على بعد أمتار قليلة من ساتر ترابي يقسم قرية رسم الرواضي بريف القنيطرة جنوبي سوريا إلى نصفين، يقف يونس الخوالدة البالغ من العمر (50 عاماً) متحدثاً بصوت خافت ويتوجه بنظره نحو الساتر الذي يقف وراءه جنود إسرائيليين، قائلاً: “أصبح أخي لا يستطيع الوصول إلي إلا بعد تفتيش دقيق ووقت محدد للعودة إلى منزله”.
يتحدث الخوالدة الذي يعمل في الزراعة لموقع “963+”، عن معاناة يعيشها مع كافة سكان قريته من خلال عدم قدرتهم على التنقل داخل القرية بعد دخول الجيش الإسرائيلي إليها ووضع ساتر ترابي داخلها مع نقطة عسكرية، وتدمير أجزاء من منازل عدة في القرية التي يبلغ عدد سكانها ألف نسمة فقط.
لا أحد يحرك ساكناً
وتعتبر قرية رسم الرواضي بريف القنيطرة النقطة الأقرب للحدود الإسرائيلية وهي مركز انطلاق الجيش الإسرائيلي نحو ريف المحافظة الأوسط بما فيه مدينة البعث والحميدية وخان أرنبة وسد المنطرة.
وتتكرر المشاهد ذاتها في مناطق سورية عدة جنوبي البلاد بالقرب من الحدود مع إسرائيل، حيث تقطعت أوصال عدد من المدن والبلدات والقرى باستخدام سواتر ترابية أو حواجز اسمنتية أو أعمدة حديدية.
ويتابع الرجل الخمسيني: “لقد دمروا نصف منزلي منذ عدة أيام والآن أسكن في غرفة واحدة أنا وجميع أفراد عائلتي، هذه ليست المرة الأولى التي أتعرض بها للاعتداء من قبل الجيش الإسرائيلي ولا أحد يحرك ساكناً”.
وكان قد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في كلمة متلفزة عقب السيطرة على المنطقة العازلة، انهيار اتفاق “فض الاشتباك” مع سوريا بشأن الجولان الذي أبرم عام 1974، وأمر الجيش بـ”الاستيلاء” على المنطقة العازلة حيث تنتشر قوة الأمم المتحدة، جنوب غربي سوريا.
تجلس منى إبراهيم (40 عاماً) وهي من سكان قرية رسم الرواضي على أنقاض حديقة منزلها الذي تعرض بدوره للتخريب وهدم بعض أجزائه من قبل قوات إسرائيلية بعد مداهمته ودخوله عدة مرات.
وتقول بلهجتها العامية لـ “963+”، “كل يوم بيفوتو علينا بالليل.. دمروا سياج البيت والمطبخ غير الشجر يلي بالحوش ماضلت ولا شجرة، اضطرينا نقلع الشجر ونعملوا حطب”.
الخيار الأقل صعوبة ومرارة
السبت الماضي، قال القائم بأعمال قائد قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف) باتريك جوشات، إنه أبلغ القوات الإسرائيلية أن وجودها في المنطقة العازلة، واستمرار توغلها داخل الأراضي السورية ينتهك اتفاق فض الاشتباك.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن قائد “الأندوف” أن السكان في القرى السورية التي توغلت إليها إسرائيل مؤخراً لا يرغبون ببقائها ويريدون خروجها فوراً.
وتتذكر منى اللحظات العصيبة التي عاشتها مع عائلتها المكونة من 4 أطفال وزوجها عندما تعرضوا للتهجير قبل شهر من الآن بالتزامن مع دخول الجيش الإسرائيلي إلى القرية وتقول: “بقينا عدة ساعات في العراء لم نعرف إلى أين سنذهب بعد هروبنا من منزلنا تاركين كل شيء خلفنا”.
وأضافت: “اخترنا الخيار الأقل مرارة، عدنا إلى منزلنا لكننا نعاني من التوتر المستمر وصعوبة التواصل داخل القرية”.
وتشتكي السيدة من الغياب التام للمنظمات الدولية والإنسانية وعدم تسليط الضوء على ما يحدث داخل المنطقة حيث السكان يعيشون حالة من الخوف والذعر الدائمين.
إجراءات صارمة
وتوغل الجيش الإسرائيلي بعد سقوط النظام السوري المخلوع في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، في قرى وبلدات بالمنطقة العازلة وخارجها بين سوريا والجولان المحتل وجبل الشيخ. حيث أحكم السيطرة على المناطق الحيوية وقمم التلال التي تكشف مساحات واسعة في محافظتي درعا والقنيطرة.
وكشفت مصادر محلية لـ”963+”، أن الجيش الإسرائيلي يشدد ويمنع التقاط الصور والفيديوهات في المدن والبلدات السورية التي توغل إليها مؤخراً.
وذكرت أنه قبل عدة أيام احتجزت القوات الإسرائيلية مراسل قناة تلفزيونية لمدة أربع ساعات وقاموا بمصادرة الكاميرا والهاتف الشخصي الخاص به ليتم بعد ذلك إطلاق سراحه من مكان احتجازه في سد المنطرة بريف القنيطرة.
ودعا رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، الخميس الماضي الجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب من الأراضي السورية، مؤكداً التزامه باتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل الموقع في العام 1974، والجهوزية التامة للتعاون مع القوات الدولية على الحدود مع إسرائيل وتأمين الحماية لها.