دمشق
تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأحد الماضي، على متن الطائرة الرئاسية عن خطة لـ “تطهير” غزة من الفلسطينيين مشيراً إلى توطينهم في مصر والأردن اللتين رفضتا تصريحه، كما رفضت السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية، التهجير تماماً.
حينها، قال ترامب: “نتحدث عن مليون ونصف مليون شخص لتطهير المنطقة برمتها. كما تعلمون، على مر القرون، شهدت هذه المنطقة نزاعات عديدة. لا أعرف، ولكن يجب أن يحصل أمر ما”.
وطرحت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن فكرة نقل بعض السكان مؤقتاً في وقت مبكر من الحرب، لكن الأردن ومصر أصرّا على رفضهما لدرجة أن واشنطن سرعان ما تخلت عن الفكرة، وفق صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
ورأى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في وقت سابق، أن اقتراح الرئيس الأميركي نقل سكان غزة إلى الأردن ومصر “فكرة رائعة”.
وقال سموتريتش في بيان صادر عن مكتبه “إن فكرة مساعدتهم في إيجاد أماكن أخرى لبدء حياة جديدة وجيدة هي فكرة رائعة. بعد سنوات من تمجيد الإرهاب، سيكون بإمكانهم بناء حياة جديدة وجيدة في أماكن أخرى”.
وقال سموتريتش أيضاً: “على المدى الطويل، تشجيع الهجرة هو الحل الوحيد الذي سيجلب السلام والأمن لإسرائيل ويخفف أيضاً من معاناة سكان غزة. أنا أعمل مع رئيس الوزراء ومجلس الوزراء لإعداد خطة تنفيذية وضمان تحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع”، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت.
تشريد وتطهير
في 1948، شُرّد وطرد أكثر من 760 ألف فلسطيني خلال الحرب التي اندلعت إبان قيام دولة إسرائيل. ونحو 80 في المئة من سكان غزة هم أنفسهم لاجئون أو أبناء وأحفاد اللاجئين الذين تركوا منازلهم خلال “نكبة” عام 1948.
وهناك أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني في المنطقة مسجلين لدى وكالة الأونروا. وخلال حرب عام 1967 التي احتلت خلالها إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية، حدث المزيد من عمليات النزوح.
يقول محمد سمور الرنتيسي، مدير تحرير في صحيفة الغد الأردنية، لموقع “963+”، إنه “من الواضح أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يواصل المساعي المتماهية مع المخططات الإسرائيلية لتهجير سكان غزة، والتي كانت طفت إلى السطح بعد اندلاع الحرب بمدة ليست طويلة، وقوبلت حينها برفض فلسطيني – أردني – مصري واسع، بالإضافة إلى الرفض العربي”.
ويضيف أنه مع التطورات الأخيرة بهذا الخصوص في أعقاب تصريحات ترامب قبل أيام، جددت الدول المعنية ومعها جامعة الدول العربية رفضها لهذا السيناريو، وبمواقف تبدو حازمة، إلا أن هذا لا يعني أن الضغوطات الأميركية ستتوقف، خصوصاً أن ترامب أعاد الحديث عن هذا الملف مرة أخرى، وقال وفق ما نقل عنه موقع “أكسيوس”، إنه يرجح قبول الرئيس المصري وملك الأردن استقبال الفلسطينيين من غزة.
اقرأ أيضاً: شروط معلنة ودوافع خفيّة.. عن ماذا تبحث أوروبا في سوريا؟
لكن مدى نجاح الضغوط الأميركية من عدمه يعتمد على مدى صلابة الموقفين الأردني والمصري، علماً أن الأمر مرتبط بالدرجة الأولى بالفلسطينيين أنفسهم والذين لا يقبلون التهجير أو ترك أرضهم، بحسب الرنتيسي.
وأشاد النائب الثاني لرئيس مجلس النواب الأردني أحمد الهميسات، ببيان اجتماع وزراء الخارجية بدعوة من مصر وبمشاركة الأردن والسعودية والإمارات ودولة قطر، بالإضافة إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن دولة فلسطين وأمين عام جامعة الدول العربية، والذي عقد بالقاهرة أمس السبت.
وقال الهميسات إن مصر والأردن لديهما موقف موحد وقوي وصلب هو رفض اقتراحات ومحاولات تهجير الفلسطينيين من أرضهم، مؤكداً أن القاهرة وعمان يعملان من أجل صالح القضية الفلسطينية ومنعها من التصفية عبر هذا التهجير المرفوض شكلاً ومضموناً.
واعتبر أن “الاقتراحات الأميركية ومحاولات تهجير الفلسطينيين أمر خطير جد ويجب مواجهته بكافة السبل”، مشدداً على ضرورة “المزيد من التنسيق والتشاور بين مصر والأردن على كافة المستويات كما هو معهود بين البلدين الشقيقتين”.
