خاص – رهف يوسف/دمشق
يقف السيد عبد العزيز العمر وهو نازح ينحدر من بلدة رأس العين السورية أمام إحدى الصيدليات في مدينة القامشلي، ويفكر بحسرة ما إذا كانت الأموال التي تعب ليحصل عليها تكفي لشراء أدويته، يلتفت الشاب الذي أُجبر على ترك بلدته التي تعرف أيضاً بـ “سري كانييه” جرّاء سيطرة تركيا عليها في أواخر عام 2019، ويقول بقهر: “ما أجنيه في أسبوع يطير في دقيقتين، إذ لم يعتق ارتفاع الدّولار حتى الأدوية”.
ويضيف الشاب الأربعيني والمعيل لستة أفراد بالقول: “أعمل سائق تاكسي ولا يكفيني ما أجنيه يومياً مصروفي الشهري، فنحن لا زلنا نتعامل بالليرة السورية، بينما كل شيء بات يقاس بالدولار”. ويشتكي من سعر الأدوية التي تثقل كاهله ويقول لـ “963+”: “في منزلي مريضان الأول مُصاب بالتلاسيميا الكبرى، والثاني يعاني من القلب المفتوح، وهما بحاجة إلى ما يقارب 450 ألف ليرة كتحاليل، وحوالي 400 ألف ليرة أدوية، شهرياً”.
معاناة لتأمين الدواء بسبب إحتكارها وإرتفاع أسعارها
وتأتي هذه الحالة التي تتكرر بشكل يومي في سوريا، بالتزامن مع تجاوز سعر صرف الدولار قيمة أعلى عملة نقدية في البلاد وهي 5 آلاف ليرة سورية، ووصل خلال اليوم الجمعة إلى 14500 ليرة، في حين أنّ سقف الرّواتب لموظفي الحكومة السورية يصل إلى 500 ألف ليرة فقط (أي ما يعادل 35 دولار أمريكي)، بينما يتراوح في مناطق “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” بين مليون ومئة ألف ليرة ومليوني ليرة كحدّ أقصى، وهي أكبر بقليل من سقف الرواتب في مناطق المعارضة المدعّومة من تركيا.
ويعاني السوريون من مشكلة تأمين الأدوية وارتفاع أسعارها، لا سيما وأن نشرة الأدوية تصدر من السوق المركزي في دمشق ويُضاف إلى سعر كل قطعة حتى تصل إلى القامشلي 28% كفرق عن العاصمة، بينما الأدوية التي تنتجها الشّركات الأجنبية هي التي ترتفع أسعارها كلما ارتفع الدولار. إضافة إلى وجود بعض الأصناف المقطوعة والمخبأة في المستودعات للاحتكار، لذلك نجد تفاوتاً كبيراً في الأسعار.
غلاء الأسعار وتقنين الضروريات والحاجات
وإلى جانب مشكلة المرض والأدوية، يجد السوريون صعوبة في تأمين أبسط حاجاتهم اليومية بسبب البطالة وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، ما دفع الغالبية العظمى منهم إلى تقنين ضرورياتهم وتقليص المواد الاستهلاكية كاللحوم والحلويات والفاكهة، نظراً لارتفاع ثمنها.
ويؤكد رجل أربعيني يقيم في العاصمة دمشق وفضّل عدم ذكر إسمه بسبب طبيعة عمله أن “كل الأسعار ترتفع بسرعة جنونية ودون سابق إنذار، استغنينا عن الكثير من المواد وأبرزها اللحوم”، حيث بلغ سعر كيلو لحم العجل حوالي 150 ألف ليرة والفروج حوالي 60 ألف ليرة. ويضيف الرجل المعيل لأربعة أشخاص لـ “963+” أن “إيجار منزلي شهرياً 300 ألف ليرة والأسعار ترتفع باستمرار. أحزن حين يطلب مني أطفالي نوعِ معين من اللحوم أو الحلويات أو حتى الفاكهة، ولا أتمكن من تلبية رغباتهم بسبب ضيق الحال”.
هل تسبب العقويات الأميركية إرتفاع الأسعار؟
وفي هذا السياق، يوضح رفعت عامر، وهو باحث في الاقتصاد الدولي وقضايا التنمية المستدامة في جامعة أوربرو السويدية، أنّ “العقوبات الغربية ليس لها أي دور في انخفاض قيمة الليرة السورية، كونها موجّهة نحو رموز من الحكومة ومؤسساتها المتورطة في الحرب السورية وقد تم تجميد أرصدتهم الخاصة”.
ويضيف لـ “963+”: “لا علاقة لارتفاع الأسعار بالعقوبات، إذ يستثنى من القائمة الأميركية المواد الغذائية ومستلزمات الزراعة والأدوية التي تخصّ حياة السوريين، ومع ذلك لم تمنع هذه العقوبات استيراد السيارات الفارهة والهواتف النقالة الحديثة، والكفيار الفاخر المنتشر في الأسواق والذي يباع بالعملات الصّعبة وبأسعار خيالية، في حين تكرر الحكومة السورية عدم توفر العملة الصّعبة لديها لتأمين المواد الضرورية لمواطنيها”.
ويتابع الباحث الأكاديمي أن “قيمة الليرة السورية تنخفض مقابل جميع العملات، نتيجة لضعف حجم التجارة الخارجية في سوريا، إذ أن تصدير المنتجات المحلية إلى الخارج يؤدي إلى تدفق الدولار إلى الأسواق المحلية فيزيد الطّلب على الليرة، إضافة إلى أن انهيار البنى التحتية الإنتاجية ودمار السياحة وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج أدى إلى موت الصناعة الوطنية وحرمان البلاد من المنتجات الصناعية والزراعية. وهناك أيضاً مشكلة الفساد وسوء إدارة السياسات المالية للحكومات والسياسات النقدية للبنك المركزي وكلها عوامل طاردة للاستثمار الأجنبي في البلاد”.
القرار 107 يقيّد أموال المغتربين والبنك السوري لا يقوم بعمله
وفي الوقت الذي يعيش فيه معظم السوريين على الحوالات المالية التي تصلهم من أقاربهم المهاجرين في الخارج، يجد رفعت عامر أن “القرار رقم 107 الذي ينص على تحويل العملات الصعبة حصراً عن طريق البنك المركزي، ومنع تداوله بين المواطنين مع عقوبات جنائية تصل إلى السجن لمدة 7 سنوات، ساهم بكل تأكيد في تقليل ارسال العملات الصعبة من المغتربين إلى ذويهم، ما أدى إلى تقليل حجم التحويلات من 8 مليار دولار عام 2015 إلى 2 مليار دولار عام 2023”.
وعن المرسوم التشريعي رقم 5 الصّادر عام 2024، والذي يمنع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للدفع أو للتداول التجاري، يعتبر الباحث أنّ “هذا المرسوم كغيره لم يؤدِ إلى ارتفاع قيمة الليرة مقابل الدولار، بل على العكس من ذلك، حرم هذا المرسوم التجار والصناعيين من توفير الدولار بسهولة مما زاد الطلب عليه في السوق السوداء ورفع قيمته، في ظل عدم قدرة الدولة من خلال البنك المركزي على تأمين العملة الصعبة التي يحتاجها هؤلاء في السوق بهدف الاستيراد وتأمين السلع”.
وينتقد عامر آلية عمل البنك المركزي السوري ويقول: “كل بنوك الدول قائمة على أربعة أهداف وهي: ضبط الأسعار والحدّ من البطالة وتشجيع الصادرات وتحفيز النمو، وجميعها لا يعمل بها البنك السوري، في حين أن هدفه الوحيد هو تأمين العملة الصعبة، لذلك عمل على طباعة النقود السورية دون أي حسابات اقتصادية، لشراء أكبر كمية من الدولار من السوق الداخلية، مما زاد العرض النقدي لليرة السورية مقابل الدولار، وأدى إلى انخفاض قيمتها وصولاً إلى السقوط الحرّ في الشهر الماضي”.
يذكر أن الرئاسة المُشتركة للمجلس التنفيذي لدى “الإدارة الذاتية”، أصدرت أخيراً، تعميماً لكافة الهيئات والمكاتب والجهات العامة بقبول العملتين السورية والدولار بشرط أن يقبلها العداد وأن يكون رقمها واضحاً، ولا يجوز لأي شخص أو جهة رفضها أو التخفيض من قيمتها الأساسية، تحت طائلة المسائلة القانونية في حال المخالفة، وجاء هذا القرار لحماية سكان المنطقة من الاستغلال بعدما بدأ الصّرافون بتخفيض سعر صرف الدولار وعدم قبول الأوراق النقدية القديمة أو المصابة بخدش.