بروكسل
في لحظة فارقة من تاريخ سوريا، وعلى منصة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أطلق وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني رؤية طموحة لمستقبل بلاده، التي تواجه تحديات معقدة في أعقاب سنوات من الصراع. شدد الشيباني على أن العقوبات المفروضة على سوريا لم تعد وسيلة لتحقيق الاستقرار، بل أصبحت عائقًا أمام إعادة بناء الدولة وتحقيق طموحات شعبها.
وأكد الشيباني، أن العقوبات المفروضة على سوريا تمثل العقبة الأكبر أمام تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية في البلاد، مشدداً على ضرورة رفعها في أقرب وقت. جاءت تصريحات الشيباني خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، حيث أجرى حواراً بارزاً مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وناقش مستقبل سوريا على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
رفع العقوبات: خطوة حتمية للاستقرار
في كلمته، أشار الشيباني إلى أن العقوبات الاقتصادية، التي فرضت سابقاً بهدف الضغط على نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، “أصبحت اليوم عبئاً على الشعب السوري”. وقال: “العقوبات لم تعد تخدم مصالح السوريين، بل أصبحت ضدهم. يجب أن يتم رفعها قريباً لأنها المفتاح الأساسي لاستقرار البلاد”.
وذهب الوزير إلى حد اقتراح توجيه العقوبات مباشرة إلى الأسد، الذي يقيم حالياً في روسيا. وتعد هذه التصريحات علامة واضحة على سعي الحكومة الجديدة لتقديم نفسها كشريك جديد للمجتمع الدولي.
ووجه الشيباني رسائل إلى الشعب السوري، مطمئناً المواطنين بشأن تحسن الوضع الأمني في البلاد، ومؤكداً على أن سوريا ستكون دولة شاملة لجميع أطياف المجتمع. وقال: “لا يمكن تقسيم سوريا، ولن ندخل في حرب أهلية أو طائفية. وضعنا رؤية للمستقبل ونعمل عليها من أجل شعبنا”.
وفي خطوة لطمأنة النساء السوريات، شدد الوزير على احترام حقوق المرأة وإشراكها بشكل كامل في إدارة البلاد، مشيراً إلى تعيين ميساء صابرين، كأول امرأة تتولى قيادة “مصرف سوريا المركزي”، وهي خطوة وصفت بأنها “رمز للتغيير والإصلاح”.
اقرأ أيضاً: الشيباني: سوريا ستفتح اقتصادها أمام الاستثمار الأجنبي – 963+
الاقتصاد: انفتاح واستثمارات أجنبية
على الصعيد الاقتصادي، أعلن الشيباني عن خطط طموحة لفتح الاقتصاد السوري أمام الاستثمارات الأجنبية وتعزيز الشراكات الإقليمية والدولية. وأوضح أن هناك فرصاً كبيرة للاستثمار في قطاعات متعددة تشمل الطاقة، الكهرباء، الصناعة، والسياحة.
وقال: “سوريا غنية بمواردها الاقتصادية، ونسعى لتحويلها إلى قاعدة اقتصادية قوية قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية”.
وأضاف الوزير أن الحكومة تعمل على خصخصة بعض الشركات الحكومية الخاسرة، وتسعى لتطوير قوانين جديدة تُشجع الاستثمار الأجنبي.
وأشار الشيباني أيضاً إلى جهود تحسين قطاع الكهرباء، مذكراً بأن قطر تعهدت بتزويد سوريا بـ200 ميغاوات من الكهرباء مع إمكانية زيادة الكمية تدريجياً.
وفي سياق موجه إلى المجتمع الدولي، أكد الشيباني أن سوريا تسعى إلى أن تكون دولة سلام لا تشكل أي تهديد لجيرانها أو لأي دولة في العالم. وأضاف: “نحن ملتزمون بالاستقرار في المنطقة ولن نسمح بتكرار أي نزاعات داخلية”.
كما أشار إلى أن لجنة من الخبراء تعمل حالياً على صياغة دستور جديد للبلاد عبر حوار وطني شامل يضمن تمثيل جميع مكونات المجتمع. وفي هذا السياق، لفت مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، إلى أهمية الانتقال السياسي الشامل الذي يشمل دستورًا جديدًا وانتخابات حرة ونزيهة.
استعادة العلاقات الإقليمية
في إشارة إلى تحسين العلاقات مع دول الجوار، تحدث الشيباني عن زياراته الأخيرة إلى دول الخليج، بما في ذلك السعودية، الإمارات، وقطر، حيث ناقش تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي. وأوضح أن الحكومة السورية الحالية تعمل على إصلاح العلاقات التي تضررت خلال حكم النظام السابق.
وأكد الوزير أن هذه الجهود تعكس رغبة الإدارة الجديدة في بناء علاقات إيجابية مع الدول العربية، قائلاً: “نريد أن نكون جزءاً من الحل في المنطقة، لا جزءاً من المشكلة”.
وتسعى الإدارة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، لإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس حديثة. وأوضح الشيباني أن التعليم والنهوض بالموارد البشرية يعدان جزءاً أساسياً من خطة الحكومة للنهوض بسوريا، مشيراً إلى أن البلاد تواجه تحديات كبيرة لكنها مصممة على التغلب عليها.
وأكد أيضاً أن الجميع في سوريا سيخضع لسيادة القانون، مضيفاً: “لن نسمح لأي طرف بتطبيق العدالة بيده. هدفنا هو بناء دولة مؤسسات”.
ويرى مراقبون أن تصريحات وزير الخارجية السوري في دافوس، تمثل مع القرارات التي اتخذتها الإدارة الجديدة خلال الأسابيع الماضية، مؤشراً واضحاً على أن سوريا تسعى لإعادة تعريف نفسها كدولة حديثة منفتحة على العالم، ومستعدة لاستعادة مكانتها الإقليمية والدولية.
وفيما يواجه السوريون تحديات كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، تأمل الإدارة الجديدة في أن يكون عام 2025 نقطة تحول نحو الاستقرار والتنمية.