ويضيف الرنتيسي: “فيما يتعلق بالترحيل وما إذا سيكون لمدد قصيرة أو طويلة المدى، فإن حدوثه قد يعيد سيناريوهات التهجير خلال النكبة الفلسطينية عام 1948 وكذلك النكسة عام 1967، حيث تم تهجير الفلسطينيين على أمل عودة قريبة، إلا أن ما حدث هو العكس وصار بالتالي حق العودة حلما بالنسبة لهم، لذلك لن يكون أي ثقة بالوعود المرتبطة بالترحيل، هذا إن تم القبول به أصلاً”.
كما أن تداعيات الترحيل أو التهجير إلى بلدين مثقلين بالظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، ستكون ثقيلة، خصوصا بالنسبة للأردن الذي عانى من تداعيات اللجوء من دول عدة على مدى عقود طويلة، فضلاً عن الأبعاد السياسية للترحيل التي لا تقل أهمية عن أي أبعاد أخرى، والتي تتعلق بالمخاوف من أن يدعم الترحيل تصفية القضية الفلسطينية وتفريغ الأرض من سكانها الأصليين، وهو ما قد يحدث بالقدس والضفة الغربية أيضاً لا غزة وحسب، على حد تعبيره.
والجمعة الماضي، كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تصريحه بأن مصر والأردن “ستستقبلان سكانا من قطاع غزة”. وقال أكثر من مرة إن على البلدين استقبال سكان من القطاع الذي دمرته حرب استمرت أكثر من 15 شهراً.
والخميس قال ترامب: “نفعل الكثير من أجلهم، وهم سيفعلون ذلك”، في حديثه عن مصر والأردن، رغم رد الفعل الرافض من البلدين حكوميا وشعبيا.
والأربعاء الماضي، رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فكرة أن تيسر مصر تهجير سكان غزة، وقال إن المصريين سينزلون إلى الشوارع للتعبير عن استنكارهم، كما رفضه الأردن أيضاً.
“مقترح مرفوض”
في المقابل، احتشد آلاف المصريين أمام معبر رفح رفضاً للتهجير ودعماً للرد المصري الرسمي بعدم القبول بتوطين الفلسطينيين.
وأمس السبت، أكد بيان لخمس دول عربية، وهي مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر، وشارك فيه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأمين عام جامعة الدول العربية، على رفض “تهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم بأي صورة من الصور أو تحت أي ظروف ومبررات”. كما شدد بيان الدول المجتمعة في القاهرة على “انسحاب القوات الإسرائيلية” من
من جهته، يعتقد الدكتور بدر الماضي، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الالمانية الاردنية، أن ترامب يحاول استنساخ “صفقة القرن” التي بدأ الحديث عنها في عام 2016، في الوقت ذاته لم يطرح ترحيل الغزيين كخطة رسمياً، بل كانت عبارة عن حديث أجراه معه صحافيين.
اقرأ أيضاً: مفتاح شرق الفرات.. لماذا تستميت تركيا على سد تشرين؟
ويضيف أن النظام الأميركي الحالي يضع نصب عينيه مصلحة إسرائيل، حتى وإن كان ذلك على حساب قوة الولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أن إسرائيل تخشى الديموغرافية الفلسطينية والتشبث بالأرض، وإعادة بناء هوية وطنية يصعب مقاومتها رغم عمليات التهجير المستمرة.
ويشير إلى أن مصر والأردن اتخذتا موقفاً مشرفاً إبان الحرب على غزة، حينما رفضا بشكل قطعي تهجير الفلسطينيين إلى أراضيهما، لما يحمله لك من زعزعة الأمن الاستقرار في البلدين والبيئة الاجتماعية فيهما.
ويرى أن تهجير الفلسطينيين إلى الأردن سيشكل تهديداً للهوية الوطنية الأردنية التي حاولوا رسمها خلال السنوات الماضية، كذلك رفض الفلسطينيين لتغيير هويتهم الوطنية.
ويلفت إلى أنه لو تم الترحيل لن يكون قصير المدى، فهي سياسة انتهجتها إسرائيل منذ عام 1948، ويشكل تهديد مباشر لكل من الأردن ومصر العربية.
كذلك يقول محمد ربيع الديهي، الباحث في العلاقات الدولية ويقيم في القاهرة، لموقع “963+”، إن تهجير الفلسطينيين نحو الأردن ومصر، فكرة مرفوضة تماماً من الدولتين، مهما بلغت الضغوط الأميركية.
ويعتقد أن كلا الدولتين تملكان أوراق تنفيذ ضغط معاكس على الولايات المتحدة، لمواجهة ضغط إدارة ترامب، التي حاولت تنفيذ المخطط منذ بدء الحرب في غزة.
ويرى أن مصر التي كانت وسيطاً للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، حرصت على عدم تهجير الفلسطينيين، وتملك في موقفها مساندة عربية ترفض أيضاً تهجير الغزيين من منطقتهم. مشيراً إلى أن ترامب يحاول كسب أوراق دعم لإدارته، وفي الوقت ذاته استخالة تهجير الفلسطينيين، في حين تشير المعطيات إلى استمرار الصراع في الشرق الأوسط.