كشف وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية الأربعاء الماضي، عن اعتزام الإدارة السورية الجديدة خصخصة الموانئ والمصانع المملوكة للدولة، وهو ما أثار تساؤلات حول نجاح هذه الخطة الاقتصادية في سوريا التي تواجه تحديات كبيرة، وهل ستكون أداة فعّالة لتحسين أداء الاقتصاد السوري أم أنها مخاطرة ؟
وقال الشيباني، للصحيفة البريطانية على هامش مشاركته في منتدى “دافوس” الاقتصادي العالمي في سويسرا، إنهم يعملون على خصخصة القطاع الحكومي و دعوة الاستثمار الأجنبي، وتعزيز التجارة الدولية، في إطار إصلاح اقتصادي يهدف إلى إنهاء عقود من الزمن في سوريا “كدولة منبوذة”.
وأشار الشيباني إلى أن النظام السوري المخلوع “ركز على القمع”، بينما تسعى الإدارة الحالية إلى “بناء اقتصاد مزدهر”، قائلاً: “رؤيتنا قائمة على التنمية الاقتصادية، نحتاج إلى قوانين واضحة ورسائل طمأنة للمستثمرين الأجانب والسوريين”.
الخصخصة بين الإيجابيات والسلبيات
الخصخصة هي عملية تحويل ملكية أو إدارة الأصول والخدمات التي تمتلكها الدولة مثل الشركات الحكومية أو الموانئ، إلى القطاع الخاص بهدف تحسين الكفاءة وجذب الاستثمار وتقليل العبء المالي على الدولة.
إلا أن الخطوة رغم الإيجابيات الكبيرة التي تحملها وتطبيقها بشكل فعال في العديد من الدول المتقدمة بما في ذلك دول إقليمية وأخرى من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تحمل مخاطر تتعلق بإمكانية نجاحها في سوريا التي خرجت من حرب مدمرة استمرت لأكثر من 14 عاماً، وتعاني من انهيار كبير في البنية التحتية وانخفاض مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر بشكل كبير.
الباحث السوري في الاقتصاد الدولي وقضايا التنمية المستدامة في جامعة “أوربرو” السويدية، الدكتور رفعت عامر، يوضح في تصريحات خاصة لموقع “963+”، أن الخصخصة ظاهرة اقتصادية لها أبعاد اجتماعية، قد تكون فعّالة لتحسين الاقتصاد السوري، فيما لو توفرت الشروط المناسبة.
ومن أبرز الإيجابيات المتعلقة بعملية الخصخصة، بحسب عامر، هو جذب الاستثمار الأجنبي وتقليل الأعباء المالية وتحسين جودة الخدمات وزيادة الإنتاجية عبر المنافسة المستمرة والابتكار وتحسين الكفاءة التشغيلية من “خلال إشراك القطاع الخاص الذي يتمتع بالقدرة على تقديم استثمارات ضخمة وخبرات فنية متقدمة”.
أما حول سلبيات هذه الخطة الاقتصادية، يقول عامر: “ستكون هناك سلبيات يصعب تعديها في المدى المنظور، إذا اتخذت القرارات بشأنها بظروف وشروط غير مناسبة للدولة”، موضحاً أنه “إذا لم تُدار الخصخصة بشكل شفاف، قد تُستغل لتحقيق مكاسب شخصية بدلاً من خدمة الاقتصاد، “فيتم احتكار القطاع الخاص للموانئ والمصانع الحيوية”.
ويضيف، “كما قد تؤدي إلى رفع الأسعار وتدهور جودة الخدمات إذا لم يتم تنظيم السوق بشكل صحيح، كما أنها قد تهدد استقرار الأيدي العاملة المحلية، مشيراً إلى أنه “يمكن أن يسعى المستثمرون إلى تقليص التكاليف عبر تسريح العمال أو تقليص أجورهم”.
اقرأ أيضاً: هل تنجح سوريا في تجاوز العقوبات وبناء مستقبل جديد؟
التحديات أمام خصخصة القطاع الحكومي
ويعد الاقتصاد المنهك والبنية التحتية المتدهورة وغياب الموارد في البنك المركزي وعدم وجود دستور وهيئات قضائية ومحاكم تجارية وبيئة استثمارية جاذبة، إضافة للوضع السياسي غير المستقر والعقوبات الدولية، أبرز التحديات التي يمكن أن تواجه عملية الخصخصة، بحسب عامر.
