شهدت الليرة السورية في الفترة الأخيرة تحسناً ملحوظاً في قيمتها مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء، حيث انخفض سعر الصرف إلى نحو 9,000 ليرة سورية في بعض المناطق، في حين لا يزال مصرف سوريا المركزي يحافظ على السعر الرسمي عند 13,000 ليرة سورية للدولار. هذا التفاوت الملحوظ بين السعرين يثير تساؤلات حول أسبابه الحقيقية وانعكاساته على الاقتصاد المحلي، وما إذا كان يعكس تحسناً حقيقياً أم مجرد حالة مؤقتة مرتبطة بمتغيرات نقدية؟
أسباب تفاوت الأسعار
يرى خبراء في الاقتصاد في تصريحات لموقع “963+” أن الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء يعود إلى عدة عوامل، أبرزها سياسة المصرف المركزي في تثبيت السعر عند 13,000 ليرة سورية، رغم أن هذا السعر لا يعكس التغيرات الفعلية في السوق.
كما أن توافر كميات كبيرة من الدولار الأميركي في السوق السوداء أدى إلى انخفاض سعره، مما ساهم في توسيع الفجوة بين السعرين. ومع غياب تدخل المصرف المركزي لضخ الدولار، اضطر التجار وأصحاب المصانع إلى بيع الدولار في السوق السوداء للحصول على الليرة السورية، مما أدى إلى زيادة عرض الدولار وانخفاض سعره بشكل مؤقت.
إضافةً إلى ذلك، فإن ضعف تدفق السيولة النقدية في الأسواق نتيجة لامتناع البنوك والمصارف السورية عن ضخ الليرة، دفع الكثيرين إلى بيع الدولار للحصول على الليرة، مما زاد من قيمة العملة المحلية مؤقتاً. هذا العامل، وفق بعض الخبراء، يوضح أن تحسن الليرة قد يكون ناتجاً عن أزمة سيولة وليس عن تحسن اقتصادي حقيقي.
اقرأ أيضاً: تحسّن متواصل بقيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية – 963+
سياسات المصرف المركزي
يحافظ المصرف المركزي على سعر الصرف الرسمي كإجراء يهدف إلى السيطرة على التضخم والحفاظ على استقرار الأسعار. كما يسعى إلى تثبيت السعر لتجنب التقلبات الحادة في قيمة العملة المحلية، وهو ما يعتبره البعض إجراءً ضرورياً للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ومنع انهيار قيمة العملة بشكل أكبر.
الخبير الاقتصادي عابد فضلية، يوضح في تصريحات لـ”963+”، أن المصرف المركزي لا يتبع السوق السوداء في تحديد سعر الصرف لأنه يعتبره “خاضعاً لعوامل مرحلية قد لا تدوم”. كما أن المركزي يعتمد على تثبيت السعر بهدف تشجيع المواطنين على بيع الدولار للمصرف بدلاً من اللجوء إلى السوق السوداء، وهو ما يسهم في تعزيز الاحتياطي النقدي وتغطية الالتزامات المالية المستقبلية.
ومع ذلك، يرى فضلية أن “التذبذب في سعر الصرف يرتبط بعدة عوامل، أبرزها العرض والطلب، إضافةً إلى الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية”.
اقرأ أيضاً: الشرع: نمتلك خطة إصلاح لتحويل سوريا إلى بيئة استثمارية خلال عشر سنوات – 963+
ندرة السيولة وتأثيرها
الخبير الاقتصادي أسامة قاضي، من العاصمة الكندية أوتاوا، يرى أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا الفارق “يعود إلى نقص السيولة النقدية السورية، حيث أدى تأخر دفع الرواتب، خاصة التقاعدية، إلى زيادة الطلب على الليرة السورية ورفع قيمتها أمام الدولار”.
لكن قاضي حذر في تصريحات لـ”963+” من أن “هذا التحسن قد يكون مؤقتاً”، متوقعاً أن “تعود الليرة إلى وضعها السابق بمجرد توفر السيولة النقدية الكافية لدى المواطنين”. وأضاف أن “استمرار تأخر دفع الرواتب يشير إلى نقص حقيقي في الكتلة النقدية المتوفرة لدى المصرف المركزي، وهو ما قد ينعكس سلباً على السوق بمجرد ضخ الأموال”.
