في قرية أم جفار بريف القامشلي، شمال شرقي سوريا، يقف المزارع عبد الرحيم خلف وسط أرضه الجافة التي تنتظر المطر بفارغ الصبر. يتأمل أرضه بحسرة، وهو يقول لموقع “963+”: “السنة وضع الزراعة سيئ جداً بسبب قلة الأمطار، بعض الفلاحين زرعوا والبعض الآخر لم يزرع، والموسم خلال السنوات الأربع الماضية كان سيئاً، مما شكل عبئاً ثقيلاً على الفلاح”.
ويشكل القطاع الزراعي في شمال شرقي سوريا ركيزة أساسية لحياة السكان، الذين يعتمدون بشكل رئيسي على الزراعة وتربية الثروة الحيوانية. لكن في ظل التغيرات المناخية، أصبح هذا القطاع يواجه تهديدات خطيرة نتيجة قلة الأمطار وتراجع مصادر المياه.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة تغيرات مناخية واضحة، حيث تراجع معدل الهطول المطري وتأخرت الأمطار، مما أثر سلباً على نمو المحاصيل الشتوية كالقمح والشعير. حتى الأراضي المروية لم تسلم من الأزمة، إذ أن اعتمادها على الآبار السطحية والعميقة يزيد من أعباء المزارعين المالية، بسبب حاجتهم للمولدات أو الطاقة الشمسية، وارتفاع تكاليف الوقود والصيانة نتيجة استخدام المازوت الرديء، فضلاً عن غلاء أسعار الأسمدة والمبيدات.
المزارع رستم عيسو، المقيم في مدينة الدرباسية، غربي القامشلي، يؤكد أن الواقع الزراعي هذا العام “سيئ جداً، بل يمكن القول إنه على وشك الانهيار الكامل، خصوصاً للمزروعات البعلية المعتمدة على مياه الأمطار، كالقمح والشعير وبعض أنواع البقوليات”. ويضيف عيسو لـ”963+” أن العائلات التي تعتمد على الزراعة ستنحدر إلى “ما دون خط الفقر”.
من جهة أخرى، يواجه مربو الماشية أيضاً صعوبات كبيرة، حيث يضطرون إلى شراء العلف بأسعار مرتفعة أو الهجرة إلى مناطق أخرى للبحث عن مراعي أفضل، أو حتى بيع مواشيهم بأسعار زهيدة.
عبد الرحمن حسن، أحد المزارعين في عامودا، غربي القامشلي، يطالب بفتح باب القروض لدعم المزارعين في مواجهة الأزمة، موضحاً في حديث لـ”963+” أن “المزارعين الذين يعتمدون على الري الجوفي يواجهون تكاليف مضاعفة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة، ما يجعلهم مكبلين بالديون”.
اقرأ أيضاً: تحسن الليرة السورية في السوق السوداء: ندرة السيولة أم تحسن اقتصادي؟ – 963+
الأسواق في أزمة بسبب تراجع الزراعة
لا تقتصر تداعيات أزمة الزراعة على المزارعين وحدهم، بل تمتد إلى الأسواق المحلية والحركة التجارية. في محافظة الحسكة، يعاني أصحاب المحلات التجارية من ركود اقتصادي واضح.
يقول محمد حسيني، وهو صاحب متجر، لـ”963+” إن “هذا العام مختلف عن السنوات السابقة، حيث كان الإنتاج وفيراً والحركة التجارية نشطة. كنا نعطي الزبائن البضائع بالدين لحين تصريف المحصول، لكن الآن لا نستطيع ذلك بسبب الأزمة”.
وتعد شمال شرقي سوريا “السلة الغذائية” للمنطقة، حيث توفر معظم المنتجات الزراعية الأساسية كالقمح والشعير والقطن والذرة والخضروات. ومع تدهور الإنتاج، ترتفع الأسعار، ما يضعف القوة الشرائية للأهالي ويؤثر على التجار وأصحاب المشاريع.
سيف بحري، بائع ألبسة من القامشلي، يصف الواقع الحالي بأنه مشابه لعام 1985 عندما تعرضت المنطقة لجفاف شديد. ويقول لـ”963+”: “إذا استمر الوضع كما هو، ستحدث أزمة اقتصادية حقيقية. في السنوات الجيدة، يكون هناك حركة بيع نشطة، أما الآن فالوضع سيئ جداً”.
ويؤكد حج محسن جولو، تاجر أكياس القمح من القامشلي، أن “عدم هطول الأمطار أدى إلى توقف حركة بيع وشراء المواد الزراعية، حيث يباع الشعير والتبن بأسعار مرتفعة، بينما تباع المحاصيل الأخرى بأسعار زهيدة، بعكس السنوات الماضية عندما كنا نشتري الأسمدة من العراق وحمص بأسعار جيدة”.
ولا تقتصر الأزمة على المواد الغذائية فقط، بل تمتد إلى القطاعات المرتبطة بالزراعة، مثل تجارة المعدات الزراعية. شفان جمعة، بائع قطع غيار آلات زراعية في القامشلي، يقول لـ”963+”: “حتى الآن، لا توجد حركة في بيع وتصليح الآلات الزراعية بسبب تأخر الأمطار. حتى إذا تم سقي الأرض، فالإنتاج سيكون ضئيلاً، مما يؤثر بنسبة 80% على الوضع الصناعي”.
اقرأ أيضاً: الاقتصاد السوري والدعم العربي.. بين التعافي وإعادة التموضع الإقليمي – 963+
آمال وتحديات
أمام هذه التحديات، لا يزال المزارعون يحاولون التأقلم مع الوضع بقدر إمكانياتهم. لكن استمرار الأزمة دون تدخل الجهات المعنية ينذر بكارثة اقتصادية وإنسانية. المزارع عبد الرحيم خلف يوضح لـ”963+” أن “العام الماضي كان سعر الكمون 14 ألف دولار للطن، وهذا العام زرعه معظم الفلاحين، لكن السعر انخفض إلى 2300 دولار، مما يعني خسائر كبيرة للمزارعين”.
بدوره، يحذر أحمد مسو من أن “انهيار الزراعة يعني انهيار الوضع الاقتصادي بالكامل، إذ أن سكان المنطقة يعتمدون عليها بشكل أساسي، وإذا استمرت الأزمة، ستزداد الجرائم وعمليات السطو نتيجة الفقر”.