ولنجاح عملية الخصخصة في الحالة السورية، وفق رؤية الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، ينبغي “وجود خطة استراتيجية شاملة تحدد الأهداف والمراحل بشفافية، وإشراك جميع الأطراف ذات الصلة في صياغة وتنفيذ هذه الخطة لضمان توافق الرؤى والمصالح”، إضافة لوضع معايير وقياسات للأداء تضمن تحقيق الأهداف المرجوة وتقييم النجاح بموضوعية.
اقتصاد ليبرالي حر
أما الخبير الاقتصادي، الدكتور أنيس بو دياب، فيقول إن النظام الاقتصادي السابق في سوريا كان نظام اقتصادي موجه تعود الملكية فيه لرأسمالية الدولة، مشيراً إلى أن هناك “توجه بأن يتحول إلى نظام اقتصادي ليبرالي حر، يكون للدولة دور الرعاية فيه، دون أن تملك حق الاستثمار الكامل بكامل أصوله ومرافقه العامة، بما فيها المطارات والبنى التحتية الأساسية”.
ويوضح بو دياب لـ”963+”، أن النظام الاقتصادي الليبرالي الحر الذي تريد سوريا الدخول فيه، يحتاج إلى دولة قوية فيها كافة الصلاحيات، وتحتاج إلى أن يكون هناك قضاء عادل، لأن “الاستثمارات لا يمكن أن تُبنى في ظل دولة لا يوجد فيها قضاء، إضافة لمحاربة الفساد واستقلالية دور المصرف المركزي عن السلطة السياسية”.
ولتجنب مخاطر وسلبيات عملية الخصخصة، يرى عامر، أنه “يمكن للدولة استخدام إحدى أنواع العقود التي تسمى نظام BOT) Build-Operate-Transfer)”، موضحاً أن “هذا النوع من العقود يُستخدم عادة في مشاريع البنية التحتية مثل الطرق السريعة والجسور أو محطات الطاقة، حيث تقوم شركة خاصة ببناء مشروع معين وتشغيله لفترة زمنية محددة لاسترداد تكاليف الاستثمار وجني الأرباح، ثم تعود ملكية المشروع الى الحكومة”.
اقرأ أيضاً: الشيباني: سوريا ستفتح اقتصادها أمام الاستثمار الأجنبي
شرعية القرار
وحول شرعية القرار، يُعلّق بو دياب، بأن الإدارة السورية الجديدة هي من ترسم نظام سوريا الجديد، وهي حكومة أمر واقع، بالتالي تملك صلاحيات بأن تستحوذ على أصول الدولة بشكل أو بآخر، لكن شرط “ألّا تفرط بهذه الأصول لأنها ليست ملك خاص وإنما هي ملك للأجيال الحالية والمستقبلية”.
أما الباحث السياسي والدكتور في القانون العام، أوس نزار درويش، فيقول في تصريحات لموقع “963+”، إن “الحكومة في دمشق هي انتقالية وليست دائمة لذلك لا يحق لها لا قانونياً ولا شرعياً اتخاذ هكذا قرارات وتوقيع اتفاقيات طويلة الأمد، في ظل عدم التوصل إلى حكومة جديدة باتفاق كافة مكونات الشعب السوري”.
ويضيف، أن “خصخصة القطاع الحكومي سيؤدي لبيع مؤسسات البلاد للشركات التركية بإملاءات من الحكومة التركية، التي تسعى لسرقة الثروات الغازية الموجودة في الساحل السوري، وعقد اتفاقية ترسيم حدود بحرية غير شرعية مع الحكومة الانتقالية”.
ويختم درويش حديثه بأن “على الإدارة السورية الجديدة أن تدير البلاد لمدة ثلاثة أشهر كمرحلة انتقالية لحين تشكيل حكومة توافقية تمثّل جميع السوريين، بعد إجراء حوار وطني، وليس أن تقوم باستئثار مطلق بالحكم وبإجراءات عميقة تغيّر من خلالها شكل الدولة السورية، من دون سند دستوري واضح”.