من جهته، يرى الصحفي السوري المختص في الشأن الاقتصادي مرشد النايف، أن “التفاوت الكبير بين السعر الرسمي والسوق السوداء يضعف ثقة المستهلكين في قدرة المصرف المركزي على إدارة السياسة النقدية ومواكبة التطورات الاقتصادية”.
وأوضح النايف في تصريحات لـ”963+” أن “هذه الفجوة تعكس حالة من التخبط وغياب استراتيجية واضحة، ما يترك سوق الصرف تحت سيطرة المضاربين والصرافين”. وأضاف أن “التحسن الأخير في سعر الليرة قد لا يكون مؤشراً على تعافٍ اقتصادي حقيقي، بل انعكاساً للزخم السياسي الجديد الذي تبع المتغيرات الأخيرة في المشهد السياسي السوري”.
وأشار النايف إلى أن “التحسن الفعلي لليرة لن يتحقق إلا بتحسين البنية التحتية وقطاع الكهرباء، مما يعزز الإنتاج المحلي ويقلل الاعتماد على الواردات”. كما أكد أن استقرار الليرة السورية “مرهون بوجود سياسات نقدية أكثر شفافية وقدرة الحكومة على ضبط الأسواق المالية”.
اقرأ أيضاً: الاقتصاد السوري والدعم العربي.. بين التعافي وإعادة التموضع الإقليمي – 963+
آفاق الحلول
يجمع الخبراء على أن تحقيق استقرار حقيقي لليرة السورية يتطلب “إصلاحات جذرية تشمل ضخ السيولة في الأسواق، وتحفيز الإنتاج المحلي، وجذب الاستثمارات، إلى جانب تطوير البنية التحتية، خصوصاً في قطاعي الكهرباء والطاقة، كما أن وضع سياسة نقدية أكثر مرونة قد يساعد في تقليل الفجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء، مما يعيد التوازن للسوق ويقلل من سيطرة المضاربين”.
في النهاية، يبقى الوضع النقدي في سوريا معقداً، حيث يرتبط استقرار الليرة بعوامل متعددة تشمل القرارات السياسية، والسياسات النقدية، والقدرة على تحفيز الاقتصاد. ومع استمرار الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، تبقى الحاجة ملحة إلى استراتيجية نقدية واضحة تعيد الثقة بالعملة وتحمي الاقتصاد السوري من المزيد من التحديات.
وكان رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، قد قال أمس الإثنين، إن إدارته تمتلك خطة إصلاح لتحويل سوريا إلى بيئة استثمارية خلال عشر سنوات.
وفي الثاني والعشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، قال وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني، إن سوريا ستفتح اقتصادها أمام الاستثمار الأجنبي.
وأضاف الشيباني، خلال كلمة له في مؤتمر دافوس الاقتصادي، أن سوريا تريد بناء اقتصاد منفتح للاستثمار الأجنبي والاستفادة من تجربة سنغافورة ورؤية السعودية 2030.
اقرأ أيضاً: إنعاش الاقتصاد السوري: تحديات الواقع وفرص الإصلاح – 963+
وكان وزير الخارجية السوري قد شارك في مؤتمر دافوس الاقتصادي والذي عقد في سويسرا، ومشاركة الشيباني ممثلاً عن سوريا كانت هي الأولى للبلاد منذ الدورة الأولى للمؤتمر عام 1971.
وتعرض الاقتصاد السوري لضرر كبير بسبب الحرب، وتراجعت قيمة صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وترافق ذلك بضعف قدرتها الشرائية وارتفاع معدلات التضخم بشكل “كارثي” خلال 14 عام من الحرب.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، انكمش اقتصاد سوريا بنسبة 85% خلال ما يقرب من 14 عاما من الحرب، والناتج المحلي الإجمالي من 67.5 مليار دولار في 2011 إلى 8.98 مليار فقط في عام2023.
ويعتمد الاقتصاد السوري في الأساس على المردود الاقتصادي للزراعة والتي تضررت بسبب الحرب وتراجعت المساحة الزراعية، إلى جانب المردود المادي لبعض الصناعات والسياحة وتجارة العبور (المرور بالأراضي السورية لنقل البضائع إلى دول أخرى) وقطاع النفط.
وتدهور القطاع النفطي في سوريا خلال فترة الحرب بشكل كبير، إذ كانت سوريا تنتج قبل اندلاع الحرب عام 2011 نحو 385 ألف برميل يومياً، كانت تكرر منها 238 ألف برميل ويصدر الباقي، بحسب منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوابك).