في ظل الوضع السياسي والعسكري السوري الجديد بعد سقوط النظام السابق، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده ستتخذ قريباً خطوات حاسمة لتصفية وجود وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، محذراً من أي محاولات “لتقسيم البلاد”. هذه التصريحات تزامنت مع محادثات بين الزعيم الكردي مسعود بارزاني وقائد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) مظلوم عبدي، التي ركزت على توحيد الموقف الكردي وإخراج مقاتلي حزب العمال الكردستاني، الذين يقاتلون ضمن وحدات حماية الشعب المنضوية في صفوف “قسد” وفي هذا السياق، أكد محللون سياسيون أن الحلول في شمال شرقي سوريا تتراوح بين الحوار والحلول العسكرية، مشيرين إلى تعقيدات الوضع الكردي وتحديات التصعيد التركي، مع تأكيدهم على أن تركيا ستواصل الضغط لضمان وحدة سوريا ومنع أي تقسيم.
ورحبت الولايات المتحدة بالاجتماع الذي عقد في السادس عشر من يناير بين رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني وقائد “قسد”. وأضافت أنه يمكن للحوار بين الأكراد أن يلعب دوراً حاسماً في تعزيز الانتقال السياسي الشامل في سوريا.
التأثير التركي في الشأن الكردي السوري
فيما يخص تصريحات أردوغان حول تصفية وحدات حماية الشعب، أكد الكاتب السياسي آلان بيري المقيم في فيينا، أن الحديث عن القضاء على “قسد” هو “خطوة معقدة”، حيث أكد أن “قسد لا تعتمد فقط على الوحدات الكردية، بل تضم مقاتلين سوريين من مكونات مختلفة مثل الكرد والعرب والسريان”.
وأوضح في تصريحات لموقع “963+”، أن “الكثير من التصورات الخاطئة حول كون قسد قوات كردية فقط لا تنعكس في الواقع، لأن قسد تمثل مظلة عسكرية تضم تنوعاً عرقياً وإثنياً كبيراً”.
أما بخصوص محادثات عبدي وبارزاني، اعتبر بيري أن هذه الجهود لتوحيد الموقف الكردي “خطوة هامة لتوضيح الموقف الكردي في المفاوضات مع دمشق”. وقال: “اللقاء بين بارزاني وعبدي يمثل خطوة محورية في توحيد القوى الكردية في سوريا، مما قد يمنحهم زخماً أكبر في المفاوضات القادمة”.
وأضاف أن هذا التقارب الكردي “قد يعزز فرصهم في الحصول على دعم دولي أكبر، وهو أمر يصب في مصلحة قسد في ظل الظروف الحالية”.
التدخلات التركية
رداً على تصريحات أردوغان بشأن القضاء على قسد، قال المحلل السياسي التركي هشام جوناي: “تركيا تعتبر وجود وحدات حماية الشعب تهديداً أمنياً مباشراً لأمنها القومي، ويجب أن تُحَل هذه القوات أو يتم دمجها تحت الجيش السوري”.
وأضاف جوناي لـ”963+”: “إن تركيا ترى أنه لا خيار سوى اتخاذ إجراءات حاسمة إذا لم تُفضِ المباحثات إلى نتائج ملموسة”.
وأشار كذلك إلى أن “تركيا قد تسعى إلى تحريك الحوار من خلال التواصل مع عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، كأحد الحلول لتخفيف حدة التوترات في المنطقة”. مؤكداً أن “الموقف التركي ثابت في رفض أي تقسيم لسوريا، ودعمها لإدارة مركزية تضم كافة المكونات الإثنية مع ضمان حقوق الأقليات”.
