للحكومات في دبي، مع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها، وأكد الأخير على “موقف بلاده الثابت في دعم استقلال سوريا وسيادتها على كامل أراضيها، ووقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق، ودعم كافة الجهود التي تقود إلى تلبية تطلعاته في الأمن والاستقرار المستدامين والحياة الكريمة” بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام).
اقرأ أيضاً: باريس تحتضن مؤتمراً دولياً حول سوريا: إعادة الإعمار والرؤى السياسية في صلب النقاش
وقالت الوكالة، إن وزير الخارجية الإماراتي، أكد على “أهمية المضي قدماً في مسار البناء والتنمية في سوريا، مع توفير كافة عوامل الأمن والاستقرار من أجل مستقبل واعد يزخر بفرص الازدهار للشعب السوري”.
حذر إماراتي في البدايات
وأبدت الإمارات حذراً شديداً بشأن الأوضاع الجديدة في سوريا بعد إسقاط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وقال الدكتور أنور قرقاش المستشار الديبلوماسي لرئيس دولة الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، إن “مبعث القلق الرئيسي في سوريا هو التطرف والإرهاب”.
وأضاف: “الأدوار الدفاعية والعسكرية ينبغي ألا تكون تحت سيطرة الجماعات المسلحة، يجب عدم السماح للأطراف غير الحكومية باستغلال الفراغ السياسي”، معتبراً أن الأحداث التي رافقت سقوط نظام بشار الأسد في سوريا “مؤشر على الفشل السياسي”.
دور إماراتي مرتقب
الكاتب السياسي عشق بن محمد بن سعيدان، المقيم بالعاصمة السعودية الرياض، يرى أن الإمارات يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في سوريا عبر الوساطة من خلال التعاون والتنسيق مع الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين من أجل الاعتراف الدولي بالإدارة الجديدة وتذليل العقوبات أمام ذلك”، ويقول في تصريحات لموقع “963+”، إن “الإمارات يمكن أن تقدم أيضاً الدعم الديبلوماسي لسوريا من خلال المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وغيرها للمساعدة في تحسين سوريا دولياً”.
اقرأ أيضاً: هل تلعب السعودية وفرنسا دوراً محورياً في سوريا دون وصاية؟
ويشير، إلى أن “الأمر الأكثر أهمية لدى السوريين والعرب خلال هذه الفترة هو رفع العقوبات الغربية والأممية المفروضة على سوريا، حيث تبذل المملكة العربية السعودية جهوداً كبيرة من أجل ذلك، وعليه فإن الموقف الإماراتي سيكون في غاية الأهمية في هذا الخصوص”، لافتاً إلى أنه يمكن للإمارات أن تقوم باستثمارات في سوريا خاصةً في القطاعات التي تعاني من الدمار مثل البنية التحتية الأساسية والصناعة.
الكاتب والباحث السياسي السوري علي جديد المقيم في دمشق، يعتبر خلال تصريحات لموقع “963+”، أن “البعد الشعبي دائماً ما يكون حاضراً في العلاقة بين سوريا والإمارات، وتمكنت الأخيرة خلال الفترة الماضية عبر ديبلوماسيتها من بناء علاقات قوية ووثيقة مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية وخاصةً فيما يتعلق بالمجال الإنساني، وعليه فإنها يمكن أن تلعب دوراً أساسياً للحد من الوضع الكارثي الذي يعانيه الشعب السوري”.
انفتاح إماراتي على الإدارة الجديدة
ويشير، إلى أنه “حتى الآن نشاهد حالة إيجابية في العلاقة بين الإمارات والإدارة الجديدة في سوريا، سواء على المستوى الديبلوماسي والاعتراف الرسمي الإماراتي بهذه الإدارة، أو من خلال فتح مجتمع الأعمال وخصوصاً السوريين في الإمارات أمام هذه الإدارة، والذي لن يحدث لولا ضوء أخضر من الحكومة هناك، كما أن لها حلفاء في الداخل السوري ساهموا في إسقاط نظام بشار الأسد”.
