في الآونة الأخيرة، شهدت بعض الأحياء في دمشق ودرعا انتشاراً ملحوظاً لحملات تدعو النساء إلى الالتزام باللباس الشرعي، الأمر الذي أثار موجة واسعة من الجدل المجتمعي بين مؤيد ومعارض. وقد تم توثيق هذه الحملات من خلال مقاطع فيديو انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى ملصقات ورقية ومنشورات تحمل عبارات مثل: “الحجاب هو فطرتكِ”، و”التزمي لتكوني الأقرب إلى الله”.
وامتد ظهور هذه الرسائل إلى أماكن متعددة، مثل الأسواق العامة، الجامعات، ووسائل النقل، مما جعلها في متناول شريحة واسعة من المجتمع. وكان حي باب توما في دمشق من أبرز المناطق التي شهدت توزيع منشورات ودعوات مباشرة للالتزام بالحجاب، ما دفع بعض السكان إلى التساؤل عن الجهة التي تقف وراء هذه الحملة وأهدافها.
ردود فعل المواطنين
أثار هذا الانتشار المتزايد آراء متباينة بين المواطنين، حيث عبرت ريم ضرغام، وهي موظفة ترتدي اللباس المدني، عن انزعاجها من هذه الحملات قائلة لموقع “963+”: “أحترم حق الآخرين في نشر معتقداتهم، ولكن هذا النوع من الرسائل يشعرني وكأن خياراتي الشخصية موضع انتقاد مستمر، مما يخلق جواً من الضغوط الاجتماعية غير المبررة”.
أما أسماء رشيد، طالبة جامعية ترتدي الحجاب الشرعي، فقد اعتبرت أن هذه الرسائل تأتي ضمن إطار التوعية الدينية، موضحة لـ”963+”: “الحجاب بالنسبة لي ليس مجرد مظهر خارجي، بل هو جزء من التزامي الديني. أعتقد أن هذه الدعوات ليست فرضاً على الآخرين، بل هي تذكير بالقيم التي قد يغفل عنها البعض”.
وفي هذا السياق، أكد عبد الله اللبابيدي، إمام مسجد في حي نهر عائشة بدمشق، أن “الدعوة إلى الحجاب يجب أن تكون بلغة مرنة تراعي التنوع الاجتماعي”. وأضاف لـ”963+”: “من الأفضل أن تكون هذه الدعوات موجهة عبر المراكز الدينية، حيث يمكن تقديم الإرشادات بطرق تتناسب مع احتياجات الأفراد المختلفة دون أن تشعر البعض بأن هناك ضغطاً عليهم في الأماكن العامة”.
أما الناشطة الحقوقية سلمى شيخ الأرض، فقد أشارت إلى أن “مثل هذه الحملات تُعيد تسليط الضوء على قضية الحريات الشخصية، خاصةً فيما يتعلق بحقوق النساء في اتخاذ قراراتهن بحرية”.
وتابعت في حديث لـ”963+”: “يجب أن نميز بين التذكير الديني وبين محاولات فرض نمط معين من السلوك على المجتمع، لأن تكرار هذه الرسائل في الأماكن العامة قد يسبب شعوراً بعدم الارتياح لدى البعض، مما يخلق بيئة مشحونة بالضغوط الاجتماعية”.
مواقف من المجتمع المسيحي
على صعيد متصل، صرحت جورجينا عيسى، وهي مواطنة مسيحية من دمشق، قائلة لـ”963+”: “على الرغم من أنني لا أرتدي الحجاب، إلا أنني أرى أنه من المهم أن تُقدَّم هذه الرسائل في سياق ديني بحت ودون أن تتحول إلى ضغط اجتماعي. مجتمعنا السوري متنوع، ويجب أن نحافظ على ثقافة التعايش والاحترام المتبادل بين الجميع”.
وأضافت جورجينا: “نحن كجزء من المجتمع المسيحي نرفض أي تدخل في خياراتنا الدينية والشخصية، ونؤكد على ضرورة احترام الحريات الفردية لجميع الطوائف دون فرض أي سلوكيات قد لا تتناسب مع معتقداتنا”.
من جهتها، اعتبرت القيادة العسكرية في دمشق أن هذه التصرفات “لا تعكس سياسة عامة أو توجهاً رسمياً، بل هي مجرد تصرفات فردية من بعض الأشخاص أو الجماعات التي اختارت نشر رسائل دينية بطرق غير رسمية”. وأكدت مصادر عسكرية أن “لم يتم إصدار أي توجيهات رسمية في هذا الصدد، وما يتم تداوله يعكس وجهات نظر شخصية لا تمثل موقف الدولة”.
التحديات الاجتماعية ومستقبل النقاش
تشير هذه الظاهرة إلى التحديات المستمرة المرتبطة بالتوازن بين الدعوة الدينية واحترام الحريات الشخصية في سوريا. ففي حين يرى البعض أن الحجاب قيمة دينية يجب تعزيزها، يرى آخرون أن هذه الدعوات قد تؤثر على حرية الاختيار.
وختاماً، نوه اللبابيدي إلى أن “الدين يُنشر بالموعظة الحسنة وليس بالضغط”، مؤكداً على ضرورة تعزيز أساليب الحوار المفتوح لتحقيق التفاهم المتبادل. أما الناشطة سلمى شيخ الأرض، فقد شددت على أن “الوعي والتفاهم هما الأساس لضمان استقرار مجتمعي يستوعب الجميع ويحترم اختلافاتهم”.