اقرأ أيضاً: رويترز: مباحثات “معقدة” تشارك فيها ثلاث دول حول الاتفاق مع “قسد” – 963+
أما الأكاديمية السياسية غولشن سغلام، التي تناولت في تصريحاتها المواقف التركية، أوضحت أن “تركيا تعتبر أن وجود وحدات حماية الشعب يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي”، مشيرة إلى أن تركيا تسعى إلى تفكيك هذه القوات أو دمجها في الجيش السوري تحت إشراف الحكومة المركزية. وقالت لـ”963+”: “أنقرة ترفض تقسيم سوريا بشكل قاطع وتعتبر ذلك جزءاً من استراتيجيتها الأمنية”.
وتابعت سغلام أن “تصريحات أردوغان تعكس رغبة تركيا في ضمان وحدة سوريا وسلامة أراضيها”، مؤكدة أن تركيا “مستعدة لاتخاذ خطوات عسكرية إذا استمرت قسد في رفض دمجها ضمن الجيش السوري”.
وأشارت الأكاديمية السياسية، إلى أن “التفاهمات الدولية والإقليمية الناجحة قد تسهم في تفكيك قسد وإعادة هيكلتها بما يحقق الاستقرار الإقليمي والأمن القومي التركي”.
اقرأ أيضاً: عبدي: منفتحون على ربط “قسد” بوزارة الدفاع شريطة أن تبقى ككتلة عسكرية – 963+
التوترات الإقليمية والمصالح الدولية
من جهة أخرى، اعتبر خالد زين الدين، المحلل السياسي ورئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية، أن الأزمة السورية تكشف صراعاً جيوسياسياً بين تركيا والدول العربية. وقال: “تركيا تسعى لتوسيع نفوذها في سوريا، وهو ما قد يتضمن تعزيز الأجنحة الإخوانية في دول المنطقة مثل لبنان والعراق والأردن”.
وأضاف زين الدين لـ”963+” أن “تركيا تستخدم الملف الكردي في سوريا كجزء من استراتيجية أوسع لتحقيق أهدافها في المنطقة”.
وفي سياق متصل، اعتبر المحلل السياسي، أن الولايات المتحدة تستفيد من التوترات في سوريا لتوسيع نطاق نفوذها الإقليمي. وقال: “الولايات المتحدة ترى أن دعمها لقسد يمثل ورقة ضغط على تركيا، مما يعزز موقفها في المفاوضات بشأن مستقبل سوريا”.
وأكد أن الصراع في سوريا “سيكون له تأثيرات كبيرة على المنطقة، خاصة في لبنان”، مشيراً إلى أن التوترات قد تؤدي إلى تغيير في التحالفات الإقليمية.
وفيما يخص الموقف الأميركي، أكد بيري أن الولايات المتحدة تواصل دعمها لـ”قسد” بشكل غير مباشر، مستفيدين من تنوع هذه القوات في إطار المكونات الإثنية المختلفة. وأضاف: “الولايات المتحدة لا تزال ترى في قسد حليفاً رئيسياً في الحرب ضد داعش، ولذلك تواصل دعمها رغم الاعتراضات التركية”.
أما على الصعيد الإقليمي، أكد المحلل جوناي، أن “تركيا تؤمن بحلول ديبلوماسية لكن إذا فشلت هذه المساعي، فإنها قد تلجأ إلى الحلول العسكرية”. وقال: “إذا استمرت قسد في موقفها الرافض للدمج في الجيش السوري، فإن تركيا قد تكون مضطرة إلى اتخاذ خطوات عسكرية لتنفيذ مواقفها الأمنية”.
وتشير التوترات الحالية في سوريا إلى أزمة معقدة تحكمها مصالح إقليمية ودولية متعددة. وفي وقت تشدد فيه تركيا على ضرورة تفكيك وحدات حماية الشعب وضمان وحدة الأراضي السورية، تواصل الأطراف الكردية تعزيز موقفها عبر الحوار والتفاهمات الإقليمية.
وبحسب محللين، يبقى أن تسفر المحادثات الكردية-الكردية عن نتائج حاسمة، وفي حال عدم تحقيق اختراق دبلوماسي، فإن المنطقة قد تشهد مزيداً من التصعيد العسكري والتدخلات الإقليمية.