ومنذ عام 2018، تحولت الإمارات إلى أبرز الداعمين لنظام بشار الأسد المخلوع، وأعادت فتح سفارتها في دمشق، وأعربت عن استعدادها لدعمه اقتصادياً وعملت على إعادة تعويمه سياسياً على المستوى العربي والدولي، وكانت العاصمة الإماراتية أبو ظبي الوجهة الثانية لبشار الأسد على المستوى العربي بعد إعادة نظامه إلى الجامعة العربية وتطبيع العلاقات معه.
اقرأ أيضاً: الاقتصاد السوري والدعم العربي.. بين التعافي وإعادة التموضع الإقليمي
وبشأن إمكانية لعب الإمارات دوراً في دعم التعافي الاقتصادي في سوريا بمعزل عن العقوبات الغربية، يرى بن سعيدان، أن أبو ظبي يمكن أن تلعب هذا الدور من خلال الاستثمار في القطاعات التي تندرج ضمن العقوبات مثل الزراعة والصناعات الغذائية، والاستثمار في مشاريع البنية التحتية كالطرق والجسور والمطارات، إلى جانب تقديم القروض والائتمانات للشركات السورية والدعم المالي للمشاريع الاقتصادية وتعزيز التجارة ودعم مشاريع إعادة الإعمار بالمناطق المتضررة.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، أجرى رئيس الفترة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، اتصالاً هاتفياً مع رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، بحثا خلاله سبل تطوير العلاقات الثنائية بما يخدم مصالح البلدين، وشددا على “أهمية التنسيق وتكثيف الجهود لدعم الشعب السوري وحماية أراضي سوريا، والالتزام بالعمل المشترك لتحقيق الاستقرار والتنمية بالمنطقة”.
البحث عن ضمانات وتبديد المخاوف
ولكن لكي تقوم الإمارات بدور فاعل في سوريا، يتطلب ذلك من الإدارة الجديدة بحسب بن سعيدان، بعض الإفصاحات والضمانات وتبديد المخاوف، مثل ضمان عدم وصول أو مشاركة ما يسمى “الإسلام السياسي” للسلطة، حيث أن لدى أبو ظبي والدول العربية بشكل عام مخاوف من أي دور لهذه التنظيمات، رغم أن الإدارة السورية تبذل جهداً كبيراً لتبديد هذه المخاوف”.
كما يحتاج ذلك إلى إصلاحات سياسية في سوريا مثل تعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان، والاستقرار الأمني اللازم للبدء بعمليات الاستثمار والتعاون الاقتصادي، حيث أن المخاطر الأمنية قد تؤثر على قدرة الإمارات على تقديم الدعم، وفقاً للكاتب السياسي السعودي.
وبحسب جديد، فإن “الجميع وليس فقط الإمارات يطالب الإدارة السورية الجديدة بالقيام بعملية انتقال سياسي لا تستثني أحداً من فئات الشعب السوري، إلى جانب مكافحة الإرهاب ومنح تحول سوريا إلى مصدر إزعاج لجيرانها”، معتبراً أن “إمكانية تقديم الإمارات دعم لسوريا بمعزل عن العقوبات الغربية، مرتبط بحجم السماح الممنوح من الولايات المتحدة لأصدقاء سوريا، والتي تبدو أنها ليست معترضة على ذلك”.
ويذهب أغلب المحللين، إلى أن الدول العربية وبينها الإمارات لن تكرر الأخطاء السابقة فيما يتعلق بسوريا والعراق، وتركها ساحة نفوذ وصراع لأطراف إقليمية ودولية وسعي هذه الأطراف لتمرير مشاريع معينة، وما يتبع ذلك من أزمات وتوترات تطال تأثيراتها المنطقة برمتها، لذلك ستعمل على ألا تخرج سوريا عن الحضن العربي وتجنيبها أن تكون ساحة لنفوذ أي طرف.